إسرائيل لن تحمي دول الخليج ولن تنفعها في شيء
تتقرب إسرائيل إلى الدول الخليجية باختلاق قاسمين مشتركين بينها وبين هذه الدول ، الأول أن إيران خطر على الطرفين ، والثاني أن هذه الدول في حاجة كبيرة إلى التكنولوجيا الإسرائيلية في ميادين كثيرة مثل الأمن والزراعة والمياه . وسهلٌ بيان الخداع في هذين القاسمين ، وأنهما مختلقان إسرائيليا للقفز على السبب الأساسي الذي منع دول الخليج طويلا من التقارب مع إسرائيل ، وهو القضية الفلسطينية . إسرائيل الآن تقول للدول الخليجية إن ابتعادها عنها كان خطأ آن التخلي عنه ، وإن بين الطرفين ما يوجب التقارب والتعاون والتحالف ، وهو خطر إيران عليهما ، وحاجة هذه الدول إلى التكنولوجيا الإسرائيلية . وتقبل بلاد الحرمين والإمارات والبحرين هذا الخداع الإسرائيلي دون تفكير أو تدبر لعواقبه السيئة عليها ، ولكل دولة مسوغاتها الداخلية التي تخصها ، وبين الدول الثلاث مسوغات مشتركة . قلنا إن بيان الخداع في هذين القاسمين المزعومين المختلقين سهل ، فإيران الدولة المسلمة الجارة التي تمازج تاريخنا بتاريخها ، وأسهمت بنصيب وفير في إثراء ثقافتنا وتطور علوم لغتنا ليست بالعدو الذي تصوره هذه الدول الثلاث ، وتنتهز إسرائيل تصويرها له . إيران عرضت مرارا على كل الدول الخليجية نظاما أمنيا مقصورا عليها وعلى هذه الدول ، فلماذا لم تدرس مع إيران وسائل تطبيقه ؟! السبب أنها لا تملك حرية قرارها السياسي . هذا القرار في يد أميركا ، وفي الخلفية بعض الدول الأوروبية وإسرائيل . وتخاف هذه الدول تأثيرات إيران على مواطنيها من الشيعة ، وتمكينهم من مواضع القرار والنفوذ فيها إذا قويت علاقتها الأمنية بإيران . ومعروف أن أكثر سكان الإمارات من أصول إيرانية ، وأكثر سكان البحرين شيعة . وتخاف هذه الدول أن يكون لإيران الرأي الأول المهيمن في أي نظام أمني موحد معها بفعل قوتها العسكرية الكبيرة ووزنها السياسي بصفتها دولة كبيرة . وكل هذه المخاوف توضح أن العيب في هذه الدول لا في إيران ولا في نظامها الأمني الذي تقترحه . المشكلة حقا في أنظمة هذه الدول الثلاث السياسية وفي ضعفها الذاتي الذي يوجهها للبحث عن مصادر أمنية خارجية ليست عربية ولا إسلامية ، وتَحتمَ أن تكون غربية أوروبية وأميركية ، وامتدادا إسرائيلية . وحتى الآن قَدِرت المظلة الأميركية خاصة على خلق الأمن المطلوب ولو بثمن كبير ماليا وسياسيا تدفعه هذه الدول . ودخلت إسرائيل الآن على الخط الأمني بتخطيط مشترك مع أميركا وصل ما نراه بإعلان بومبيو وزير خارجية أميركا الذي يشبه ترامب كثيرا في جلافته الجارحة نشوء تحالف عسكري بين الإمارات وإسرائيل لمواجهة إيران ؛ من المتوقع أن تلتحق به بلاد الحرمين والبحرين . وإذا ابتعدت أميركا مسافة ما عن توفير الأمن للدول الخليجية بما فيها التي لا ينتظر أن تنضم للتحالف الجديد مثل الكويت وقطر وعمان ، وتركت إسرائيل لتملأ الفراغ النسبي ؛ فسترى الدول الثلاث قريبا أنها نكبت نفسها نكبة طاحنة . وبيان هذا أن إسرائيل لن تكون بديلا أمنيا لأميركا بأي نسبة لمحدودية قدرتها قياسا بقدرة أميركا العسكرية والسياسية ، ولأنانيتها التي تحسب من أكبر خصائص شخصيتها ، ومن مظاهر هذه الأنانية تولعها بالفوز بأكبر نصيب من كعكة أي علاقة مع أي دولة ، ومن هذه المظاهر أيضا افتقارها المطلق للإخلاص في أي علاقة مع أي دولة . بعد معاهدة كامب ديفيد مع مصر بان أنها عبر مخابراتها أضحت أكبر مصدر لتهريب المخدرات إلى مصر ، ومن عامين قال مسئول في المخابرات الإسرائيلية إن مصر هي أكبر ملعب لهذه المخابرات ، و"لعبها " شر مستطير عاصف على مصر . وسوء ما تفعله بالفلسطينيين الذين تنازلت منظمة تحريرهم لها عن 78 % من فلسطين ؛ نذير أحمر الإشارة لمن ألقى السميع وهو شهيد .