سيّدنا علي بن أبي طالب لعباس محمود العقاد
15نيسان2021
معمر حبار
بعض ماجاء في الكتاب:
- قرأ صاحب الأسطر الكتاب بتاريخ: الخميس 3 ذو القعدة 1441 هـ الموافق لـ 25 جوان 2020، وأنهى قراءته بتاريخ: الأحد 12 ذو الحجة 1441 هـ الموافق لـ 2 أوت 2020، واليوم يعرضه بين يدي القرّاء الكرام.
- الأستاذ عبّاس محمود العقّاد، "عبقرية الإمام علي" دار النجاح، الجزائر، (دون ذكر عدد ولا سنة الطبع)، من 145 صفحة.
- يقول الأستاذ عباس محمود العقاد: "لجأ بنو أمية للشام في عصر الجاهلية حين طردهم بنو هاشم من الزعامة، وبقيت لما بعد الدعوة الإسلامية". أقول: وكأنّي بالعقاد يريد أن يقول أنّ سيطرة بني أمية على الشام كانت قبل الإسلام، ولا علاقة لها بالحكم بعد الدعوة الإسلامية. أضيف: قلت وما زلت: بنيت الحضارة الإسلامية وانتشرت بعد أن خرجت من مكة، واستوطنت خارج المدينة وأقيمت حضارات عظمى بالشام، والعراق وغيرها. إذن، هل أصاب العقاد حين عاد بالحضارة لجذورها التّاريخية؟ أم أصبنا حين عدنا بالحضارة لعناصرها من حيث المكان، وتفاعلها، وفاعليتها؟
- حين شبّ النزاع في عهد أسيادنا عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان رحمة الله عليهم ورضوان الله عليهم جميعا، كانت الأمّة حينها في أوجّ غناها، وثرائها حتّى أنّ خراج الفرد الواحد كاد أن يعادل خراج دولة بأكملها. إذن التقاتل فيما بين أفراد الدولة الواحدة لم يكن عن فقر، وعوز، وحاجة. إنّما كان عن غنى، وثراء، وبنايات، وبساتين، وزروع. وهذه النقطة تحتاج إلى أن يتوقّف عندها القارئ المتتبّع، ويعيد فيها النظر ويستخلص منها العبر.
- الفوضى التي عمّت المجتمع يومها، شملت أهل الدنيا وأهل الدين. أقول: حين يسقط المجتمع يصاب في دينه ودنياه، وعظمة المجتمع بدينه ودنياه.
- ذكر العقاد سببين في ضعف فترة سيّدنا عثمان بن عفان رحمة الله عليه ورضوان الله عليه، وهي: شيخوخته، ولين الحاكم.
- ذكر العقاد 8 أسباب أدّت إلى ضعف سيّدنا عثمان بن عفان. أقول: هناك نقطة من بين النقاط التي ذكرها العقاد كان عليه أن لايذكرها. وأرى أنّه أساء الأدب في ذكرها حتّى ولو نقلها على لسان أعدائه.
- قال: "تولى زعامة المتذمرين ضدّ سيّدنا عثمان بن عفان في بعض الأحيان جماعة من أجلاء الصحابة".
- كان سيّدنا علي بن أبي طالب رحمة الله عليه ورضوان الله عليه "ناقدا لسياسة سيّدنا عثمان رحمة الله عليه ورضوان الله عليه وبطانته التي حجبته عن قلوب رعاياه".
- قال العقاد: كلّ صحابي قدّم رأيا لسيّدنا عثمان بما يخدم مصالحه الشخصية، وليس مصالح الأمة".
- قال العقاد: لم يكن هناك خلاف بين سيّدنا علي وسيّدنا معاوية رحمة الله عليهما ورضوان الله عليهما. إنّما كان هناك خلاف بين نظامين مختلفين، وعالمين متنافسين. والمسألة تتعلّق بمبادئ الحكم وليس في خصائص سيّدنا علي، ولا خصائص سيّدنا معاوية.
