صدق المعاناة وتأنيب الضمير لما يرتكبه مجرم الحرب بشار من جرائم
عندما يقرأ الإنسان عن معاناة باحث يغوص في أعماق حقيقة ما يجري في سورية وما يتعرض له الشعب السوري على يد حكامه المتعطشين للدماء والقتل والتدمير، في مواجهة أبسط المطالب العادلة التي يجب أن يتمتع فيها المواطن وتكفله له شرعة السماء والقوانين الوضعية؛ المتمثلة بالحرية والعدالة وحق الحياة، وتراه يشعر بعقدة الذنب وتأنيب الضمير لأنه لا يستطيع فعل شيء في مواجهة هذا الظلم الفادح الذي لم يشهد له التاريخ مثيلاً.
الباحث الياباني يامادا يحوز على درجة الماجستير في الإبادة الجماعية في سورية
ففي دراسة مضنية وبحث متعب نال الباحث الياباني "إيتشيكو يامادا" درجة الماجستير من جامعة طوكيو بتخصص دراسات الإبادة الجماعية بأطروحة بعنوان (دراسة حول آلية الإبادة الجماعية في إطار المفهوم الأوسع-قضية أعمال الإبادة ضد المدنيين في الثورة السورية).
ويذكر إيتشيكو أن هذه الدراسة "تلقي الضوء على الجانب الإنساني لما يجري في سورية، وليس تحليلَ البيانات فقط". ويتابع قائلاً: "لا أعتبر رسالة التخرج هذه مجرد بحثاً، وإنَّما هي شكل من أشكالِ المقاومةِ ضدَّ أسوأ أنواع المجرمين في العالم، ضد الإفلات من العقاب، ضد سقوط إنسانيتنا".
وتخلص الدراسة التي أعدها الباحث الياباني إلى أن ما حدث في سورية وفي سجونِ النظامِ السوريّ بشكل خاص ليس مجرد انتهاكات جماعية لحقوق الإنسان، وليس عنفاً روتينياً يحدث عادةً في مناطقِ الحروبِ والنزاعاتِ، ولكنَّه عملاً ممنهجاً ومتعمداً للإبادةِ بنية مقصودة وعن سبق وإصرار عن طريق سلسلة من التعليمات الواضحة من القيادات العليا" للنظام السوري المجرم (صوب بالمليان واقتل كل من يواجهك).
وينهي الباحث الياباني حديثه قائلاً: "لقد تعلمت من كل الناجين الذين قابلتهم دروساً في معنى أن تكون إنسانًا وأهمية العيش بكرامة، فأنا أرى فيكم الأمل لهذا العالم المنهار".
ومما جاء في خاتمة رسالة التخرج قوله:
"إن صياغة هذه الرسالة والقيام بالبحث أصعبُ مما كنتُ أتخيله. فالقيام بالمقابلات مع الناجين من الأسر أو عائلاتهم التي يمكن أن تفتحَ جراحهم وفحص صور التعذيب وحالة السجون كل ذلك جعلني حزينا مكتئبًا وتساءلتُ كيف يمكن للإنسان أن يكون سيئاً وظالماً لهذه الدرجة، ومع ذلك كان الجزء الأكثر إيلاماًّ هو حقيقة أنَّ النَّاس يموتون في سجون سورية تزامنا مع كتابة هذه الأطروحة.
الباحث يامادا يؤسس مؤسسة للدفاع عن السورين وكشف جرائم الأسد
واستجابة لتأنيب ضميره عما يجري في سورية من عذابات وجراحات وآلام قام الباحث الياباني بتأسيس منظمة إنسانية باسم (Stand with Syria Japan-SSJ) في عام 2017 استجابة لنداء ضميره للتعامل مع الأزمة السورية المفجعة والمؤلمة.
وبمزيد من التفاؤل يقول الباحث الياباني: "شعرنا بالثقة حيال ما قمنا به لبرهة من الزمن لما حققناه من نتائج، ولكن بنفس الوقت الذي كنا نشعر بالرضى حيال ما قدمناه من النتائج تعرض شباناً مثلي للتعذيب الشديد حتى الموت، شباناً لم أستطع إنقاذ أي منهم، فأعود لشعوري بالأسف تجاههم، وهذه الحقيقة تطاردني إلى الأبد لذا أعتقد أن قيامي بهذا البحث كان وسيلة للتكفير عن ذنبي".
