عملية إغراء قريش لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم

وأنا أتابع عرض قريش على سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليترك الإسلام، وعبادة الله تعالى،  ويتركهم وشأنهم مع أصنامهم التي تدر عليهم المال، والجاه، والقوّة، والسلطان باسم الكعبة والدين. فكانت هذه الأسطر:

أرسلوا له عتبة بن ربيعة مبعوثا عن قريش. وكان حكيما، وعدلا، وعظيما، وصاحب رأي، ومشورة، وعقل. 

العرب لاترسل عظيم إلاّ لعظيم. مايدلّ أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم -وهو العظيم-، مازالت تتعامل معه قريش على أنّه العظيم، يستوجب منها أن ترسل له كبيرها، وسيّدها، وحكيمها، وأفصحها، وأعقلها وهو عتبة بن ربيعة. 

يراودني الآن موضوع حول "رسل قريش"، وأسأل الله أن يوفّق عبده الذليل للكتابة حول الموضوع، ويمكن للأقرّاء الكرام أن يعينوه، ويحفظ لهم حقّ السّبق والفضل.

عرضوا عليه الغنى والمال. والمال عند العرب عزيزا لايناله إلاّ القليل، ولا يملكون غيره. وموارد المال لدى قريش والعرب قليلة جدّا حتّى لا أقول منعدمة. 

المسألة -في تقديري- لاعلاقة لها إطلاقا بالكرم العربي. فالكريم يمنح دون انتظار، ويعطي دون مقابل، ولا يغري، ولا يهدّد عبر الكرم. إنّما هي صفقة سياسية اعتمدت على أغلى مايملكون، ولا يملكون غيره من نفوذ وسلطان يغرون به سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. مايدلّ على أنّ الأمر جلل، يستحق من قريش أن تنفق أعزّ مالديها للحفاظ على سلطتها الدنيوية باسم الكعبة والدين أي عبادة الأصنام، والتجارة عبر الكعبة.

عرضوا عليه أن يكون سيّدهم، وكبيرهم ولا يقطعون أمرا دون الرجوع إليه. وهذه النقطة -في تقديري- تفوق موضوع المال من حيث الأهمية والعظمة والإغراء. وقد كادت قريش أن يفني بعضها بعضا بسبب من يكون له شرف حمل الحجر الأسود، أثناء إعادة بناء الكعبة، لولا أنّ ربّك أراد أن يكون سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهو يومها الشاب في 25 سنة من عمره الذي أشار عليهم أن يحمل كلّ سيّد من قريش طرفا من القماش الذي يحمل الحجر الأسود، فيكون الشرف للجميع، ودون دماء.

إذن قريش تعرض السيادة، وبهذه السهولة على سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، مقابل الحفاظ على سيادتها السياسية باسم الدين. وليس من السهولة أن تتنازل قريش عن سيادتها لكبار. فكيف بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو أصغرهم سنا.

عرضت عليه أن يزوّجوه أفضل نسائها، مقابل أن لايحدّثهم عن عبادة الله تعالى، ونبذ الأصنام. والعرب، وقريش لايعرضون نساءهم الحرائر. مايدلّ أنّ الإغراء بلغ أقصاه حتّى وصل إلى عرض النّساء الحرائر. مايعني أنّ المحافظة على السيطرة السياسة باسم الدين والكعبة، يهون في سبيلها كلّ شيء بما فيها عرض النّساء الحرائر.

أعترف أنّي لاأملك ماأقوله بشأن عرض قريش المتمثّل في الطب، والطبيب على سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وما يختلج الصدر لم ينضج بما يكفي ليصل لمرحلة الإعلان عنه.

لا أشكّ لحظة واحدة أنّ قريش كانت صادقة في عروضها المغرية التي قدّمتها لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. والمعروف عن قريش أنّها لاتخلف الوعد، ولا تتفاوض إلا لأمر خطير، وترسل عظيم لعظيم في أمر عظيم. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عظيم في نظرها، وجاء بأمر عظيم، وسعت لتغريه بأمر عظيم.

عرضت قريش عروضا عظيمة، ورفض سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عرضها، وهو أحوج النّاس للمال والنفوذ ليدعم به دعوته، لأنّه عظيم ، ودعوته الطاهرة الشريفة عظيمة تتعدى ماعرضته قريش.

السيطرة السيطرة باسم الدين والكعبة لدى قريش من الأسس المتينة التي بنت عليها قريش نفوذها وسيطرتها، ولذلك تعاملت مع الحفاظ عليها بكلّ ماتملك، وبأعزّ ماتملك. تدلّ عملية الإغراء على أنّ قريش تعترف بعظمة عدوها صلى الله عليه وسلّم، وهي تتقرّب إليه عبر الإغراء.

أتعمّد تسميتها بـ: عملية الإغراء. ومن الأخطاء الشائعة تسميت العملية بـ: "المفاوضات؟!"، لأنّ ذلك لايليق بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والذي لايمكنه بحال أن يفاوض في شأن الرسالة التي كلّف بتبليغها، وعلى أحسن وجه.

وسوم: العدد 953