- أقول: يصل الأستاذ عباس محمود العقاد إلى نتيجة مفادها: لاتقارن بين سيّدنا علي وسيّدنا معاوية فإنّك لن تصل إلى شيء. فهما يشتركان في نقاط ويختلفان في نقاط. وقارن بين نظامين مختلفين، ومن خلالهما ستصل لبعض الحقائق التي تغيب عنك لو اقتصرت فقط -أقول فقط- على المقارنة بين الشخصيتين.
- قال العقاد: بعض أسيادنا الصحابة كانوا يحرّضون النّاس على سيّدنا عثمان بن عفان.
- يحبّ سيّدنا عثمان ويقدّر ويحترم سيّدنا علي وسيّدنا معاوية. وأسيادنا علي ومعاوية كانا يحبّان، ويقدّران، ويحترمان سيّدنا عثمان. أقول، وأضيف: الاختلاف هنا في من نحب ونقدّر ونحترم. وتستحق هذه الملاحظة أن يقف عندا القارئ المتتبّع.
مفتاح الشخصية:
- يرى الأستاذ عبّاس محمود العقّاد رحمة الله عليه أنّ مفتاح شخصية سيّدنا علي بن أبي طالب رحمة الله عليه ورضوان الله عليه تكمن في الفروسية.
- أقول: امتاز العقّاد عن غيره في دراسة الشخصيات بمفتاح الشخصية الذي اعتمده لقراءة مختلف الشخصيات التي تطرّق لها. ومن خلال المفتاح الذي يضعه يمكن قراءة الشخصية، والثناء عليها، ونقدها، والدّفاع عنها، وعدم تقديسها إذا أخطأت، وعدم اتّهامها إذا لم تخطيء. وطبّق العقاد هذه القاعدة مع جميع الشخصيات ودون استثناء.
- نجح العقاد –حسب قراءاتي- نجاحا باهرا في تطبيق مفتاح الشخصية على الشخصيات التي تطرّق لها، ولذلك يجد القارئ النّاقد أنّ العقاد لايعبد شخصية، ولا يتّهم شخصية، ولا يميل إليها كلّ الميل، ولا يتّهمها. فهو يعرض الشخصية من خلال المفتاح المناسب لها -أقول المناسب لها-، فيصل لنتائج -بغضّ النظر عن طبيعتها- تتوافق وطبيعة المفتاح. ولا يهمّه بعد ذلك إن أغضبت أو رضي بها فلانا. والمهم عنده -في تقديري- أنّها تتوافق مع المفتاح المناسب الذي من خلاله درس الشخصية وانتقدها.
- لتوضيح ذلك: مفتاح شخصية سيّدنا خالد بن الوليد رحمة الله عليه ورضوان الله عليه -مثلا- هي القيادة العسكرية. مايعني لفهم هذه الشخصية وعرضها وانتقادها والثناء عليها ودفع التّهم عنها، يستوجب من القارئ النّاقد أن يدرسها من خلال مفتاح القيادة العسكرية. فيجد أنّ سيّدنا خالد بن الوليد لم يرتكب طيلة حياته خطأ عسكريا واحدا وهو يطبّق مفتاح القيادة العسكرية. ومن الظلم والإجحاف أن يتعامل المرء مع سيّدنا خالد بن الوليد من خلال مفتاح الفقه لأنّه مفتاح غير مناسب لفهم شخصية عسكرية كسيّدنا خالد بن الوليد، والسّبب أنّ خالد بن الوليد جنرالا وقائدا عسكريا بطبعه وليس الفقيه بطبعه.
- لفهم الشخصية لابدّ من دراستها من خلال المفتاح المناسب لها -أؤكّد بقوّة على المفتاح المناسب-، وعلى هذا الأساس يكون العرض والثناء والنّقد وعدم التقديس وعدم الاتّهام. وتعامل الشخصية حينئذ كغيرها من الشخصيات -دون عصمة ولا تخوين-، وتعرض سلبياتها وإيجابياتها كغيرها من الشخصيات.
- من الأخطاء القاتلة -في تقديري- التي قسمت ظهر الأمّة وشوّهت الحقائق وبالغت في الشخصيات من حيث العصمة والتخوين: التّعامل مع فقيه عبر مفتاح القيادة العسكرية، والتعامل مع قائد عسكري عبر مفتاح الفقيه، والتّعامل مع الشاعر عبر مفتاح الحاكم، والتعامل مع الحاكم عبر مفتاح المؤرّخ، وهكذا.
