مصائب الشعوب بسبب الجائحة وتداعياتها السانحة والبارحة فوائد الأنظمة الجانحة

من المعلوم أن شر البلاء  هو أن يشقى قوم بالمصائب في حين تكون بالنسبة لآخرين  فوائد ، وقد صدق في التعبير عن هذا الشاعر الحكيم أبو الطيب المتنبي إذ يقول :

وهو قول كان ولا زال يصدق على الناس  في كل زمان منذ كانوا، ذلك أنه لا  يصاب بعضهم بمصائب ونقم  إلا وكان في طيّها فوائد ونعم بالنسبة لآخرين .

وما استفادت  اليوم الأنظمة في كل  أرجاء المعمور من مصيبة من المصائب الحالة بالبشرية كاستفادتها من مصيبة  جائحة  الفيروس المتوج التي فجأة  بظهورها  أول مرة  في الصين بلاد العجائب التي يحول فيها المعدن الخسيس إلى آخر نفيس لشاطرة شعبها وعبقريته . ولا زال هذا البلد لا يجرؤ أحد على مساءلته عن أمر هذا الفيروس مع أنه هو أول منطلقه .

 ومع أن  هذا الفيروس هو خلق الخالق سبحانه وتعالى الذي لا خالق إلا هو ، فإن الشيطان الرجيم أقسم مع بداية الخليقة  أنه يأمر الإنسان بتغيير خلق الله عبثا ، لهذا علم ما جعل هذا الفيروس ينتشر انتشار النار في الهشيم طائرا على متن  الطائرات  عند الله عز وجل ، وعند من عندهم علم بأمره  ، ولا زال الناس في كل المعمور في حيرة من أمره ، ولم يترجح لديهم قول من  أحد قولين وهما على طرفي نقضي حيث يذهب الأول إلى أن هذا الفيروس التاجي طبيعي كما خلقه الخالق سبحانه وتعالى ، بينما يذهب الثاني إلى أنه قد غيّرت خلقته بفعل فاعل بإيعاز من إبليس الجن اللعين  إلى أبالسة الإنس  ، ولا زال هذا الأمر لمّا يحسم بعد ، ولا زالت حيرة الناس قائمة  وفي ازدياد حتى يتبين خيطه الأبيض من خيطه الأسود إذا ما طلع فجر الحقيقة في يوم من الأيام ، وهو طالع لا محالة . ولا زال أهل الاختصاص يختصمون في أمر هذا الفيروس  بين محذرين من بطشه الشديد ، وبين مشككين في ذلك مع كثرة ما صرح به من ضحايا بلغ عددهم الملايين ، ولا زال يحصد الأرواح إذ لا تخف وطأته إلا لتعود ، وقد صارت له متحورات تزيد بطشا عن بطشه .

وإذا كانت الشعوب قد دفعت الثمن باهظا بحلول هذا الزائر الممقوت  الذي حصد الكثير من الأرواح ، وأشاع الرعب بينهم ، فإن الأنظمة  عكس ذلك كانت هي الرابحة ربحا لم تكن تنظره  أو تتوقعه ، ذلك أن أقطارا شتى في المعمور كانت تغلي فيها الاحتجاجات والتظاهرات  والثورات غليان المرجل ، فجاءتها بشارة  الوباء ليكون ذريعة أنظمة شتى لإخماد نيران تلك الاحتجاجات والتظاهرات  والثورات تحت طائل قانون الطارىء الصحي  الذي يمنع بموجبه الناس من التقارب أو الاحتكاك فيما بينهم ،وتناسلت عن هذا القانون قوانين شتى من  حجر ،وتكميم ... إلخ  حتى انتهى الأمر إلى التلقيح ، وكلها قوانين بدأت أول الأمر اختيارية ثم صارت إجبارية تجر على مخالفيها الويل والثبور وعواقب الأمور .

وفي ظل ظرف هذا الطارىء الصحي فعلت الأنظمة بشعوبها ما تشاء حتى ضاقت بها سبل العيش  بسبب قلة المداخيل ، واستفحال أمر البطالة ، وازداد غلاء المعيشة ... وهي أمور لا زالت في اطراد ، وأصبح الخوف منها أشد من الخوف من الفيروس التاجي . ومقابل معاناة الشعوب من جرائه  أغنى مسوقو اللقاحات  والأدوية غنى فاحشا ، ولا زالت هذه اللقاحات تتناسل وتتحور تناسل وتحور الفيروس حتى صارت ثالثة بعد  كانت ثنتين ، وربما زاد عددها عن ذلك حتى يصير موضوع جدل بين الناس كجدل المجادلين في عدد أصحاب الكهف والرقيم.

ولا زالت البشرية تترقب أن يجلس أهل الاختصاص من الخبراء العارفين بأمر هذا الوباء إلى مائدة مناظرة  للتناظر بشأنه  فيما بينهم وهم اليوم  فريقان : فريق ينفي أن يكون قد استغله وأفاد منه،  وآخر شاك  ليس في حقيقة فتكه بالأرواح بل في أمر استغلاله  والاستفادة منه ماديا ومعنويا ، ولا رجحان لحد الساعة لرأي فريق على  رأي الآخر ، وهو ما يزيد البشرية حيرة وخوفا مما صار  يحذر منه البعض من تطور استغلال  هذا الوباء اللعين  إلى استعباد الناس تحت حكم ما صار ينعت بنظام عالمي جديد ينقلهم من كانوا عليه من  قبل إلى أسوأ حال .

ولا زال التناظر بين الفريقين لحد الساعة مقتصرا على الإعلام الرقمي الذي تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي ، وأمره مصداقيتها لا زال  متأرجحا بين التجريح والتعديل  ، وهو ما يزيد حيرة الناس شدة . ولعل هذا الأمر أن يكون هو الآخر مقصودا  لتحقيق فوائد الأنظمة الجانحة جنوحا لم يعد خافيا وهي تتاجر وترتزق  بمصائب  الشعوب المعانية من الجائحة  ومن تداعياتها المتناسلة المتحورة السانحة  منها والبارحة .

وسوم: العدد 953