دلالة تزامن عيد الأم في البلاد العربية مع حلول أول يوم من فصل الربيع
الاحتفال بعيد الأم عادة قديمة عرفتها مختلف الأمم ، ولا زالت سارية المفعول إلى يومنا هذا إلا أن الأمم اليوم تختلف في التوقيت المخصص لها .
ومن حسن الطالع في البلاد العربية أن يتزامن يوم الاحتفال بعيد الأم مع حلول أول يوم من فصل الربيع . ولا شك أن من اختاروا هذا التوقيت للاحتفال بأعز مخلوق عند كل إنسان قد تيمنوا به لأن حلول أول يوم من فصل الربيع يدل على عودة الحياة إلى الأرض بعد موتها ، ولا توجد لحظة أسعد عند الإنسان من معاينة عودة الحياة إليها وهي أمه الأولى على وجه الحقيقة إذ قد خلق من طينها مصداقا لقوله تعالى : (( إذا قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين )). وقضت إرادته جل وعلا أن يخالط الماء هذا الطين ،فيصير لازبا كما جاء في قوله عز من قائل : (( إنا خلقناهم من طين لازب )) ، واللازب أو اللازم أو اللاتب في اللسان العربي، هو طين مخلوط بماء . ولما قضت إرادة الله عز وجل أن يكون الماء مصدر الحياة ، فإنه إذا خالط الأرض بث فيها الحياة ، وهو ما جاء في قوله تعالى : (( وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج )) ،فهمود الأرض مواتها ، واهتزازها عودة الحياة والحركة إليها ، وربوها ارتفاعها وانتفاخها كما ينتفخ العجين ويربو إذا اختمر ، وإنباتها هو خروج نبات الحب المطمور فيها. واقتضت إرادة الله عز وجل أيضا أن يكون خلق الإنسان بعد خلقه الأول من ماء كما جاء في قوله تعالى : (( فلينظر الإنسان مما خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب )) ، وبهذا يكون شبه بين خلقه الأول والثاني من حيث وجود عنصر الماء الذي به تكون الحياة لقوله تعالى : (( وجعلنا من الماء كل شيء حي )) .
وتلتقي الأرض والأنثى البشرية في صفة الأمومة بالنسبة للإنسان حيث يكون خروجه من بطن الثانية كخروجه من بطن الأولى ، وللماء دور في خلقه حين كان طينا لازبا، وحين يكون نطفة وعلقة ومضغة وعظاما مكسوة بلحم ثم خلقا آخر كما جاء في محكم التنزيل .
وكما أن الإنسان مرتبط عاطفيا بأمه الآدمية، فإنه مرتبط بنفس العاطفة بأمه الأرض التي يدب فوقها ، ويعود إلى بطنها الذي خرج منه أول مرة وقد أنبتته كما تنبت كل نبات مصداقا لقوله تعالى : (( والله أنبتكم من الأرض نباتا )) ، وقوله أيضا : (( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى )).
ويمر الإنسان بالمراحل التي يمر بها كل نبات حيث يكون هذا الأخير أول أمره يانعا مثيرا للإعجاب ثم يهيج ويصفر ثم يكون حطاما ، وهي نفس المراحل التي يمر بها الإنسان حيث يكون طفلا ثم يبلغ أشده ثم يكون شيخا . وهذه المراحل التي يشترك فيها الإنسان مع النبات قد ورد ذكرها في كتاب الله عز وجل .
والاحتفال بعيد الأم في البلاد العربية مع حلول أول يوم من فصل الربيع الذي هو عودة الحياة إليها بعد مواتها يعكس ما يتمناه الإنسان العربي لأمه الآدمية من طول العمر ،وهو ما يبعث فيه الأمل والابتهاج اللذين يشعر بهما حين تهتز أمه الأرض في فصل الخصب وتربو وتخرج من كل زوج بهيج .
وكما أن النبات يظل حيا ما حييت الأرض ، فإذا ما ماتت صارا حطاما ، فكذلك الإنسان يستطيب الحياة ويسعد بها ما دامت أمه الآدمية حية ، فإذا ما ماتت لم يعد يستطيبها كما كان من قبل إلا من خلال ذكريات تذكره بما كان يحظى به من دفئها وحنانها ،وما كان يغمره من سعادة لا حد ولا مثيل لها .
و لا تغيب الأم عن وجدان الإنسان في كل أحواله حاضرة أو غائبة ،وحية أو ميتة ، فهو يستحضرها على الدوام في لحظات الفرح والحزن على حد سواء ، وفي الشدة والرخاء، وهو إذا فرح أو حزن يلهج باسمها ، وهو أول ما يخطر له على بال ، ولا يجد أعذب منه على لسانه إلا اسم الجلالة واسم محمد صلى الله عليه وسلم إن كان مؤمنا .
وإن يوما واحدا في السنة يحتفل فيه بالأم قليل في حقها ، وهي التي لا تغيب عن قلب أو وجدان الإنسان ، ولا يعدم حنانها يتشربه وهي على قيد الحياة ، ويستحضر لذته إذا ما فارقت الحياة لا ينقص منها شيء.
وأخيرا وبمناسبة يوم عيد الأم التي لا تغيب على الوجدان في كل زمان ، نرجو لها مديد العمر مع موفور الصحة وهي حية ، ونرجو لها الرحمة والروح والريحان إذا اختارها الخالق سبحانه وتعالى إلى جواره ونعم الجوار على أمل أن يتجدد بها لقاء في خلد سعيد لا زوال له .
وسوم: العدد 921