- أبدع الأستاذ عبّاس محمود العقاد في تطبيق قاعدة مفتاح الشخصية على الشخصيات التي أخضعها للدراسة والنقد. ولا أعرف أحدا -فيما قرأت لحدّ الآن- أنّه تعامل مع الشخصيات من خلال المفتاح المناسب لها. ولذلك كانت نظرة العقّاد موفّقة إلى أبعد الحدود، ومتطابقة مع المفتاح المناسب للشخصية الذي وضعه العقاد.
- درس العقاد الشخصيات من خلال ماضيها، واستطاع ببراعة فائقة ربط ماضيها بحاضرها وبالوقائع والمواقف التي وقفتها الشخصية، فكان التّوفيق إلى أبعد الحدود.
- تميّز العقاد عن غيره بدراسة الشخصيات من خلال ماضيها وربطها بمواقفها وسلوكاتها. ودراسة الشخصيات من خلال المفتاح المناسب لها -أؤكّد من جديد على المفتاح المناسب-. وقد أبدع في هذه النقطة وتميّز عن غيره الذين لم يتطرّقوا لماضي الشخصية ولم يتطرّقوا إليها من خلال المفتاح المناسب، فكانت دراساتهم مبتورة ضعيفة رغم الجهد المبذول والذي يشكرون عليه، ونظلّ نثني على مجهوداتهم القيّمة.
العقاد كما قرأت له:
- الأستاذ عبّاس محمود العقاد يندرج ضمن القائمة المذكورة: أبدع في نقاط وتميّز فيها عن غيره وذكرناها ونظلّ نذكرها غير نادمين ولا آسفين. وأخطأ في نقاط -كما أخطأ غيره- ولم يستطع تداركها في حياته ونظلّ نذكرها غير نادمين ولا آسفين.
- العقاد ليس محدّثا ولا مفسّرا ولا فقيها ولا يعامل على أنّه كذلك، ولم يقل ذلك. هو رجل كثير القراءة وحسن الكتابة. وقدّم للأمّة مايقدر عليه يومها. وهوكغيره يصيب ويخطىء. ورحم الله العقاد.
- سبق لي أن قرأت سلسلة "العبقريات" للأستاذ عباس محمود العقاد رحمة الله عليه.
- مازلت أوصي بقراءة "العبقريات" وغيرها من كتب العقاد. والقارئ يكثر من القراءة ومن المصادر المؤيّدة والمتضاربة. ومن اكتفى بواحد ومهما كان، فقد أخطأ وجانب الصواب. ولا يخلو كتاب من أخطاء ومهما بلغ صاحبه.
- امتاز العقاد بطريقته المميّزة في عرضه للشخصيات. امتازت -في تقديري- بعدم الغلو في الشخصية، وذكر المحاسن والمساوئ، وإبعاد التّهم عنها، واستنكار التقديس المبالغ في حقّها، والرجوع في كلّ موقف لماضي الشخصية وربطه بموقف المعني. بالإضافة إلى روعة البيان واللّغة العربية الرّفيعة السّهلة المميّزة، والأسلوب الأدبي السّامي جدّا، ونقد الشخصيات بأدب واحترام.
- مازلت أوصي بقراءة الشخصيات التي تطرّق إليها العقّاد للميزات أعلاه. وأوصي بنقد الأستاذ عبّاس محمود العقّاد رحمة الله عليه فيما لم يوفّق فيه.
فيما يخصّ نقد دار النشر والعقاد:
- وأنا أتابع صور أغلفة الكتب التي ألّفها العقّاد حول العبقريات والمنشورة في آخر غلاف الكتاب فوقفت على الملاحظات التّالية:
- وضعت دار النشر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في المرتبة الثّانية. ووضعت سيّدنا علي بن أبي طالب في المرتبة الأولى. ووضعت سيّدنا الصّديق في المرتبة الرّابعة.
- وضع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في المرتبة الثّانية من حيث الترتيب. وهذا سوء أدب من دار النشر. والمطلوب أن تضع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الأعلى والأوّل. وأرجو أن تتدارك دار النشر هذا النقص فتقوم بتصحيحه.
