هَكَذَا تَعَلَّمْتُ مِنَ الإسْلاَمِ – 26 - 30
هَكَذَا تَعَلَّمْتُ مِنَ الإسْلاَمِ – 26
)قِيَمُ السَيْرِ الحَضَارِيِّ الآمْنِ(
ثَانِي عَشَرَ - فِكْرَةُ الحُكْمِ الرَّشِيِدِ
الغَرَبُ بِعَامَّةٍ, وأوْرُوبَّا بِشَقيَّهَا الْغَرْبِيِّ والشَرْقِيِّ ,عَانَت وَلَا تَزَالُ مِنْ تَطَرُفِيّنِ , تَطَرُفٌ دِيِنِيٌّ يَحْبِسُ النَّاسَ فِي أرْوِقَةِ الْكَنَائِسِ , ويَحْجُبُهُم عَنْ الْحَيَاةِ بِتَعَالِيِمٍ كَهَنُوتِيَّةٍ, وتَطَرُفٌ عِلْمَانِيٌّ دُنْيَوِيٌّ يُصِرُّ عَلَى المُفَاصَلَةِ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَ الدِيِنِ, بَلْ ذَهَبَ الشَقُ المَارِكْسِيُّ مِنْ أُورُوبَّا إلَى أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "أَنَّ الدِيْنَ أفْيُونُ الشُّعُوبِ .وَقَامَ صِرَاعٌ بَيْن أتْبَاعِ التَطْرُّفِيِنِ , وأُشْعِلَت حُرُوبٌ ذَهَبَ ضَحِيِتَهَا المَلاَيِيِنُ, ودُمْرَت مدنٌ بِكامِلِهَا. وَانْتَقَلَت - لَلْأَسَف -هَذِه الْعَدْوَى مِنَ الصِّرَاعِ والتَطَرُفِ إلى أَكْثَرِ مِنْ مَكَانٍ فِي الْعَالَمِ, مِمَّا أَحَالَ الْمَسِيرَةَ الْبَشَرِيَّةَ إلَى سَاحَاتِ صِرَاعٍ تُنْذِرُ بِدَمَارٍ شَامِلٍ. وَالْيَوْمَ وَفِي سِيَاقِ تَزَاحُمِ الْمَعْلُومَات, وتَطَوُرِ تَقَنِيَّاتِ التَّوَاصُلِ الثَّقَافِيِّ, وتَنَامِي أنْشِطَةُ الحِوَارِ الفِكْرِيِّ, وَالتَّدَافُعِ الْحَكِيِمِ بَيْنَ أتْبَاعِ الأدْيَّانِ والثَقَافَاتِ, وَالقِيَادَاتِ السِّيَاسِيَّةِ العَالَمِيَّةِ ,اِنْبَثَقَ مُنْذُ بِدَايَةِ الثَمَانِيِنَاتِ تَيَّارٌ إنْسَانيٌّ عاقلٌ يَسعَى إلَى وَضَعِ حَدٍ لِلتَّنَاقُضَاتِ والصِرَاعِ بَيْنَ الدِيْنِ وَالدُنْيَّا, وَبَيْنَ الرُّوحِيِّ والمَادِيِّ, أو بَيْنَ مَحَاريِبِ المَسَاجِدِ, وَمَحَارِيِبِ السَّوْقِ فِي الْحَيَاة. وَبَدَأ ت الْأَوْسَاطُ الثَّقَافِيَّةِ وَالفِكْرِيَّةِ والسْيَاسِيَّةِ تُرَدَّدُ عِبَارَةَ:(الْحُكْمُ الرَّشِيِدُGood governance ) بَدَلًا مِنْ عِبَارَاتِ:(العِلْمَانِيَّة, الْحُكْمُ الْمَدَنِيُّ ,الحُكمُ الدِّينِيُّ أَو الدِّيمُقْراطِيَّةُ).رَغْبَةً فِي اعْتِمَادِ مُصْطَلَحُ الحُكْمِ الرَّشِيِدِ مُصْطَلَحًا عَالَمِيًا بَدِيِلاً, يَتَضَمَّن فِي نَهْجِه وَمَقَاصِدِه كُلَّ إِيجَابِيَّاتِ المُصْطَلَحَاتِ الْمُشَارِ إلَيْهَا آنفاً .
