الانتخابات الأمريكية وانعكاساتها على المنطقة العربية
لقد رافق السباق الانتخابي في الولايات المتحدة الأميركية، سباق من نوع آخر في القنوات الفضائية العربية على استضافة "محللين وخبراء وإعلاميين" ينتقلون من فضائية إلى أخرى لنقل مستجدات الصراع بين الرئيس الجمهوري دونالد ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن والاستعدادات والتوقعات ومسار الانتخاب وصولا إلى النتائج وما بعدها أيضا، مستفيدين من اهتمام الجمهور العربي بهذه الانتخابات، بما يفوق اهتمامه بانتخابات بلاده في الكثير من الأحيان، إذ يصبح التحليل السياسي حول آثار الانتخابات الأميركية على المنطقة العربية حديث الشارع والمقاهي.
ويبدأ المحللون في بعض المنابر الإعلامية باستعراض السيناريوهات منها ما هو واقعي، وأكثرها خيالي لا يستند إلى أدنى معرفة بالواقع الأميركي، ويروّجون لفوز الجمهوريين أو الديمقراطيين وما سيحملونه للعالم العربي، ويذهبون إلى تعليق الآمال على الرئيس الأميركي الجديد بحل أزمات أو التخلص من أنظمة ودعم أخرى وحياكة المؤامرات ضد بعض الدول.
يدرك المراقب لما يدور على شاشات الفضائيات، وما تنشره المواقع والصحف على الإنترنت، أن المنطقة العربية حبست أنفاسها - وهنا لا أقصد الشعوب ولكن أقصد النخب الحاكمة - وتتحرق شوقا أكثر من الأمريكيين أنفسهم لحسم المعركة الانتخابية، كل حسب من ارتبطت به مصالحهم، وكان واضحا أن نظم الحكم في المنطقة عيونها معلقة تجاه واشنطن، ومن سيكون سيد البيت الأبيض؛ وعّبر عن ذلك بوضوح التناول الإعلامي لقنوات دول المنطقة للانتخابات لحظة بلحظة، حيث أكدت هذه الانتخابات أن المنطقة العربية تكاد تكون بمثابة إحدى الولايات الأمريكية.
عيون العالم قد تكون متجهة نحو الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها ليست معلقة ومرتجفة، كما هو الحال في المنطقة العربية؛ فالعالم قد يهتم بنتائج الانتخابات الأمريكية، ولكنه غير مرتهن لنتائج تلك الانتخابات، ولتوضيح سبب هذا اهتمام تثار الأسئلة التالية:
ما الذي قد تعنيه رئاسة جو بايدن بالنسبة لدول الخليج العربية؟
لماذا تواجه العلاقات الأمريكية السعودية أزمة غير مسبوقة؟
هل يضغط بايدن على إيران والسعودية لوقف الحرب في اليمن؟
إدارة بايدن هي امتداد لإدارة أوباما! وهل هذا يعني ولاية ثالثة لأوباما تحت إدارة بايدن؟
تغطية الإعلام العربي للانتخابات الأمريكية
لقد قدمت القنوات الإعلامية العربية التغطيات الواسعة لحظة بلحظة للانتخابات الأمريكية، التي قامت بها القنوات من موقع الحدث، وأكاد أجزم أنها لا تعني المواطن العربي المغلوب على أمره في شيء؛ ولكنها تعني في المقام الأول النخب الحاكمة، التي جعلت من أمريكا قبلتها.
من الواضح أن هناك في منطقتنا العربية من استثمر بقوة في مرشحي الرئاسة الأمريكية؛ فمنهم من بنى خططه المستقبلية على استمرارية "دونالد ترامب"، ومنهم من يرى في المرشح الديمقراطي "جوزيف بايدن" فرصة، ربما تؤتي ثمارها فيما يأمله، ولم يتحقق في ظل وجود ترامب.
لم يحدث أن تمت تغطية الانتخابات الأمريكية على مستوى الإعلام العربي كما يحدث الآن، وقد يعزى ذلك للتكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة، غير أن الحقيقة تؤكد بأن هذه التغطيات والمتابعة الحثيثة والتي تحتاج إمكانيات جبارة؛ هي بإرادة وتوجيهات نخب حاكمة، وليست مطلبا لجماهير المنطقة.
