النِظَامُ العَالَميُّ.. والحُكْمُ الرَشِيدُ
سَألَ أحدُ الزُملاءِ الأجِلَاءِ قَاِئلاً : يَا أبَا فيصل أنَا أُدْرِكُ تَمَاماً مَا تَقْصِدُ بِعِبَارةِ (الرَشِيدُ) التي تَتكرَرُ في مُعْظَمِ كِتَابَاتِكم وَرَسَائلِكم التِي تُطْلِقُها على التَوالي .. إلَّا أنَّ بَعْضَ الزُمَلاءِ يَتَساءلُ هَل هَذا الرَشْدُ الذي تَتحَدثُون عنَه لَه مَعَاييرٌ مُحَددَةٌ ..؟ أرْجو مِنْ فَضْلِكُم أنْ تُجلِّي هَذه المَسْألَة مَشْكُوراً .. فَشَكرتُ لِمَعَاليِه كَريِمَ تَواصُلِه واهْتِمَامِه .. وقدَّرتُ لِمَنْ يَتَسَاءلُ عَنْ مَعَاييرِ الرُشْدِ .. فَهي بِكُلِّ تَأكيدٍ تَسَاؤلاتٌ مَشْروعَةٌ وقيَّمَةٌ ومُقَدَّرةٌ, تُنْبِئ ُعَنْ عُمْقٍ في التَفْكيرِ, وَعَنْ تَألُقٍ في المَوضُوعيَّةِ. وبَدايَةٌ أقول :أنَّ عِبَارةَ الرُشْدِ لَها في اللُغَةِ مَعَاني جَمَةٌ منِها الاسْتِقَامَةُ .. والرَشْدُ : حُسْنُ التَقْديرِ وَالتَدْبيرِ .. والرُشْدُ : خِلافُ الغَيِّ والغِوايَةِ والضَلَالِ .. والرَاشْدُ : ذو العَقْلِ والحِكْمَةِ وَالكفَاءَةِ والخِبْرَةِ وَالمَهَارَةِ .... هَذه المَعَانِي ومَا يَتْبعُها مِنْ خِصَالِ الخُلقِ الحَميدِ والصَلَاحِ , تُحدِدُ مَعَاييرَ الرُشْدِ وتَرسِمُ مَلامِحَه. ولكنَّ السُؤالَ الذي يَفْرضُ نَفْسَه ويُلِّحُ بِاسْتِمرارٍ .. مَا هَي المَعَايِيرُ القِيَميَّةُ التَي تَتطلبُها عَمليِّةُ بِنَاءِ ثَقافَةِ الرُشْدِ لأتْبَاعِ الثَقَافَاتِ, وأتْبَاعِ الدْينِ الرَبَّانيِّ , وأتْبَاعِ الأدْيَّانِ البَشريَّةِ والفَلْسفَاتِ الرُوحيَّةِ المُتَنوعَةِ..؟ لا أحْسَبُ أنَّ أحداً يُماري ويُجادلُ بِأنَّ جَميعَ الثَقافاتِ والقيمِ الدْينيَّةِ الرَبَّانيَّةِ والبشريَّةِ والفلسفاتِ بِعَامةٍ, تُعظِّمُ مِنْ شَأنِ كُليَّاتٍ قِيميَّةٍ أخْلاقيَّةٍ جَامعةٍ , وتَرْتَضِيها لِحَيَاةِ أجْيَالِهَا مثل:
العَدْلُ. إجْلَالُ قُدسيَّةِ حَيِاةِ الإنْسِانِ. إجْلَالُ قُدسيَّةِ كَرامَةِ الإنْسِانِ. إجْلَالُ قُدسيَّةِ حُريَّةِ الإنْسِانِ. إجْلَالُ قُدسيَّةِ مُمتَلكاتِ ومَصَالحِ الإنسان. إجْلَالُ قُدسيَّةِ الأمْنِ والسْلَامِ. إجْلَالُ قُدسيَّةِ سَلَامَةِ البيئَةِ بشَقْيَها( الاجْتِمَاعيُّ وَالجَغْرَافيُّ). إجْلَالُ قُدسيَّة في مَيادِينِ إقَامَةِ الحَيَاةِ.وأنَّ الأرضَ سَكنٌ للجَميعِ .. وأنَّ ثَرْواتِها مُسخَرةٌ للنَّاسِ وِفْقَ قَواعدَ احْتِرَامِ حَقِ التَمَّلُكِ وَمَشْروعيَّةِ حَقِ الانْتِفَاعِ.
أمَّا مَا هُو الحُكْمُ الرَشِيدُ ..؟
فَهُو الحُكْمُ القَائِمُ على اعتِمَادِ القِيَمِ والمَبادِئَ السَالِفَةَ الذِكْرِ, ويَلتَزِمُها مِنْهَاجاً لِسياسَاتِه إقْليِميِّاً ودَوْليَّاً .. هَذا وجَديرٌ بِالذكرِ أنَّه في مَطْلَعِ السَبْعينَاتِ مِنْ القَرنِ العِشْرِين .. بَادَرت مَجْموعَةٌ مِنَ المُفَكْرِين علَى المُستوى العالميِّ ومِنْهم كَاتِبُ هَذه الرْسَالَةِ .. إلى بَلْورَةِ مَجْموعَةٍ مِنَ القِيَمِ والمَبَادئِ الجَامِعَةِ لِتَكونَ أسَاسَاً لِنَمط ِ حُكْمٍ بَشريٍّ آمنٍ سَمْوه (الحُكْمُ الرَشِيدُ) .. اقرأ إنْ شِئتَ قِصْةَ الحُكْمِ الرَشِيدِ في كِتَابِنَا ( مَفَاهيمٌ فِي تَرْشِيدِ المَسَارِ الحَضَاريِّ) وهو متاح مجاناً.
وسوم: العدد 884