لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا
حقيقة ما بين حال أهل الدنيا غير المؤمنين بالله وباليوم الآخر ، وحال أهل الدنيا المؤمنين بالله وباليوم الآخر ... حقيقة مذهلة . مذهلة بكل مافي الذهول من مفاجأة صادمة . فإلى الله تبارك وتعالى ترجع الأمور ، وليس لمخلوق أن يرد من قضاء الله وقدره . فإذا كان يوم الفصل فهيهات هيهات لمخلوق أن ينجو مما آل إليه مصيره إن كان من أهل النار . وهل يستطيع الكلام مَن أيقن أنه داخل إلى جهنم لامحالة ، وما أدراك ماجهنم ، ثم ما أدراك ما جهنم ! وسيكون الصمت المطبق هو أصدق الحديث لدى أولئك الذين ماجعلوا لهم نصيبا من الأمل في حياتهم الدنيا لهذا اليوم ، يوم القيامة ! وساعتها أين المفر ؟
الاعتقاد الصحيح بما جاء به الوحي ، والعمل بمقتضاه ، وتزكية النفس بالأعمال الصالحات ، والعبادات التي أوجبها الله على الإنسان ، والتخلق بما جاء به الوحي ... هي من الأسباب التي تقود صاحبها إلى رضوان الله تبارك وتعالى . أما من ارتضى الطريق الآخر ، طريق الكفر والفساد ومحاربة دين الله ، فهي الأسباب التي تقود صاحبها أيضا إلى غضب الله وعذابه الأبدي . وهؤلاء يُدعون في كل زمان ومكان إلى الإسلام دين الله الحق ، فإن اهتدوا فلهم البشرى ولهم النجاة ، وإن أبوا فليس لهم إلا ما وُعد به الكافرون ، وهؤلاء ليس لهم من أمل في النجاة إذا ماتوا على ذلك ، وأما المؤمنون من جميع الأمم منذ أن خلق الله الخلق وإلى قيام الساعة ، فقد يذنبون ويخطئون ويقصرون في أداء حقوق الله ، فشأن هؤلاء نزلت به آيات ، وجاءت لأجله سُنَّةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهاهنا نقف ، نذكِّر أنفسنا وأبناء أمتنا ، بأن المسلم والمسلمة يجب أن لايعتريهما يأسٌ ، ولا يلحقهما قنوط إذا ما أذنبوا ، أو إذا شعروا بأنهم ابتعدوا بأقوالهم وأفعالهم عمَّا أمر الله به ورسولُه صلى الله عليه وسلم . فأبواب التوبة مفتوحة على مدار الليل والنهار ، وعلى امتداد أيام العام ، والله سبحانه يفرح لتوبة العبد إذا تاب ، وإليه شدَّ رحال الإنابة عن صدق وعزيمة . وليس بعد هذه الآية الكريمة المحفِّزة للتوبة والإنابة من تَرَدُّدٍ أو تلكؤٍ لدى المسلم . يقول الله تبارك وتعالى : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) . فبشرى لنا برحمة الله ومغفرته ، وطوبى لنا بما أعدَّ سبحانه للتائبين الصَّادقين من مكانة ، وهم قد أحسنوا الظن به جلَّ وعلا ، يقول ربنا تبارك وتعالى في الحديث القدسي : (أنا عندَ ظنِّ عبدي بي إنْ ظنَّ خيرًا فله وإنْ ظنَّ شرًّا فله ) ومن ذا الذي لايظن بربه إلا الخير وهو أرحم الراحين . إن حسن الظن بالله عقيدة وإيمان وتصديق يفتح باب الأمل على مصراعيه ، وليس يدرك صاحبه إلا التفاؤل بمشيئة الله ، لنيل جائزة التوبة النصوح .
أمتنا على موعد قريب من شهر رمضان المبارك ، شهر القرآن ، شهر المجاهدة ، شهر التوبة ، شهر الخير ، شهر ليلة القدر ، شهر الفتوحات التي كدنا ننساها لابتعادنا عن أسباب انتصار الأمة على أعدائها في الحقب السالفات . وهنا يحبب إلى كل مسلم يعيش مآسينا أن يأخذ بالفأل الحسن ، وبالكلمة الحسنة ، وبالنصيحة العذبة ، ويمنح المجتمع الإسلامي الحزين الكئيب إيجابية الأمل ، وجمال التفاؤل ، ويطوي صفحة التشاؤم ، ففي التشاؤم صفعة مؤلمة لاترضاها أمتنا ، أمة القرآن التي كانت وستعود بمشيئة الله خير أمة أخرجت للناس . فحين اشتد بأس الكافرين على دين الله في السنين الأولى من الدعوة ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بلده مكة المكرمة ، واختبأ في غار ثور مع صاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، ووصل الأعداء الغلاظ الشداد إلى الغار ، وخشي أبو بكر على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من أذاهم وبطشهم ، فقال له نبيُّ الله عليه الصلاة والسلام ؛ (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا ) .
إنَّ اللهَ معنا ... قالها عن يقين مطلق بقدرة الله وتدبيره ، قالها مبشرا الأمة على مدار السنين ، ومحذرا من اليأس والاستسلام لهيمنة العدو مهما بلغت عدته وأعداده ، فَلْتَسْتَبْشِرْ أمتُنا بوعد الله لها ، وببشارة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وسوم: العدد 918