من سنن الله في خلقه
خالَ نفسَه ذات مرة أن صورة له شكلت حياته من زاوية مختلفة، من مكان بعيد كما لو أنه التقطها من الأقمار الصناعية ، تبدو وكأنها خطٌّ مستقيمٌ أو شارعٌ واحدٌ ، تضيئه دعوات والديه رغم ظلمة الأفق البعيد الممتد ، أو ربما التفاتات أخ ودود بظهر الغيب ، أو هي يــدٌ حانية تلك التي لم تغادر ظل سعيِه الحثيث . كانت إضاءات بارعة رغم كل المنعطفات التي تحمل بثناياها خيبات ، خيبات كثيرة وانكسارات موجعة، أقساها تلك التي كانت على مفترق طرق ، فخسرَ عندها مَن خسرَ ، وأيًا كانت الخسارة والفقد ، رغما عنه وربما بإرادته . تابعَ السير وإن غلبت اللامبالاة عدم اكتراثه لكل ما حدث. تعلل دائما أنه فعلَ ما يجب أن يفعله في هذا المعترك ، بل أكثر من ذلك . ولو عادَ إلى الوراء لفعلَ الشيء ذاته! حقيقة هو يخاف العشوائية، يخاف فكرة عدم التجاوز والبقاء طويلا بمكان يحدّ من حركته . يخاف أن يبقى خائفا رغم أنه لازالَ يقف على قدميه بعد كل تعثّر إلاّ أنه لازال يخشى الكثير في هذا العالَم المجهول الذي تكتنفه الأهوال من كل جانب .
هـو وأمثاله أشغلت بالَهم حاجاتُهم اليومية في مدى المعيشة الضنكى التي باتوا يناجزون شدتها ، ويعانون من تأثيرها عليهم . ولقد شكا بعضُهم من فشلٍ في المسيرة التي كان يتمناها في حياته ، وتجري الرياح بما لايشتهي ربان السفينة في أكثر المرات . وربما لم يجد حينها حيلة يستطيع من خلالها تجاوز الحفرة التي وقع فيها . فتعتريه الأحزان ويكتنفه القلق ، وتسري في جسده إمارات الحسرات . على أن الهمم والعزائم التي هي مما وهب الله للإنسان يجب أن تظهر هنا ، فالخذلان ليس له وجود في مسيرة أولى العزم ، والعزم ــ بمشيئة الله ــ يكسر حدة الخطوب ، ويخذل عنجهية الأحداث ، فتتلاشى السلبية ، وتعود للإنسان حيويته ، ويتألق قلبُ بالإيمان من جديد ، والصباح الجديد القادم لابد منه ، وتلك سُنَّةُ الله في خلقه ، وفي الصباح الجديد يأتي النور وتأتي نسائم الرحمة الإلهية ، ففي المحن منحٌ ، وليست هي من الفرص ، ولكنها من تقدير رب العزة والجلال ، فَمَن هيَّأ قلبَه لاستقبالها لن يُخذل ولن يلحقه فشل ، ومتابعة السعي في الطريق مزية لاتُهجر ، ففي نهاية الدرب يتحقق الفوز ، ويُمنح صاحبُه وسام الفرحة التي تشعرُه بالسعادة . لأنه لم يستسلم للسلبيات ، بل واظب وناضل وصبر وتخطَّى العقبات ، فلم يضيه الله مسعاه ، ولم يخيب له مارجاه .
قصص الثبات على الحق ، وعدم الانهيار أمام الشدائد والمغريات ، كثيرة على امتداد عمر الإنسانية ، والأنبياء هم الأسوة في الثبات على ما أُرسلوا به إلى الخلق ، ورغم مالاقوه من الأذى من أعدائهم ثبتوا وجاهدوا ، فكانت النتائج المبهرة في فناء المطرودين من رحمة الله ، وظهور أهل الحق وخلود دعوتهم ونجاحاتها إلى يوم الدين .
وسوم: العدد 941