إن التغطيات الإعلامية للانتخابات الأمريكية بدون شك مثلت فرصة لإعادة تدوير صورة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الجماهير العربية، وفي نفس الوقت تكرس بطريق غير مباشر للهيمنة المعنوية الأمريكية في ذهن المتلقي من جماهير المنطقة العربية. وبيّنت الانتخابات الأمريكية الحقائق التالية:
- أن المنطقة العربية برمتها لا تعني الناخب الأمريكي في شيء، وأنه لا يهتم سوى بما يتصل بمصالحه فقط، وهذا أمر طبيعي، فالشأن الخارجي هو أمر على الهامش للناخب الأمريكي.
- أن الانتخابات الأمريكية فيما يتعلق بالمنطقة العربية هي "إسرائيل"، والتي يؤكد عليها كل مرشح ويتعهد بحفظ أمنها وتفوقها في المنطقة.
- أن النخبة الحاكمة التي تفرزها الانتخابات الأمريكية هي التي تعمل على تكريس الوضع على ما هو عليه في المنطقة العربية؛ لأنه ليس من مصلحتها أن تتملك شعوب هذه الدول إرادتها.
انعكاسات نتائج الانتخابات على السياسة الخارجية تجاه المنطقة العربية
مع تولي الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن وفريقه، شؤون الحكم في الولايات المتحدة، يتزايد الحديث في المنطقة العربية عن التغييرات، التي قد تطرأ على السياسة الأمريكية، تجاه المنطقة وقضاياها، في عهد الرئيس الديمقراطي المنتخب، إذ تبرز منطقة الشرق الأوسط، كواحدة من أكثر مناطق النفوذ الأمريكي إثارة للجدل، بملفاتها الساخنة، الحديث عن السياسة الأمريكية تجاه الخليج العربي، لا يمكن دون الحديث عن إيران، فعلى مدار حكم الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، شهدت المنطقة استقطابا إقليميا حادا، بين السعودية وإيران، وكان انحياز أوباما لصالح طهران واضح بعد أن توصل معها إلى اتفاق نووي برعاية دولية، وإطلاق يدها للتمدد في المنطقة كلها (العراق، سوريا، لبنان، اليمن). ويخشى كثيرون حاليا من عودة الأمور لما كانت عليه إبان فترة حكم الرئيس الأمريكي الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، خصوصا أن بايدن كان نائب أوباما، وشارب سياساته وكان موافقا عليها إن لم يكن هو مهندسها.
جو بايدن سياسي مخضرم ومضى عليه في السياسة الأمريكية أكثر من أربعين عاما، أي لديه خبرة على عكس ترامب الذي كان رجل اقتصاد، ويعتبر بايدن رمزا من رموز الحزب الديمقراطي وهذا الذي جعله يكسب ثقة الشعب على الرغم من اتهامات الحزب الجمهوري له. ولهذا، فمن الصواب إلقاء نظرة على المناصب الحالية والسابقة للمرشحين وكبار مستشاريهم للحصول على بعض الدلائل على ما يمكن أن تكون عليه سياسة الخارجية، ويمكن أن يساعدنا على وضع فرضيات حول ما قد يحدث في المستقبل، ولكن ليس أكثر من ذلك. ومع ذلك، فإن لدى بايدن سجلاً حافلاً والعديد من التصريحات الحديثة التي تستحق الرجوع إليها للإشارة إلى ما يمكن أن تبدو عليه سياسته الخارجية وكما يلي:
- كاميلا هاريس، نائبة الرئيس. تتبنى نفس السياسة التي تعزف على نفس اللحن الداعم لإسرائيل. مع العلم أن زوجها المحامي دوغلاس إمه وف (Douglas Emhoff)، يهودي ومتعصّب لإسرائيل من دون حدود، ومن المستبعد ألا يكون له تأثير يصب في نفس الاتجاه.
- ويليام بيرنز مرشح لرئاسة CIA، دبلوماسي سابق لديه ثلاث لغات، كان سفير الولايات المتحدة في الأردن 1998 لغاية 2001، وقاد الوفد الأمريكي في عهد أوباما لمفاوضات الملف النووي مع إيران حتى الاتفاق 2015.
- أنطوني بلينكن، وزير الخارجية، كان نائب وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي في إدارة أوباما، وكان على مدى 20 عاما مساعدا لجو بايدن، ومسؤول الأمن القومي (2009 -2013).
- لويد أوستن وزير الدفاع، من أصول إفريقية، قاتل في العرق وأفغانستان، وكان القائد العام للقوات الأمريكية في العراق حتى عام 2011، ورئيس القيادة المركزية للقوات الأمريكية في عام 2013 عمل مع بايدن عندما كان نائبا، من المشاركين في عمل الصحوات للقضاء على المقاومة العراقية.
