آداب الزيارة وزيارة السجين
التقيت صباح اليوم في وسط المدينة بالصدفة بصديقي كمال لطرش، باعتبار يوم الأربعاء هو يوم عطلته البيداغوجية، وهو الأستاذ الثانوي منذ 32 سنة من التّعليم.
تركت له حرية اختيار المقهى، فاختار مقهى فريق الشلف بوسط المدينة.
قلت له: أحسنت الاختيار، لأنّ هذه المقهى تذكّرني بأيام الصبا التي مازالت تراقص الذاكرة البريئة.
تحدّثنا في مواضيع عدّة منها موضوع أطلقت تهذيب الأخلاق، لأنّ المسألة لاتتعلّق بالأخلاق بقدر ماتتعلّق بتهذيب بعض السلوكات الحسنة لتصل لرتبة كمال الأخلاق، فقلت:
من عقيدتي أنّي أتعمّد تأخير زيارتي للمريض الخارج من المستشفى، والعائد من الحج، والسفر، والسجن.
يسأل باستغراب: لماذا؟ أنا دائما الأوّل الذي يزور المريض، والحاج، والمسافر (دون أن يذكر السجين)، وأعتزّ بكوني الأوّل الذي يزورهم.
أجيب: العائد من المستشفى، والحج، والسفر، والسجن له زوجة وهي أولى باستقباله، ومن حقّها أن لاينافسها في زوجها أحد سواها. وليس من الأدب أن ينافس الرجل الزوجة في زوجها، حين يعود زوجها من المستشفى أو الحج، أو السفر، أو السجن.
ثمّ أضفت: وللعائد بنات، وأولاد، وإخوة، وأقارب فلا يحقّ لأحد أن ينافسهم في استقبال الأب، فهم أولى من غيرهم في السّبق باستقبال العائد من غيرهم.
تساءل بعدها بغرابة: هل نزور السجين؟!
أجيب: بلى
يزداد غرابة ويتساءل من جديد: كيف ذلك. لم أزر في حياتي عائدا من السجن؟
أجيب: عدم زيارتك للعائد من السجن تعني له الشماتة، وأنّك تسعى من جديد لسجنه بغضّ النظر عن الأسباب.
زيارتك له تدخل ضمن الاطمئنان، وجبر الخواطر، وأنّ أفق الأمل مازال قائما ينتظر من يمسك به.
يفقد بعض توازنه ويتساءل باستنكار: السجين عندي مجرم بالفطرة. كيف تطلب منّي أن أزور مجرما؟!
أتدخل من جديد: لست القاضي لتحكم على النّاس، وزيارة العائد من السجن عمل إنساني وحقّ من حقوق الأخ، والجار، والصاحب، وتندرج ضمن المعروف المتعارف عليه.
ثمّ أضفت: لسنا أفضل من سيّدنا يوسف عليه السّلام الذي أدخل السجن ظلما وعدوانا، وهو الجميل النقي التقي. ولسنا أفضل من سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الذي اقترح أعداؤه في شأنه السجن لمنعه من الدعوة إلى الله، وهو حبيب الحقّ وأفضل الخلق، قبل أن يجمعوا على قتله ويتفرّق دمه بين القبائل.
رجعت به للماضي، وقلت له: أتيحت لي الفرصة أن زرت العائدين من السجن أيّام العشرية الحمراء وهم -يومها- أئمة، وأساتذة جامعات، ومهندسون، ومحامون، ومدراء، وأثرياء، وأطباء.
وسوم: العدد 955