وَهَكَذَا جَاءَ مُصْطَلَحِ: (الْحُكْمُ الرَّشِيِدُ)بَعْدَ حِوارٍ طَوِيِلٍ بَيْنَ نُخَبٍ حَكِيِمَةٍ مِنْ اتِّبَاعِ الْأَدْيَّانِ والثَقَافَاتِ, وبَيْنَ التَّوَجُّهَاتِ السِيَاسِيَّةِ وَالفِكْرِيَّةِ فِي أَكْثَرِ مِنْ مَكَان فِي الْعَالَمِ, رَغْبَةً فِي اكتِشَافِ مُشْتَرَكٍ ثَقافِيٍّ إِنْسانِيٍّ , يَقُودُ الْبَشَرِيَّةَ إلَى تَعَايُشٍ آمَنٍ وعَادِلٍ. وَهَا هُوَ الْيَوْمَ مُصْطَلَحُ: ( الْحُكْمُ الرَّشِيدُ ( آخذٌ بِالِانْتِشَار وَأصْبَحَ مُعْتَمَدًا لَدَى الكَثِيِرِ مِنْ مَرَاكِز البُحُوث العَالَمِيَّة. يَتْبَع في الرِسَالَةِ القَادِمَةِ بِعَونِ اللهِ تَعَالَى.
هَكَذَا تَعَلَّمْتُ مِنَ الإسْلاَمِ - 27
)قِيَمُ السَيْرِ الحَضَارِيِّ الآمْنِ(
ثَالِث عَشَرَ - قِيَمُ الْحُكْمِ الرَّشِيدِ
- الْإِيِمَانُ الْخَالِصُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَتَوْحِيِدُهُ فِي أُلُوهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ.
- الْإِيِمَانُ بِالْأُخُوَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ.
- الْإِيِمَانُ الْمُطْلَقُ بِالْعَدْلِ أسَاسًا رَاسِخًا لِلْأَمْنِ وَالسَّلَامِ.
- الْإِيِمَانُ بِأنَّ العَدْلَ حَقٌ مُطْلَقُ لِلإنْسَانِ بِلاَ اسْتِثْنَاءِ.
- الإيِمَانُ بِأنَّ الْأَرْضَ سَكَن البشريَّة.
- الْإِيِمَانُ بِأنَّ المُوَاطَنَةَ حَقٌ مُطْلَقٌ.
- ثَرْواتُ خَزَائِنِ الْأَرْضِ رِزْقٌ لِلنَّاسِ جميعًا.
- الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ شُرَكَاءُ فِي الِاسْتِخْلَافِ عَلَى أَسَاسِ مِن التَّكامُل الْمُنْصِف بَيْنَهُمَا.
- الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ شُرَكَاءُ في مَسْؤولِيِاتِ الحُكمِ, عَلَى أَسَاسٍ مِنَ التَّكامُلِ الْمُنْصِفِ بَيْنَهُمَا, فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَسْؤُولٌ فِي الْبَيْتِ وَالْمُجْتَمَع, حَسَبَ إمْكَانَاتِهِ وخُصُوصِيَّاتِهِ .
- الحُكْمُ الرَّشِيِدُ, هُو حُكْمُ الكفَاءَاتِ والمَاهَرَاتِ بِتَفْوِيضٍ مِنْ الشّعْبِ.
- الحُكْمُ الرَّشِيِدُ, حُكْمُ التَّعَاوُنِ وَالتَّنَافُسِ فِي تَحْقِيقِ المَصَالِحِ, والأمْنِ والسِيَادَةِ.
- الحُكْمُ الرَّشِيِدُ, إقَامَةِ التَّكامُل والتلازم بَيْن الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَات.
- الحُكْمُ الرَّشِيِدُ, إقَامَةُ مُصَالَحَةٍ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالدُّنْيَا, و بَيْنَ الْمَعابِدِ, وَالأسَّوْاقِ.
- التَعَدُدِيَّةُ فِي الرَّأْيِ إِثرَاءٌ لِقُدْرَاتِ الْمُجْتَمَعَاتِ, وَتَنَوُّعٌ لِخِيَارَاتِهِا فِي الاِرْتِقَاء.
- الحُكْمُ الرَّشِيِدُ, يُقِيمُ تَكَامُلاً بَيْنَ مَسْؤولِيَّاتِ الْحَاكِمِ وَمَسْؤولِيَّاتِ الشَّعْبِ.