وتحالف بعض دول الخليج مع إسرائيل لمواجهة إيران سيدفعها ، إيران ، إلى معاملة هذه الدول بصفتها عدوا ، ولهذه العداوة ثمن أليم . ووقتَ أي خسائر في الأرواح الإسرائيلية في حال تحرك إيران ضد أي تواجد عسكري إسرائيلي في الخليج فإن الإسرائيليين سينسحبون . إنهم لا يموتون من أجل أحد . وقربهم خليجيا من إيران سيسهل لها الانتقام منهم بعد أي اعتداء على قواتها في سوريا ، وقد يحرك هذا الوجود الشرير قوى محلية ضدهم وضد الأنظمة التي تنفتح عليهم انفتاحا شاملا غير محسوب . وخذوا إحدى بواكير الأنانية وسوء االنية الإسرائيلية . كتب مردخاي نيسان المحاضر في الجامعة العبرية في موقع ميدا الإسرائيلي : " من الممكن وضع خطة بين إسرائيل والإمارات لتشجيع هجرة الفلسطينيين إليها ما يخفف العبء السياسي والأمني على إسرائيل في الداخل " يقصد فلسطينيي 1948 . وهذه ليست أمنية كاتب منفرد ، هي صدى لما يجول في عقول وقلوب وخطط الساسة والعسكريين الذين تربط الكتاب والباحثين بهم صلات قوية منظمة لا نراها في أي دولة أخرى ، ومن ثم غالبا ما تكشف آراؤهم وأبحاثهم عن توجهات صناع القرار في إسرائيل . نأتي إلى قاسم التكنولوجيا أو حجتها . إنه كذبة فاحشة وخديعة خبيثة فاسدة . التكنولوجيا عالمية الانتشار بفعل تطور الاتصالات وتنوعها وسرعتها وسهولتها ، وتستطيع أي جهة ، دولة أو غير دولة ، الوصول إليها من مصادر لا حصر لها . وأوروبا وأميركا واليابان والصين وسواها من دول العالم المتقدمة كثيرا أو نسبيا مفتوحة أمام الدول الخليجية مثل الدول الأخرى ، وكل الدول الخليجية درس طلاب منها ومهنيون في أوروبا وأميركا ، ودرس فيهما من بلاد الحرمين مئات آلاف الطلاب والمهنيين . أين اختفت المعارف والعلوم والخبرات والمهارات التي حازوها ؟! كيف لم توظف في توطين أنواع التكنولوجيا فيها ؟! وأين تأثيرات جامعة الملك عبدالله _ رحمه الله _ للعلوم التطبيقية ؟! نسبة كبيرة من التقدم التكنولوجي في إسرائيل وفد مع المهاجرين الذين لم تدفع دولارا واحدا في تعليمهم وتدريبهم ، ومنهم عشرات الآلاف من الاتحاد السوفيتي المنقضي . في ثمانينات القرن الماضي أنتجت بلاد الحرمين كل حاجتها من القمح ، السلعة الاستراتيجية ، باستعمال طرق الزراعة المستحدثة ، وشرعت تصدر ما زاد عن الاستهلاك المحلي ، فتدخلت أميركا ، وعطلت زراعة القمح في بلاد الحرمين لإغنائه لها عن استيراد القمح الأميركي . أقول واثقا ، ومن معرفة مباشرة : في بلاد الحرمين خاصة وفي دول الخليج عامة عقول علمية وقدرات تكنولوجية صالحة لأن تنافس العقول والقدرات الإسرائيلية التي لم يمنحها الله _ تعالى _ تميزا على سواها . الفرق في استثمار ما لديك من عقول وقدرات ومواهب ، وإنه لفهم مخطىء لديننا أن نسمع داعية يزعم أن العرب خلقوا لرسالة الدعوة للدين ولم يخلقوا للصناعة ، وفي ذات المسار قال لي مواطن من بلاد الحرمين إن الله _ جل وعز _ سخر الياباني ليصنع لنا ، فسألته : " ولم لا نكون نحن مسخرين لشراء ما يصنعه ؟! " . والحديث عن تزاوج المال العربي والعقل اليهودي لصنع الازدهار والحضارة والاستقرار والسلام خرافة مارقة نقلها الصهاينة عن الاستعمار الأوروبي الذي برر بها نهب خامات المستعمرات متحججا بقدرته العلمية والصناعية للإفادة منها ، وربما إفادة أهل هذه المستعمرات . وهو ، الحديث ، تحقير مروع للحضارة العربية والإسلامية ، ولديننا دين " اقرأ " ، دين العلم والحث على التفكر في خلق الله ، وإعمار الأرض لخير الإنسانية كافة لنزول رسالته لها كافة دون أنانية أو عنصرية أو استعلاء على عرق من الأعراق . قريبا لا بعيدا ستصحو الدول الخليجية التي تتهاوى الآن في مستنقع التطبيع مع إسرائيل على هول حقيقة أن هذه الدولة المغتصبة الحاقدة المفسدة لن تحمي أمنها ، ولن تنفعها في شيء ، وأنها استرعت غنمها ذئبا شرسا سيقتل من الغنم ما يقتل ويأكل ما يأكل ، والعبرة دائما بالخاتمة ، والخاتمة كثيرا ما يستنتجها أهل الفطنة والرأي الحصيف من البداية .
وسوم: العدد 893