ويضيف قائلاً: "أعرف أنَّه لا يمكن لبحثي إنقاذ بقية المعتقلين أو تغيير الوضع بشكل كبير في سورية ولكني قد أنجزت أفضل شيء في حياتي على الأقل، فإذا شعر أولئك الذين سوف يقرأون بحثي ولو بجزء ضئيل من معاناة الضحايا وأصبحوا شهودًا حقيقيين لتاريخ هؤلاء الرجال والنساء الشجعان الذين ضحوا بكل شيء من أجل التحرر، عندها أكون قد ساهمت في مستقبل أكثر عدلاً وإشراقًا للجميع".
هتافات يرددها يامادا بحرقة قلب
ويهتف يامادا بحرقة ألم قائلاً:
• صوت الساروت كان يرن في أذني، وغير مسار حياتي تماما.
• حريتي ستبقى منقوصة حتى ينال السوريون حريتهم، وهذه ثورتي رغم بعدي عن مهدها 9 آلاف كيلومتر.
• نأسف لرواج رواية النظام بين جمهور بلادنا، ونسعى لتغيير ذلك ودفع حكومتنا لاتخاذ موقف حازم.
• عندما لا يرى الإعلام في القضية السورية سوى الجانب الحربي، فمن الطبيعي أن يتراجع اهتمامه.
وقال الباحث الياباني "إيتشكيو يامادا" إن شعب بلاده الذي قاسى آلام الحرب وعانى ويلاتها، لن يتوقف أبداً عن دعم السوريين ومناصرتهم حتى ينالوا حريتهم التي يكافحون لأجلها.
ونوه "يامادا" بأنه تعرف إلى الثورة السورية عندما كان يواصل دراسته الثانوية في باريس، من خلال متابعة مظاهرات السوريين السلمية عبر شاشات التلفزيون، حيث تأثر بمشهد الشباب الذين في مثل عمره وهم يطالبون بالحرية والعدالة والكرامة، التي يشترك جميع البشر في التوق إليها.
وتابع: كنت أدرك أن قيمة الحياة في الكرامة، لكنني لم أتخيل يوما أن هناك أناسا ما زالوا محرومين منها بفعل الطغيان، ومن هنا شعرت وأنا أتابع وجوه الشباب السوري وأرى تظاهراتهم، أن هناك صوتا يدعوني لمشاركتهم هذه الثورة وتلك المطالب، ومنذ ذلك الحين باتت الثورة السورية ثورتي -أنا الياباني-أيضا، وبات عليّ أن أدعمها بكل ما أستطيع.
يامادا: ألم السوريين هو ألمي
وأكد "يامادا" أنه عاين في السنوات الفائتة كثيرا من مشاهد الموت في سورية، والتحم بالحالة السورية حتى بات ألم السوريين ألمه، معقبا: أشعر أن حريتي ستبقى منقوصة حتى اليوم الذي ينال فيه السوريون حريتهم، ليس لدي خيار آخر حيال هذه القضية، حتى ولو كانت الأحداث تجري في بلد يبعد عن بلدي اليابان 9 آلاف كيلومتر.
وتحدث "يامادا" بأسى عن تبني الإعلام الياباني آراء خبراء ومحللين يقفون إلى حد كبير في صف بشار الأسد؛ ما يجعل الجمهور ميالا للتعاطف مع النظام ودعايته، بل إن الأمر الأكثر إثارة للصدمة يتمثل في محاولة الحكومة اليابانية دعم النظام، عبر بوابة المساهمة فيما يسمى "إعادة الإعمار"، التي أطلقها بشار الأسد.
لكن مؤسس "Stand with Syria Japan" المعروفة اختصارا بـ"SSJ"، يقول إن منظمته نجحت إلى حد ملموس في إدخال تغييرات على الرأي العام الياباني بخصوص القضية السورية، عبر تنظيم العديد من الفعاليات العامة التي استحوذت على اهتمام وسائل الإعلام المحلية، فضلا عن إلقاء محاضرات في عدة جامعات حول سورية، ومن هنا بات أمام الجمهور الياباني فرصة للحصول على رواية مختلفة، تمثل الرواية الحقيقية مدعمة بقصص السوريين ذات العمق الإنساني ببعده المأساوي، وليست تلك الرواية التي تتناول القضية بشكل أجوف من باب السياسة الدولية أو المصالح الوطنية.