- أخطأ العقاد حين ذكر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في عنوان الكتاب الخاص به صلى الله عليه وسلّم بالاسم المجرّد دون الرسالة. وما كان للعقاد رحمة الله عليه أن يفعل ذلك. وكيف له أن يمنح ألقابا لغيره ويحرمها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
- من الأخطاء التي ارتكبها العقاد –في تقديري- أنّه لم يذكر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على أنّه رسول، وتعامل معه على أنّه كغيره من الأشخاص لايختلف عنهم في شيء. و"عبقريته" لاتختلف في شيء عن عبقرية الآخرين. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم رسول يوحى إليه وبشر مثلكم. ولا يحقّ بحال الفصل بين الركيزتين الأساسيتن. ومن أغفل واحدة عمدا -كما فعل العقاد رحمة الله عليه- فقد أساء لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين أغفل رسالته.
- منح ألقابا لأسيادنا علي والصّديق وعثمان بن عفان رضوان الله عليهم جميعا. وفي الوقته نفس ذكر سيّدنا عمر بن الخطاب بالاسم المجرّد دون اللّقب.
- لا أتحدّث عن اختيار العقاد لعنوان "العبقرية"، فقد تحدّثت عنه في سنوات ماضية، واستنكرت عليه وما زلت اختياره للعنوان ومعاملته لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على أنّه "عبقري" كغيره من العباقرة. وهذا سوء أدب وقلّة أدب من الأستاذ عباس محمود العقّاد رحمة الله عليه.
- رحم الله الأستاذ عبّاس محمود العقاد. كان عظيما في كتاباته، وكبيرا في تحليلاته، ومصيبا في رجوعه لماضي الشخصية، وآية من آيات الله في حسن التعبير وروعة البيان. وكغيره من الكبار يسقطون حينا وينهضون مباشرة ولا يتعمّدون السّقوط ولا يتشبّثون به.
الجزائري وأسيادنا الخلفاء :
- هناك ملاحظة شخصية وقفت عليها لأوّل مرّة في حياتي وكتبت عنها مقال[1]، وكتبت بالحرف -وإلى أن يثبت أنّي المخطئ-: "أعترف أني أصبت بصدمة وأنا الذي كنت أعتقد أن الجزائري لا يميّز بين أسيادنا الخلفاء الراشدين فتبيّن لي من خلال هذا المثال أن الجزائري يقرأ كثيرا عن الخليفة سيدنا علي بن أبي طالب ولذلك سعره مرتفع، وكذا سيدنا أبي بكر الصديق وسيّدنا عمر بن الخطاب وسيّدنا عثمان بن عفان وبهذا الترتيب، ولذلك تجد الكتاب الخاص بأسيادنا الصديق وعلي أرفعهم وأغلاهم سعرا، وكتب أسيادنا عمر وعثمان أقلّهم سعرا".
- كلّ ماهنالك أنّي دخلت مكتبة من بين المكتبات التي تزخر بها جيجل العزيزة علينا، فكانت تلك الملاحظات التي دوّنتها عبر رحلتي، ومنها ماتعلّق بكتب أسيادنا الخلفاء الرّاشدين رضوان الله عليهم. ولماذا كتاب الخليفة الفلاني يباع أعلى سعرا من الخليفة الفلاني؟ وأنا الذي كنت أعتقد أنّ كتب أسيادنا الخلفاء الرّاشدين تباع بسعر واحد.
خاتمة:
- أنا الآن بصدد قراءة كتاب: "فاطمة الزهراء والفاطميون"، للأستاذ عباس محمود العقاد رحمة الله عليه: شركة نهضة مصر، مصر، الطبعة الخامسة، سبتمبر 2006، من 155 صفحة.وأسأل الله أن يوفّق عبده الذليل لمواصلة قراءة الكتاب، والاستفادة منه، ونقده، وعرضه.
[1] راجع من فضلك مقالنا بعنوان: "رحلتي إلى جيجل- الحلقة5: مكتبة والخلفاء الراشدين وشاطئ إكسير"، وبتاريخ: السبت 26 رجب 1441 هـ - الموافق لـ 21 مارس 2020.الشلف - الجزائر
وسوم: العدد 924