هل فلسطين أرض موعودة لشعبين؟
استفزني عنوان برنامج عرضه التلفزيون الفرنسي على (القناة TNT 7 آرت) وعنوان البرنامج: أرض موعودة مرتين: لإسرائيل وفلسطين. وهو وثائقي فرنسي من إعداد وليم كاريل وبلانش فينغر ـ ويعتبر نفسه برنامجاً مكرساً لحساب (فهم الحقيقة)!
المساواة بين القاتل والضحية
لم أجد البرنامج كما يصف نفسه، بل وجدته يخلط بين القاتل/الإسرائيلي، والضحية الفلسطينية. وفلسطين في نظري ليست «أرضاً موعودة» إنها وطن عربي/اسمه فلسطين. يركز البرنامج على كتاب تيودور هرتزل الصادر عام 1896 وعنوانه «دولة اليهود» حيث استوعبت فلسطين الموجة الأولى من هجرة اليهود وباع الكثير من الفلسطينيين الأراضي لهم، كما يزعم الكتاب، ثم صارت فلسطين تحت الانتداب البريطاني. وجاء «وعد بلفور» فضاعف اليهود عدد المهاجرين.. ونسي البرنامج (الموضوعي!) أن يتحدث عن المذابح ضد الفلسطينيين في «دير ياسين» وأمثالها..
وساوى بين القاتل والضحية، وذلك يستفزني دائماً.
كلام (عقلاني) وأفعال عدوانية استبدادية!
منذ أسابيع أحرقوا مسجد «البر والإحسان» في شمال شرق بلدة البيرة في فلسطين، وخطوا على جدرانه بعد الحريق: (أرض إسرائيل لشعبها، وعلى الفلسطينيين أن يختفوا)! كما نقلت لنا الكاتبة عميرة هاس، على صفحات «القدس العربي» وهذا الشعار المكتوب بالدهان على حائط المسجد يكاد يكون نسخة عن شعار هتلر نحو اليهود. وها هي الضحية سابقاً تتحول إلى جلاد وإلى نسخة ممن حاول قتلها في «غرف الغاز»..
البرنامج التلفزيوني الذي استفزني يحاول أن يقول كلاماً عقلانياً، لكنه يتجاهل أفعال إسرائيل الاستبدادية.. واعتداء المستوطنين على المسجد الأقصى وإذلالهم للفلسطينيين على الحواجز وفي السجون وحرمانهم مثلاً من العلاج لمرض كورونا، ومحاولة قهر أسراهم… وتهديم بيوتهم. وربما كان من الأفضل للتلفزيونات العالمية عدم التورط في برنامج كهذه تثير الحزن والسخرية في آن…
لا أدري كيف تتخيل إسرائيل أن بوسعها أن تعيش في المدى البعيد جداً وهي جزيرة معزولة وسط محيط شاسع من العرب.. ولو كنت يهودية لخفت من الهجرة إلى (إسرائيل).
لا تخيف أحداً هذه الأيام!
إسرائيل تتلقى الهدايا من السيد ترامب (القدس مثلاً التي نقلت إليها U.S.A سفارتها) و«صفقة القرن» لاستيطان مزيد من الإسرائيليين في القدس، كما يمارس الإسرائيلي «لا إنسانية» سلوكية نحو الأشجار والمزارع الفلسطينية، وتحاول إسرائيل (تهريبهم) من أرضهم ليتوسع احتلالها لفلسطين. والتفاصيل تطول حول الشبكة العنكبوتية الإسرائيلية التي تحاول بشتى الأساليب دفع الفلسطينيين إلى الخروج من أرضهم دون نجاح يذكر.. ومما يسعد إسرائيل انشغالنا عن أفعالها النازية بحروبنا المحلية في سوريا والعراق واليمن وليبيا وسواها، وربما في لبنان عما قريب!.
وسعادتها في محلها.. ولكن وعلى المدى التاريخي الطويل، كيف تتخيل إسرائيل أنها ستصير جزءاً من الحياة العربية وهي جزيرة صغيرة عدوانية وسط محيط عربي شاسع؟ أكرر: لو كنت يهودية لخفت من الإقامة في إسرائيل!!