إننا نشاهد ملامح سياسة بايدن من خلال الترشيحات للمناصب المهمة في إدارته، ويقول بعض المحللين إنها ستكون فترة ولاية ثالثة إلى أوباما تحت إدارة بايدن، لأن الوجوه التي ستكون في المناصب المهمة هي هي التي كانت في فترة أوباما.
لو عدنا قليلا إلى الوراء لسياسة الحزب الديمقراطي الخارجية في عهد أوباما، والتي كان أغلبها كانت في الشرق الأوسط وفي المنطقة العربية بشكل خاص، لنفهم الحاضر حتى نستشرف المستقبل، وسنتناول أهم الملفات التي توضح انعكاسات السياسة على المنطقة العربية:
الورقة الأولى: الملف النووي الإيراني، من الصعب التنبؤ بموقف الإدارة الجديدة من برنامج إيران النووي والاتفاق السابق معها تحت إدارة باراك أوباما، لكن من المتوقع ستواصل أمريكا اللعب بورقة إيران في المنطقة، والتي تمثل الانفجار في المنطقة أطرافها إيران ودول الخليج العربي، وأوضحنا أن إدارة بادين هي نفسها إدارة أوباما التي عملت الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، وهي التي رفعت عنها العقوبات التي كانت مفروضة عليها بسبب برنامجها النووي، وأطلقت يدها في كل المنطقة العربية مقابل الاتفاق، ربّما ستفضي إلى إبرام اتفاق جديد، أو إعادة الانضمام إلى الاتفاق القديم، كما تطلبه إيران وحتّى الأطراف الأوروبية الأخرى الموقعة عليه سنة 2015 ، والذي انسحب منه ترامب عام 2018عندما وجدها غير ملتزمة وتسعى للحصول على سلاح نووي وتطوير الصواريخ بعيدة المدى .
وكان بايدن ينتقد سياسية ترامب ويرى أفضل طريقة هي احتواء إيران، وبالتالي سوف يعيد الاتفاق النووي مثل ما أعلن، ويرفع العقوبات ويسمح في تخصيب اليورانيوم، وتصدير البترول والغاز، وتوريد السلاح المفروض عليها، مقابل التزامها وقف البرنامج النووي وبرنامج تطوير الصواريخ.
وهذا سوف يجعل إيران قوة كبيرة وسيزيد من خطرها على دول المنطقة، وإيران في عهد ترامب ورغم فرض العقوبات غليها مع سياسة الردع الامريكية، كانت تهدد المنطقة من خلال الحرس الثوري الإيراني وتدخلاته في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن، بالإضافة إلى الخلايا النائمة في كل دول الخليج التي تهدد الاستقرار، فما بالك عندما يكون حبلها على الغارب، جو بايدن بالنسبة لإيران ورقة لعب رابحة وسوف تستفيد من وجوده، وهذا لا يتناسب مع دول الخليج العربي والكيان الصهيوني (إسرائيل)، وستعود إيران كبعبع لتهديد دول المنطقة وتستمر سياسة الابتزاز بأسلوب آخر ولكن لنفس الغاية.
الورقة الثاني: ملف حقوق الإنسان، عندما تتكلم عن جو بايدن والديمقراطيين، فيجب أن تتكلم عن حقوق الإنسان الورقة الرابحة، التي يضعونها على الطاولة وقت ما يرغبون في التدخل في شؤون أي دولة، ومن المتوقع أن بايدن سوف يستخدمها كثيرًا خلال المرحلة القادمة، والبوادر واضحة عندما هاجم المملكة العربية السعودية في ملف حقوق الإنسان، وأنه سيعيد مراجعة العلاقة الأمريكية مع السعودية وبخاصة فيما يتعلق بحرب اليمن، وايقاف توريد السلاح، وليس فقط السعودية بل إن أمريكا عندما تحب أن تضغط على دولة لتحقيق مصالحها، تثير ورقة حقوق الإنسان، رغم أن هذه الورقة أصبحت محروقة من قبل الشعب العربي، وما حدث في اتهام العراق قبل 2003 في حقوق الإنسان والديمقراطية.
