حَابِسُ الْفِيلِ .. !؟
في شَهْرِ ذِي القِعْدَةِ مِنَ العَامِ السَادِسِ لِلْهِجْرَةِ.. تَوَجَّهَ رَسُولُ اللهِ نَبيُّنَا وَسَيّْدُنَا محمد صلى الله عليه وسلم إلى مَكَةَ المُكّرَمَةَ لِأدَاءِ عُمْرَةٍ وَمَعَه ألفٌ وَأرْبَعُمَائَةٍ مِنَ المُهَاجِرِين وَالأنْصَارِ رِضْوانُ اللهِ عَلَيهم.. وفي الطَرِيقِ مِنَ المَدينةِ المنَّورةِ إلى مَكةَ المُكرَّمةَ.. حَرنَت نَاقَةُ رَسُولِ اللهِ تَعالى وامْتَنَعت عَنْ السَيْرِ, فقالَ بَعْضُ النَّاسُ: خَلَأت القَصْواءُ.. فقالَ الرَسُولُ صلى الله عليه وسلم :" لَا.. مَا خَلَأت.. وَمَا هُو لَهَا بِخُلقٍ.. وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ عَنْ مَكَّةَ ..!؟ ". تَأمْلتُ هَذِه العِبَارةَ طَويلاً , وَأخذْتُ أتَسَاءلُ مَعَ نَفْسي فَقُلتُ: مَا هَذا الاسْتِدْعَاءُ العَجِيبُ لِخَبْرِ حَملَةِ الفيلِ ..؟! تَزَمُنًا مَعَ مَا بَدا مِنْ نَاقَةِ رسُولِ الله تَعالى صلى الله عليه وسلم مِنْ حَرَنٍ وامْتِناعٍ وَقلْتُ : مَا هِي مُبررَاتُ المُقَارَنَةِ بَيْنَ حَبْسِ الفِيلِ وَ حَبسِ النَاقَةِ..؟ وَمَا هُو وَجْهُ الشَبَهِ بَيْنَ زِيَارةٍ مُبَاركةٍ قَادِمَةٍ لِتَعْظِّمِ الكَعْبَةِ البَيْتِ الحَرامِ.. وبَيْنَ حَمْلَةٍ عَسْكَريَّةٍ عَادِيَةٍ مُجْرِمَةٍ تُرِيدُ تَدّنِيسَها وهَدْمَها ..؟ وبعدَ طُولِ تَدبُّرٍ وتأملٍ.. وجَدتُ أنَّ عِلة َالرَبْط ِ بَيْنَ هَاتينِ الحَالتَينِ المُتَنَاقِضَتينِ بِالغَايَةِ والهَدَفِ.. إنَّمَا هُو بِفَهمي احْتِمَالُ اشْتِراكُهمَا بِانْتهاكِ حُرمَةِ سَفكِ الدِمَاءِ في البَيتِ الحَرَامِ.. فِيمَا لو تَرتَّبَ علَى أدَاءِ هَذِه العُمْرَةِ انْدِلاعُ حَرْبٍ بَيْنَ المُسلمين وقُريشٍ.. وهَذَا مَا يُؤكِدُه تَصْرِيحُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم :" وَيْحَ قُريشٍ لَقد أكَلَتْهُم الحَرْبُ . وَاللَّهِ لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إِلَى خُطَّةٍ يَسْأَلُونِي فِيهَا صِلَةَ الرَّحِمِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا". ولِمَ العجبُ ..؟ إنَّها رِسَالَةُ الإسْلَامِ.. رِسَالةُ الأمْنِ وَالسْلَامِ.. رِسَالَةُ تَعْظِيمُ الكَعْبَةِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ.. ورِسَالَةُ تَعْظِيمِ قُدْسيَّةِ حَيَاةَ الإنْسِانِ.. رِسَالةُ حَقْنِ دِمَاءِ النَّاسِ كُلِّ النَّاس لِقولِه تَعالى :" فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا". وبَعْدُ.. فَهلَّا أدرَكَ مَنْ يَذْبَحون ويُشْعِلون الحُروبَ بِاْسمِ اللهِ..؟! أنَّ السْلَامَ اسمُ اللهِ.
وسوم: العدد 884