- الحُكْمُ الرَّشِيِدُ, يَسْعَى لِبِنَاءِ مُجْتَمَعٍ دَوْلِيٍّ أَخْلاَقِيٍّ عَادِلٍ رَاشِدٍ.
- الحُكْمُ الرَّشِيِدُ, نِظَامٌ تُجَّلُ بِه قُدْسِيَّةُ حَيَاةِ الْإِنْسَانِ وكَرَامَتِهِ وتُصُانُ سَلَامَهُ البِيئَة.
- الحُكْمُ الرَّشِيِد, يُحَرِّمُ الرِبَا, ويُقِيمُ تَكَامُلاً اقْتِصَادِيًّا عَلَى أَسَاسٍ مِنْ احْتِرَامِ حَقِ التَّمَلُّكِ, وصَوْنِ حَقِ الِانْتِفَاعِ الْمُتبَادَلِ بِالثَرْواتِ والمَصَالِحِ بَيْنَ الْمُجْتَمَعَاتِ.
- الحُكْمُ الرَّشِيِدُ بِاخْتِصَارٍ: يُقِيِمُ دَوْلَةً مُؤْمِنَةً, تَعَاقُدِيَّةً, تَعَدُّدِيَّةً, إنْسَانِيَّةً, حَضَارِيَّةً, تَشَاورِيَّةً, أَخْلاقِيَّةً, عَادِلَةً, رَاشِدَةً.
- أجَلْ، مَا جَاءَ فِي هَذِه الرِسَالَةِ والتِي قَبْلَهَا, إنَّمَا هُو جَانِبٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ مُشَارَكَتِي مَعَ نُخْبَةٍ مِنْ مُفَكِرِي العَالَمِ فِي بَلْوَرَةِ مَشْرُوعِ: (الحُكْمُ الرَشِيِدُ). أحْمَدُ اللهَ تَعَالَى عَلَى مَا جَاءَ فِيِهِ مِنْ صَوْابٍ وَرُشْدٍ، واسْتَغْفِرُهُ جَلَّ شَأنُهُ عَمَّا وَرَدَ فِيِهِ مِنْ زَلَلٍ أو خَطَأٍ.. واللهُ سُبْحَانَهُ المُسْتَعَانُ, وهُو تَبَارَكَت أسْمَاؤهُ الهَادِي إلَى سَواءِ السَبِيِلِ .
هَكَذَا تَعَلَّمْتُ مِنَ الإسْلاَمِ - 28
)قِيَمُ السَيْرِ الحَضَارِيِّ الآمْنِ(
رَابِع عَشَرَ - قِيَمُ العَدْلِ والسَّلاَمِ وَالتَنْمِيَةِ
- "إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان".
- "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً".
- "فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ".
العَدْلُ وَالسَّلاَمُ وَالتَنْمِيِةُ, مَنْظُومَةٌ قِيَمِيَّةٌ رَبَّانِيَّةٌ مُتَكَامِلَةٌ مُتَلاَزِمَةٌ. السَّلاَمُ لاَ يَكُونُ مَعَ غِيَابِ العَدْلِ بِحَالٍ مِنَ الأحْوَالِ, والعَدْلُ والسَّلاَمُ صُنْوانٌ, فَهُمَا مَعًا مَنْبَتُ الاسْتِقْرَارِ والأمْنِ الرَاسِخِ والدَائِمِ. والاسْتِقْرَارُ فِي ظلِّ العَدْلِ والسَّلاَمِ, هُو حَاضِنَةُ التَنْمِيَةِ الرَاشِدَةِ فِي حَيَاةِ النَّاسِ, والأمْنُ التَنْمَويُّ لِلمُجْتَمَعَاتِ, هُو الثَمَرَةُ الطَيْبَةُ اليَانِعَةُ لِكُلِّ أنْواعِ التَنْمِيَّةِ المَادِيَّةِ والمَعْنَويَّةِ. وذَلِكَ لِقَوْلِ سَيِّدِنَا ورَسُولِنَا محمد صلى الله عليه وسلم : "مَنْ بَاتَ مِنْكُمْ آمِنًا فِى سِرْبِهِ مُعَافى فِى جَسَدِهِ, عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ, فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا". والعَدْلُ مَصْدَرُ الطُمَأنِيِنَةِ لِنْفُوسِ الأفْرَادِ, والمُجْتَمَعَاتِ, والحُكَّامِ عَلَى حَدٍ سَواءٍ. وَلْنَتَأمَل قَوْلَ رَسُولِ هَرَقْل لِلخَلِيِفَةِ الرَاشِدِ عُمَرَ بِنِ الخَطَاب رَضِي اللهُ عَنْهُ وأرْضَاهُ:" حَكَمْتَ فَعَدَلْتَ, فَأمِنْتَ فَنِمْتَ". فَالعَدْلُ أقْوى وأوْعَى وَأوْفَى حَارِسٍ لِلأمْنِ بِكُلِّ أنْواعِهِ وَمُسْتَويَاتِهِ.. فَبِالعَدْلِ يَتَحَرَرُ الحَاكِمُ مِنْ كُلِّ هَوَاجِسِ الخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ وَسُلْطَانِهِ, تِلْكَ الهَوَاجسُ الَتِي يَحْتَبِسُ خَلْفَ أسْوَارِهَا اليَوْمَ غَالِبُ حُكَّامِ العَالَمِ إلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبَّي, أجَلْ العَدْلُ يُحَرِّرُ الجَمِيِعَ.. يُحَرِّرُ الأفْرَادَ والشُعُوبَ مِنْ سَطْوةِ الحُاكّمِ.. ويُحَرِّرُ الحُكّامَ مِنْ شَغَبِ وَتَمَرُّدِ المَحْكُومِيِن. العدلُ يُقِيِمُ رُوحَ المَوْدةِ والأُلْفَةِ والطْمَأنِينَةِ والثِقَةِ والتَعَاونِ والتَنَاصُحِ بَيْنَ وُلَاةِ الأَمْرِ والشُعُوبِ لقولِه صلى الله عليه وسلم :" المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُ بَعْضُهُ بَعْضًا وشَبَّكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ". أجَلْ, بالعَدْلِ تَحْيَا الأُمَمُ وَتَنْهَضُ, وَيَدُومُ سُلْطَانُهَا, وَتُصَانُ سِيَادَتُهَا, وتَشْمَخُ صُرُوحُ عِزَتِهَا, وتَتَألَقُ هَامَاتُ أجْيَالِهَا فِي مَيَادِيِنِ الَتَقَدُمِ والابْتِكَارِ والإبْدَاعِ.
هَكَذَا تَعَلَّمْتُ مِنَ الإسْلاَمِ - 29
قِيَمُ السَيْرِ الحَضَارِيِّ الآمْنِ(
خَامِسَ عَشَرَ - قِيَمُ الحُرِيَّةِ والشَرِيِعَةِ
يَقُولُ بَعْضُ العُلَمَاءِ والمُفَكْرِيِنَ:" الحُرِيَّةُ غَايَةٌ مُقَدْمَةٌ عَلَى تَطْبِيِقِ الشَرِيِعَةِ", الحُرِيَّةُ أهَمٌّ مِنْ الشَرِيِعَةِ. إنَّ عِبَارَةَ (الحُرِيَّةُ مُقَدَمَةٌ عَلَى تَطْبِيِقِ الشَرِيِعَةِ) فِيِهَا كَثِرٌ مِنَ الصِحَةِ والدِقَةِ , فَحُرِيَّةُ الإنْسَانِ بِكُلِّ تَأكِدٍ مُتَطَلَبٌ أسَاسٌ لِتَطْبِيِقِ الشَرِيِعَةِ وتَحْقِيِقِ مَقَاصِدِهَا. أمَّا عِبَارَةُ: (الحُرِيَّةُ أهَمُ مِنَ الشَرِيِعَةِ). فَهِي بِتَقْدِيِرِيِ عِبَارَةٌ فِيِهَا جُنُوحٌ عَنْ الدِقَةِ الشَرَعِيَّةِ. فَلَيْسَ هُنَاكَ أمْرٌ أهَمَّ مِنَ الشَرِيِعَةِ إلَّا تَطْبِيِقُهَا, وتَفْعِيِلُ مَقَاصِدِهَا الرَبَّانِيَّةِ الجَلِيِلَةِ. وَالحُرِيَّةُ مِنْ جَوْهَرِ الشَرِيِعَةِ وَمَادَتِهَا, ومِنْ أوْلَويَّاتِ تَطْبِيِقَاتِهَا. حَيْثُ بَدَأ اللهُ تَعَالَى رِسَالَتَهُ لِلنَّاسِ:
- فِي تَحَرِيِرِ الإنْسَانِ مِنَ الجَهَلِ والأُميَّةِ (اقْرَأْ).