ونحن في عام 2021 والعراق يمر في أسوء حالة من الدمار وانتهاك حقوق الانسان، ومن بعد العراق سوريا، ولبنان، واليمن، وعندما تسمع حقوق الإنسان فاعلم أن هناك طلبات لهذه الدولة ووراء الضغط مصالح.
إن ما شاهدناه في أحداث الكونكرس عندما تظاهر الشعب الأمريكي تم استخدم أسلحة وإطلاق العيارات النارية لإسكاتهم، وتم اعتقال أعداد كبيرة، لم نسمع أي دولة أو منظمة تتكلم عن حقوق الإنسان، وحرية الرأي، ومطالب المتظاهرين، ولو كان الحدث في أي دولة عربية لانقلبت الدنيا ولم تقعد وسخروا كل الإعلام لتشويه الصورة ولتأجيج الرأي العالمي ضدنا.
الورقة الثالثة: إسرائيل والفلسطينيون. أي تغيير في السياسة التقليدية لعلاقة الولايات المتحدة بإسرائيل هو أمر غير مطروح إطلاقا، رغم أن بايدن أوضح أنه يعارض الضم، وما يزال ملتزما بحل الدولتين، ومن المعلوم أن إسرائيل تتمتع بقاعدة قوية من الدعم في كلا الحزبين (الجمهوري، والديمقراطي)، ولن يتغير شيء إن ذهب ترامب أو جاء بايدن، فأن الحفاظ على امن إسرائيل وتفوقها في ميزان القوى العسكري على كل الدول العربية من مسلمات السياسة الأمريكية الثابت، ولبادين تصريح واضح من موقفه من إسرائيل حيث صرّح في مارس 2016، قائلا: «إذا كنت يهوديا فسأكون صهيونيا، والدي قال لي إنه لا يُشترط أن أكون يهوديا لأصبح صهيونيا (...) لأنني كذلك (صهيوني)». وكذلك قال (لو لم تكن هناك إسرائيل لكان واجب علينا أن نصنع إسرائيل، وأن من مصلحة الولايات المتحدة ان تكون إسرائيل قوية ومتفوقة في الشرق الاوسط)، ولا يوجد أدني شك في انحياز الادارة الحالية للولايات المتحدة لإسرائيل، وتصريح وزير الخارجية بلينكن في أول مؤتمر صحفي له يوم الاربعاء 27 كانون الأول / يناير يبارك اتفاقات تطبيع العلاقات (نحن ندعم اتفاق إبراهام ونعتقد أن إسرائيل تعمل على التطبيع مع دول الجوار ودول أخرى وهذا تطور إيجابي ونأمل أن تكون هناك فرصة للتعويل على ذلك).
الورقة الربعة: سوريا وتركيا. من المحتمل أن يعيد بايدن تمركز القوات الأمريكية في سوريا للضغط على تركيا في موضوع الأكراد، والضغط على تركيا في موضوع شرق المتوسط، وكذلك في حجة محاربة تنظيم داعش بالتوازي مع استمرار قانون قيصر، وهذا لا يعني خلق تصادم مع تركيا ولكن هي مقايضة من أجل المصالح، لأن تركيا عضو مهم لأمريكا والناتو ولها دور مهم في مواجهة النفوذ الروسي.
الورقة الخامسة: اليمن، لم تتضح سياسة أمريكا تجاه، ولكن يجب أن ندرك بأن موضوع توقف الحرب مرتبط بتطور ملف إيران وتطور العلاقة مع المملكة العربية السعودية، لأن الحرب تحولت إلى كارثة إنسانية وكارثة أخلاقية، ومن المحتمل أن الديمقراطيين سيعملون على وقفها لكي يتميزوا عن إدارة ترامب" رغم أن الحرب بدأت في زمن أوباما ، وأن إعلان بايدن في مراجعة موضوع وضع الحوثيين على قائمة الإرهاب، في إشارة للمساومة والابتزاز وهذا ديدن السياسية الأمريكية في المنطقة؛ استخدام العصى والجزرة (أو يسمونها سياسية الاحتواء) لتحقيق مصالح أمريكا في المنطقة وابتزاز الجميع، وبقاء السيادة والقيادة لأمريكا في المنطقة.
