أطناب الطفولة والذكريات
مشيت خطوات معدودة، وتوقفت في أزقة رفعتي الشمالية بهفوف الأحساء، حيث هناك مسقط رأسي وطفولتي..
فتنفست الصعداء، فرأيت أهداب الأصالة في كل عين أراها تمر بجانبي.. عبر ومضات مصورة، ومنقوشة على صفحات الذكرى..
تذكرت مخبز أم أرشيد في براحة زكي، وتكاتف الناس جميعاً في الأفراح والأتراح.. تذكرت دكاكين الحياكة (والسدوة)، وإتقان صنع البشت (المشلح) الحساوي..
تذكرت صحن الهريسة من بيوت الجيران، واللقيمات، والمضروبة، والجريش، والعيش الحساوي، والغلية، والممروس، والتشريبة، والساقو، والبلاليط، ومحمر السمچ، والمموش، وخبز المسح، وكبسة الكراعين، والخبز الحمر الحساوي، والمخلطة من بيت الخالة/ أم طلال.. تذكرت بقالات الفريج والساباطات، وتذكرت العيدية، (وطباعات) ملصقات طرزان، وعلك بو لمبة، (والچراقي) من دكان الحبص في سوق االقيصرية.
تذكرت ألعاب الزمن القديم سجن حرامي، والحجل، والتيل، وشط بط، والسكونة، والخطة.. تذكرت، وتأملت الحاضر الذي يتعلم من الماضي، والحاضر الذي يهمس للمستقبل تركد على روحك في قوله:
أنت حلم الطفل، وتحدي الشاب، وورع الشيخ، وخاتمة العمل بالصدق والأمانة واليقين..
تذكرت حملات الحج والعمرة شيبة من الطرف، والكريمي من الحليلة، والقرين والجاسم وغواص والدخيل والدباب من الهفوف، وأبو قرين من بني معن، والهدبي من حوطة العمران، والتريكي من الدالوة..
تذكرت مسجد العباس بالمطيرفي والزهرة، ومسجد الوطية بالعمران وسدرة التويثير.. تذكرت مساهمة المقصف في المرحلة الابتدائي والمتوسط.. حيث الاشتراك بعشرة ريالات، وتأخذ أرباحها نهاية العام الدراسي من قبل رائد الصف، أو إدارة المدرسة.. تذكرت الريال المعدني، وهواتف العملة في مواسم الحج والعمرة، والزحام عليها.. تذكرت أيام ثالث ابتدائي في مدرسة الجارود، واليوم المفتوح، والمسرحية الفكاهية، وأنشودة الذكريات:
"من بعد باب الچبره
مريتنا سوق الخضره
قل للبايع يالمجنون
حط أقشورك في الماعون
من بعد باب الچبره
ما ريتنا سوق الخضره"..
تذكرت صيد الجراد المهاجر من صحراء قرية الطرف عام 1406ه، تذكرت تكسير الحطب، وتقطيع السعف، والجذوع، والكرب في الأعراس..
تذكرت منافسة حملات الحج سابقاً في توزيع ثياب الإحرام على الرجال، والعبايات على النساء، وكذلك المرطبات، وصابون الاستحمام عام 1405ه..
تذكرت أدوار باصات النقل الجماعي، والجزء المخصص من الباص للعوائل للمستشفى.. تذكرت العم الشيخ حبيب وكتابته لعقود المبيعات والخطابات الحكومية.. تذكرت صناع الدلال الحساوية في شارع الحداديد والكوت، ودكان المحيفيظ وبن سبت للحجامة والحلاقة القديمة..
تذكرت بياع الغاز (الكيروسين)، وهو يصول ويجول في الأزقة والطرقات قائلاً: (قاز قاز) تقريباً عام 1402ه، تذكرت (الهواش) على التغذية المدرسية تقريباً عام 1400ه..
تذكرت عيادة مقيد في عمارة السبيعي بكوت الهفوف، ومستوصف الحقباني بالفاضلية، والخوف من الإبرة، (والتوتينة) بالتطعيم.. تذكرت قابلة الولادة أم علي الراضي رحمها الله..