- و تَحَرِيِرِ الإنْسَانِ مِنَ الرِقِ والعُبُودِيَّةِ لِغِيِرهِ سُبْحَانَهُ (فَكُّ رَقَبَةٍ).
- و تَحَرِيِرِ الإنْسَانِ مِنَ العَوْزِ (أَوْإِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ).
- و تَحَرِيِرِ الإنْسَانِ مِنَ الخَوْفِ (وَآمَنَهُممِّنْ خَوْفٍ).
- و تَحَرِيِرِ الإنْسَانِ مِنَ الظُلْمِ (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ).
- و تَحَرِيِرِ الإنْسَانِ مِنَ الضَعَفِ (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْمِنْ قُوَّةٍ ).
لا شَكَ أنَّ عُلَمَاءَنَا الأجِلَّاءَ عَلَى عِلْمٍ وَدِرَايَةٍ وَيَقِيِنٍ بِهَذِهِ الأوْلَويَّاتِ مِنْ قَواعِدِ شِرْعَةِ الإسْلاَمِ. ولَكِنَّ الإشْكَالَ يَكْمُنُ فٍي عَدَم تَحَرِّي دِقَةِ التَعْبِيِرِ.. أجَلْ, فَإنَّ الدِقْةَ فِي تَحَرِّي وتَخيِّرِ الألفَاظِ, لَهُو مُرْتَكَزٌ أسَاسٌ فِي تَجْلِيَةِ وَتَأصِيِلِ مَفَاهِيِمِ مَعَانِ النُصُوصِ. وهَذِا الأمْرُ مِنْ أهَمِ مَسْؤولِيِاتِ أهْلِ العِلْمِ والفِكْرِ وَالفِقْهِ, فِي زَمَنٍ كَثُرَ فِيِهِ القَوْلُ بِغَيِرِ عِلْمٍ, وعَلِى غِيِرِ هُدى وَبَصِرَةٍ. وبِهَذَا الصَدَدِ أدْعُو نَفْسِيَّ و المُنْشَغِليِنَ بِالتَأصِيلِ الفِكْرِيِّ, إلَى التَّرَويِّ والتَدَبُرِّ العَمِيِقِ بِألفَاظِ النُصُوصِ, قَبَلَ إطْلاَقِ مَا بَدَا لَهُمْ مِنْ فَهمٍ بِشَأنِ مَعَانِيِهَا, وَهُنَا أذَكِّرُ بِمَا قَالَهُ سَيِّدُنَا عُمَرُ بِنِ الخَطَّابِ - رَضِي اللهُ عَنْهُ :" أَتَمَنَّى أَنَّ لِي رَقَبَةَ بَعِيرٍ لِأتَأمَلَ قَوْلَي قَبْلَ أَنْ أَنْطِقَ بِهِ ".
هَكَذَا تَعَلَّمْتُ مِنَ الإسْلاَمِ - 30
)قِيَمُ السَيْرِ الحَضَارِيِّ الآمْنِ(
سَادِسَ عَشَرَ - الشَرِيِعَةُ وَ إقَامَةُ الحُدُودِ
مُنْذُ مَا يَقْرُبُ مِنْ عَقْدٍ مِنَ الزَمَنِ, طُلِبَ مِنْيَّ إبْدَاءُ الرَأيِّ فِي رِسَالَةٍ عِلمية, أُعِدْت لِنِيِلِ دَرَجَةِ الدَكْتُورَاه، وكَانَ مُوضُوعُ الرِسَالَةِ ( تَطْبِيِقُ الشَرِيِعَةِ الإسْلَاميَّةِ). وبَعَدَ الاطْلَاعِ عَلَى مَضْمُونِهَا، وفِي سِيَاقِ تَدَاوْلِ مَادَتِها مَعَ صَاحِبِهَا قُلْتُ لَه: لَو أنَّ سَائِلاً سَألَكَ مَاَذا تَعْنِي بِتَطْبِيِقِ الشَرِيِعَةِ ..؟ فَبِمَا تُجِيِبُهُ ..؟ قَالَ: إقَامَةُ الحُدُودِ. قُلْتُ: إذًا أنْتَ تَدعُو إلِى عَدَمِ تَطْبِيِقِ الشَرِيِعَةِ. قَالَ: كَيْف ..؟ ولِمَ ..؟ قُلْتُ: إقَامَةُ الحُدُودِ إنَّمَا هُو تَنْفِيِذٌ لِأحْكَامٍ قَضَائِيَّةٍ, وَالإسْلَام يَدْعُو إلَى تَلَّمُسِ الأعْذَارِ والشُبُهَاتِ لِيَحُولَ دُونَ تَطْبِيِقِهِا, لِقَوْلِ رَسُولِنَا صلى الله عليه وسلم: "ادْرَءوا الحُدُودَ بِالشُبُهَاتِ ). ألَيْسَ كَذَلِكَ..؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: إنَّ حَصْرَكَ لِمَعْنَى تَطْبِيِقِ الشَرِيِعَةِ بِإقَامَةِ الحُدُودِ. يَبْتَعِدُ بِكَ عَنْ مَقْصَدِكَ الجَلِيِلِ بِالدَعوةِ لِتَطْبِيِقِ الشَرِيِعَةِ وَمَقَاصِدِهَا المُوسُوعِيَّةِ الجَلِيِلِةِ. قَالَ: فَمَا هِي الشَرِيِعَةُ إذًا ..؟ قُلْتُ: الشَرِيِعَةُ هِي إقَامَةُ الحَيَاةِ, وإقَامَةُ العَدْلِ, وعَمَارَةُ الأرْضِ, وتَحَقِيِقُ مَصَالِحِ النَّاسِ, وتَبْجِيِلُ كَرَامَةِ الإنْسَانِ وقُدْسِيَّةِ حَيَاتِهِ, وصَوْنُ سَلاَمَةِ البِيِئَةِ. وأُذَكِّرُكَ بِالقَاعِدَةِ الفِقْهِيَّةِ الجَلِيِلَةِ:( حَيْثُمَا تَكُونُ المَصْلَحَةُ فَثَمَّ شَرْعُ اللهِ). كَمَا أُذَكِرُ بِمَا قالَهُ أبُو الوفَاءِ عَلَي بِنْ عَقَيِلٍ الحَنْبَلَيِّ - رَحِمَه اللهُ تَعَالَى: " السِيَاسَةُ الشَرْعِيَّةُ مَا كَانَ مِنْ أفْعَالٍ يَكْونُ النَّاسُ مَعَهَا أقْرَبَ إلَى الصَلَاحِ, وأبَعَدَ عَنِ الفَسَادِ، وإنْ لَمْ يَأتِي بِهَا الرَسُولُ ﷺ ولَا نَزَلَ بِهَا وحْيٌ مِنَ السَمَاءِ". ويَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ - رحمه الله:" فِإذَا ظَهَرَت أمَارَاتُ العَدْلِ وأسْفَرَ وجْهُهُ بِأيِّ طَرِيِقٍ فَثَّمَّ شَرْعُ اللهِ ودِيِنُهُ". كما يقول رَحِمَهُ الله : " شَرِيعَةُ النَّبِيِّ ﷺ مَبْنَاهَا عَلَى الْحِكَمِ وَمَصَالِحِ الْعِبَادِ, وَالشَّرِيعَةُ عَدْلٌ كُلُّهَا، وَرَحْمَةٌ كُلُّهَا، وَمَصَالِحُ كُلُّهَا، وَحِكْمَةٌ كُلُّهَا، فَكُلُّ مَسْأَلَةٍ خَرَجَتْ عَنِ الْعَدْلِ إِلَى الْجَوْرِ، وَعَنِ الرَّحْمَةِ إِلَى ضِدِّهَا، وَعَنِ الْمَصْلَحَةِ إِلَى الْمَفْسَدَةِ، وَعَنِ الْحِكْمَةِ إِلَى الْعَبَثِ؛ فَلَيْسَتْ مِنَ الشريعة. وقَالَ أمِيِرُ المُؤْمِنِيِن عُمَرُ ابْنُ الخَطَّابِ رَضي اللهُ عَنْهُ: لَقَدْ ولِّيِنَا عَلَيّهِم مِنْ أجْلِ سَدِ جَوْعَتِهِم وسَتْرِ عَوْرَتِهِم, وتَأمِيِنِ مُهْنَتِهِم". أجَلْ, الشَرِيِعَةُ إقَامَةُ الحَيَاةِ والعَدْلِ وتَحْقِيِقُ المَصَالِحِ. والله سبحانه أعْلَمُ, اللَّهُمَّ فَقْهِنَا فِي دِنِكَ لِمَا يَهْدِنَا إلَى سَواءِ السَبِيِلِ.