الحقيقة الواضحة بالنسبة للمنطقة العربية؛ أن أي رئيس للولايات المتحدة الأمريكية لن يتعامل مع هذه المنطقة إلا بما يحقق مصالح بلاده وسيطرتها وهيمنتها، ويضمن أمن إسرائيل؛ وهذه استراتيجية أمريكا، وسواء بقي "ترامب" أو جاء "بايدن" فلن يختلف في الأمر شيء. فالاثنان وجهان لعملة واحدة، ويعملان لهدف واحد، وكل الفرق بينهما أن "ترامب" كان وجها مكشوفا صريحا خشنا يتعامل بمنطق البيزنس الصريح. أما "بايدن" فقد يبدو وجها ناعما يتدثر بعباءات مختلفة؛ لكن هناك من لا يدركون ذلك، ويحلمون بأن "بايدن" سيجلب معه الديمقراطية، ويقدمها على طبق من فضة للمنطقة، وأنه أفضل حالا، ويختلف عن ترامب؛ وهذه أحد الحقائق المرة للوجه العربي للانتخابات الأمريكية.
من المحتمل أن تسعى إدارة جو بايدن إلى استئناف الاتفاق والتحرك نحو التقارب مع طهران، إن بايدن يتبنى سياسات ناعمة أكثر خطورة، مثل العودة إلى الاتفاقية النووية مع إيران وتطبيع العلاقات معها دون رفع سقف التوقعات أو إنهائها، ولا يوجد حتى الآن مؤشر على الكيفية التي سوف تسعى بها إدارة بايدن لمواجهة تصرفات إيران الخبيثة في المنطقة، ولا سيما دعمها للميليشيات الطائفية المسلحة في الدول المجاورة مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن، والتي كانت إدارة أوباما تقدم الدعم المالي للمليشيات العراقية بمعدل(200) مليون دولار شهريا إضافة إلى الدعم السياسي، ويبقى الموقف من إيران وكيفية إدارته يمثل من دون شك أحد أهم المؤشرات التي ستُبنى عليها العلاقات الخليجية الأمريكية.
كشفت انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة، بمعركتها حامية الوطيس بين مرشحي الرئاسة "دونالد ترامب" و"جوزيف بايدن"، عن وجه عربي لهذه الانتخابات، وحقائق بالنسبة للمنطقة العربية، لقد كانت الحقيقة الواضحة، التي كشفت عنها انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020؛ هي أن المنطقة العربية ترزح في تبعية مقيتة؛ وأن دولها تبدو مرتهنة لمن يسكن البيت الأبيض.
ختاما، فأن دور الولايات المتحدة في المنطقة عموما قد تراجع وفي منطقة الخليج بشكل خاص، بعد تصاعد حدة التوترات مع إيران وما يُقال عن خذلانها للدول الخليجية الحليفة لها على إثر الهجمات التي تعرضت لها منشآت تابعة لشركة "أرامكو" وناقلات النفط وتعرض الرياض إلى صواريخ إيرانية حوثية، ولم تحرك الولايات المتحدة ساكنا.
من يعتقد أن الويات المتحدة تدافع عنه فهو واهم، إن الولايات المتحدة لن تدافع سوى عن مصالحها فقط، ومن يعتقد أن الإدارة الأمريكية الجديدة سوف تأتي بالحل السحري لتحجيم إيران وتحييد تدخلاتها في دول المنطقة أو التفاوض معها من أجل الأمن والاستقرار في المنطقة هو أمر خاطئ.
إيران سوف تواصل القيام بدورها الأساسي في تقويض الأمن والاستقرار وتهديد جيرانها والتدخل في شؤونهم الداخلية، والإدارة الأمريكية الجديدة سوف تعمل على محاولة امتصاص التوترات بالتفاوض تارة والتهديد تارة أخرى، لتبقى المنطقة مسرحا للتوتر الإقليمي، ربّما يتواصل لسنوات طويلة لحين ظهور بوادر لنظام عالمي جديد أكثر توازنا على المستويين الإقليمي والدولي.
ربّما لا يمكن وضع صورة واضحة لمستقبل العلاقات الأمريكية العربية مع الإدارة الجديدة، لكن الملامح الأولية تؤكد مواصلة اللعب بنفس الأوراق ولكن بأدوات وأساليب مختلفة، مع التأكيد على أولوية المصالح الحيوية والاستراتيجية الأمريكية.
ولكن السؤال الذي يبقى دون إجابة؛ متى تدرك الأنظمة العربية أن الاحتماء بالأجنبي لن يقدم لها شيئا سوى فقدان السيادة الوطنية وسرقة الثروات؟
الأوطان لا تحميها إلا شعوبها، فمتى نستثمر ثروتنا في بناء القدرات الدفاعية الذاتية؟
وسوم: العدد 914