تذكرت ثياب (أبو غزالين) بسوق دعيدع في الهفوف.. تذكرت التجمهر عند جبل المدفع (الطوب) في شهر رمضان المبارك قبل أذان المغرب (بدروازة الخباز).. تذكرت التبديلة الرياضية في صف ثالث ورابع ابتدائي، وكذلك بدلات الكشافة في مدرسة الجارود بكوت الهفوف عام 1407.. تذكرت (العمَّاريَّات) في سوق الخميس القديم جوار سوق البصل.. تذكرت زفة (المعاريس)، والسباحة في عين الجوهرية بقرية البطالية، وعين الخدود بالهفوف، وعين الحارة بالمبرز، وعين أم سبعة بقرية القرين، والمزاح (بالسنون، والطفو).. تذكرت سوق الخضار القديم بالهفوف، وخباز (الصمون) اليماني، ومحل الهران للكبة والكليجة والزلابية بالرفعة..
تذكرت (امطوعات) الفريج الشمالي بالهفوف لتعليم القرآن الكريم، تذكرت الترحل بسيارتنا الكابرس موديل 82 ما بين حديقة عين النجم، إلى مشروع حجز الرمال بقرية العمران، وجبل القارة، وتوتر إعلان نتائج المرحلة الثانوية بالصحف والجرائد..
تذكرت بستان النعاثل الشرقي بالهفوف، وجدرانه الطينية، وهدمه، وتجذيب نخله من قبل شباب الفريج.. تذكرت سوق (القصابية) لبيع اللحوم بالكوت جوار المدرسة الأولى، وعمارة السبيعي، والبلدية القديمة.. تذكرت الدوغة، وصناعة (المصاخن، والتنانير، والمباخر، وسوق الجت والخضرة).. تذكرت سوق التمور القديم بالهفوف، والتاجر المحبوب والطيب البيق رحمه الله.. تذكرت الأعراس القديمة في (الحوش والحوي، والسطح، والبراحة)..
تذكرت الفنان الراحل يونس شلبي رحمه الله، ومسلسله الرمضاني "هلا بنت حلوة للغاية يونس يرعاها بعناية"..
تذكرت أنشودة فوز نادي الاتفاق الرياضي بالدوري عام 1406ه
"لوني ودمي واعروقي اتفاقي.. أحمر يا حبي وشوقي اتفاقي
وياه وياه منساه منساه.. أتي أتي فاقي اتفاقي"
تذكرت الباصات الصفراء في حملة الوالد رحمه الله للحج، وكانت أجرة الحاج في ذاك الزمان بمرسيدس العفش 1800 ريال، والباص الأصفر 2500 ريال، والسوبر 3000 ريال، وصناديق العفش الملونة، والمراتب (الدواشق) الملفوفة بالحبال والشراشف المخططة.. تذكرت تعرجات أزقة الحرم المكي، ودرج دحلة الجن، وشعب عامر، وشعب بني هاشم، وحارة العزيات في المدينة المنورة.. تذكرت تقطيع البصل، وتنظيف الرز (بالمناسف، وتجهيز غدنة المعاريس من قبل النساء قبل حفل الزواج بأسبوع تقريباً)..
تذكرت صوت (طقطقة) ماكينة شفط الماء (أم هندل) من عين (أم خريسان بالشارع الملكي).. تذكرت رش الماء في أزقة الفريج الترابية عن الغبار قبل الترصيف والسفلتة.. تذكرت طريق دكاكين قيصرية الحرم المكي، والنزول لشرب ماء زمزم داخل الحرم..
تذكرتكم جميعاً دون استثناء، حقيقة الذكريات تحترق بداخلي، وكلها ومضات من مراحل أعمارنا، لتبقى ابتسامة الرضا والعافية بالحمد والثناء، فالحياة مليئة بالتجارب والدروس بالذكر الطيب وأكف الدعاء..
وسوم: العدد 955