مؤسسة يا مادا تكسب مزيداً من المؤيدين لها
ومع كل حدث كانت تنظمه "SSJ"، كانت تتلقى، حسب قول مؤسسها، ردود أفعال إيجابية وعبارات من قبيل: "حقا لم أكن أعرف ماذا كان يجري في سورية، وأن هناك بشرا من طينتنا يعانون اليوم في سبيل البقاء على قيد الحياة كبشر"، "شعرت بألمهم وأملهم اليوم، هذا شيء لا يمكنني الحصول عليه عبر وسائل الإعلام اليابانية".
وعبر "يامادا" عن قناعته بأن الأصوات التي تبدو قليلة اليوم ستكثر غداً، وسنصل إلى صياغة خطاب ياباني عام يضع نقاط القضية السورية فوق الحروف الصحيحة، ويدفع أصحاب القرار إلى اتخاذ موقف حازم ضد نظام الأسد المجرم.
ورغم أن عمر مؤسسة "SSJ" لا يتجاوز ثلاثة سنوات، حيث ولدت في ربيع 2017، فإن "يامادا" يقول إن عمله الفعلي لصالح الثورة السورية بدأ عام 2014، عندما كان في لندن، حيث احتك مباشرة مع السوريين، عبر نشاطه في إحدى المنظمات التي تساعدهم.
يامادى: نطمح لتعريف السوريين بنا
يتذكر "يامادا": في لندن التقيت بعض العائلات السورية، وأدركت صعوبة الوضع في سورية، وجاءت مشاهدتي لفيلم "العودة إلى حمص" الذي أخرجه "طلال ديركي"؛ لتغير مسار حياتي 180 درجة، حيث أدركت أن هناك أناسا مثلي من لحم ودم يُقتلون فقط لأنهم يطالبون بالكرامة، وشعرت أن بطلي الفيلم (عبدالباسط الساروت وأسامة الحمصي) يخاطبانني متسائلين: "لماذا ما تزال تتجاهل أصواتنا ؟!".
من يومها بدأت التواصل مع "ديركي"، وفي مطلع 2016، نجحت في تنظيم أول نشاط عام حول سوريا جمع نحو 250 شخصا، وواظبت على إقامة فعاليات مشابهة، رغم أنها كانت بجهود شخصية مني وحدي، ما عدا خدمات كان يقدمها لي بعض أصدقاء في يوم الفعالية.
ويتابع: مع مرور الأيام أصبحت أحس بثقل المسؤولية والمهمة، وبات عليّ أن أبحث عن شركاء يساعدونني لمواصلة الفعاليات وتطويرها، ومن هنا ولدت "SSJ"، التي ما يزال طاقمها قليل العدد لكن المتعاونين والمتعاطفين معها كثر، ومن يبنهم سوريون، أمثال: المخرج "طلال ديركي"، الصحافية "زينة ارحيم"، عضو منظمة الخوذ البيضاء "إسماعيل العبد الله"، عازف البيانو "أيهم أحمد"، المصور الصحفي "رامي السيد"، فضلا عن المتطوع الإغاثي "أحمد أبو شعر".
وإلى جانب هؤلاء، جمهور من السوريين الذين يسمعون عن جهودنا وحملاتنا ويقدرونها لنا، رغم أنه لا يوجد تواصل مباشر بيننا، ومن بينهم متظاهرون رفعوا لافتة شكر لمنظمتنا في إحدى مظاهرات إدلب الأخيرة، ردا على تضامننا معها في وجه تهديدات الاجتياح والإبادة التي كانت تتلقاها.
ويضيف يامادا قائلا: أعتقد أن عددا لا بأس به من السوريين قد شاهدوا وتأثروا بصورة مجموعة من طلبة اليابان وهم يحملون لافتات تضامن مع "إدلب"، نتيجة حملة نظمتها "SSJ"، وهذا يسعدني شخصياً ويسعد منظمتنا، لأننا لا نسعى فقط لتعريف اليابانيين بما يجري في سورية، بل نسعى لتعريف السوريين أيضاً بأن هناك أناساً في أقصى بلد عنهم يتضامنون معهم، ويناصرون ثورتهم الداعية للحرية والكرامة، ويناهضون كل أنواع الطغيان التي يتعرض لها السوريون، وفي مقدمتها طغيان بشار الأسد.
المصادر
*شبكة شام-15/7/2020
*زمان الوصل-29/9/2018
*مدونة هادي العبد الله-16/7/2020
وسوم: العدد 886