غسان كنفاني اختصر المأساة!
كان الشهيد غسان كنفاني يردد دائماً عن وعد بلفور بوطن قومي لليهود في فلسطين: «لقد أهدى ما لا يملك لمن لا يستحق».
وإسرائيل تثبت كل يوم قوله، ولا تريد وطناً قومياً فحسب، بل تريد احتلالاً من النيل إلى الفـــــرات، بالوسائل كلهـــــا، بما في ذلك اغتيال من يعاندها.. وقائمة الشهداء الذين اغتالتهم إسرائيل (وستغتالهم) تطول.. هذا كله لم يتعرض له البرنامج التلفزيوني الذي استفزني.
وفي نظري، فلسطين بأكملها وطن محتل، ونحن ننشغل عن ذلك بحروبنا المحلية.. فمتى نصحو؟ أم أن علينا أن نشاهد مساجدنا كلها تحرق ونقرأ على جدرانها المتهاوية عبارة «على العرب كلهم أن يرحلوا» هل سيأتي يوم كهذا؟ أتمنى ألا أكون حية يومئذ!
إهداء الكتب مجاناً لمن يرغب!
عليّ اليوم أن أختار بين النوم على الأرض في غرفة نومي، أو نقل الكتب التي احتلت سريري بأكمله إلى خارج البيت!
أنا «مدمنة» شراء كتب بثلاث لغات لا أتقن سواها: العربية، والإنكليزية، والفرنسية. وهكذا يوماً بعــــد آخر تتراكم الكتب بعدما أتلذذ بقراءتها. الكتب عندي احتلت مقاعـــد غرفة معــــدة لاستقبال الضيوف، فصرت ألتقي أصدقائي في المقهى، واحتلت مدخل البيت وغرفة في القبو والمقعد الكبـــير في مدخل بيتي قرب الفاكس والهاتف.
قررت مرة أن أهدي تلك الكتب إكراماً للمرضى، لكنهم فيها رفضوا الكتب التي بالعربية، كأن كل كتاب بالعربية قذيفة موقوتة!
ورفضت التخلي عن أهدائي للكتب بالعربية مع ما تبقى من كتب بلغات أخرى، فالكتاب العربي ليس لغماً.
أزبكية أردنية للكتب!
وخطر ببالي أن أحمل هذه الكتب كلها ليلاً إلى الحديقة العامة المجاورة لبيتي وأفرشها على أحد المقاعد مع عبارة بثلاث لغات: «خذ الكتاب الذي يحلو لك مجاناً» لكنني خفت من هطول المطر عدو الأوراق، وبوسع السطور أن تمطر، فهي قد تبل عيون القارئ بالدمع لا عيون الورق. ولذا، قرأت بسرور ذات يوم عن «أزبكية» أردنية تبيع الكتب بأسعار زهيدة، ولكن كيف أهديها تلال الكتب عندي في باريس؟ وكيف أنقلها إلى مكتبي في بيروت والمرفأ احترق؟
باختصار، سأنام اللــيلة أيضاً على الأرض وتنام الكتب على سريري!
مزّقوا إهدائي قبل بيع كتبي!
تلقيت العديد من كتبي من القراء كهدية بعدما اشتروها من بعض البسطات في مدن عربية وعليها إهداء مني إلى أدباء رحلوا. أيها الأعزاء، أهل الأديب الفقيد، أتفهم حاجتكم للمساحات التي تحتلها الكتب ورغبتكم في التخلص منها لتوفير المزيد من المساحة الفارغة في البيت..
لكن، أرجوكم، قبل أن تقدموا على بيع كتبي (التي تحمل إهداء) مزقوا صفحة الإهداء!..
ولدي العديد من كتبي التي أعيدت لي بعد موت أصحابها، لأن بعض القراء شاهدوها على البسطات ولاحظوا إهدائي (بخط يدي) لبعض الأديبات والأدباء الراحلين، وقاموا بشرائها وأعادوا إهداءها لي.. وهي لمسة إنسانية أحببتها وتأثرت بها.
وسوم: العدد 892