الفذلكة والمتفذلكون ...اللهم اكفناهم بما شئت..!!
وفي سياقات الفوضى الكلامية، أو "اللغا" المنتشر في كل فضاء وعلى كل الصفحات، واللغا صوت لا معنى له، وهو في الأصل صوت زقزقة العصافير ، تذكر عنوانا للأصوات المترددة بلا معنى، أصبحنا أو أمسينا وما أكثر الفذلكة وما أكثر المتفذلكين..
وتستخدم " الفذلكة" في لغتنا الدارجة في سياق سلبي. وغالبا ما تستعمل في سياق النهي أو الزجر "حاج فذلكة" يكفيك "فذلكة"
إلا أن معنى اللفظ في لغة المولدين يختلف عن هذا السياق، ويقول أصحاب المعاجم إن لفظ "الفذلكة" منحوت من قولهم" فذلك أن .." وغالبا ماتستخدم اللفظة في الخلاصات الجملية أو المجملِة، للأفكار، وللحسابات والأرقام ..
نص وحيد قرأته في كتاب قديم يستعمل لفظ "الفذلكة" وذلك ما رواه ابن هشام في مغني اللبيب، عن قوله، في تفسير قول الله تعالى (ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) يقول ابن هشام: قال الزمخشري في قوله (تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) إنما أتى بالفذلكة هنا لئلا يتوهم متوهم أن الواو في قوله وسبعة بمعنى أو، وكثيرا ما تأتي الواو بمعنى أو العكس.
سأحدثكم هنا من غير فذلكة ومع بالغ الألم عن أمثلة للفذلكات المزعجة والمقلقة والتي تمادت في واقعنا بمعناها السلبي وسأكتفي بضرب بعض الأمثال. أكثر ما سأرويه لا أعرف صاحبه، ومن عرفته منهم فلن أسميه، فليس بيني وبين أحد من الناس حساب شخصي.
من الفذلكة القميئة الممجوجة كثير من تأويلات وتنهدات "المفتون"، ولاسيما حين يتنهد ويتأوه وهو يقول يا سادتنا ويا علماءنا ويا قومنا لماذا ؟؟
وآخرها مثلا قوله إن المقصود بقوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) هو الإنسان السوري الذين يعيش في بلاد التين والزيتون، بين طور سينين والبلد الأمين!! في العامية نقول وخذ هذه الطمسة من هذا الطشمة،فذلكة لونها عنصري أسود مرباد، وطلعها كرؤوس الشياطين، وريحها لعنصريتها، منتن يشم على مسيرة خمس مائة عام!!! كل الناس أبيضهم وأسودهموأحمرهم خلقه الله في أحسن تقويم ..إلا من أبى فاختار التسفل والانسلاخ..هذا مثل..للفذلكة المقيتة الممجوجة المتنطعة...
وهذا آخر..
ومنذ أكثر من عامين والناس في هذا الفضاء يتداولون على هذه الصفحات فذلكة من فذلكات أهل الزيغ والجهل والضلال..
وقد عنّ لبعضهم أن يتفذلك، وقرأ قول الله تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ) فخرج على الناس بفذلكة عجيبة يقول فيها: لا يجوز أن نطلق اسم " الدين على غير دين الإسلام" و " لا دين غير دين الإسلام " وحرام أن نقول " دين اليهود والنصارى و...."
المشكلة ليست في الطمسة من إنسان غفل أو شطح، بل المشكلة عند لفيف من ذاعة السوء طاروا بكلامه استحسانا، وظلوا يحولونه ويتداولونه، ويتواصون به، ويمجدونه؛ وما ما فيه غير محض ضلال، ومناقضة لصريح القرآن، من مثل قوله تعالى في دين الكافرين (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) فأثبت للكافرين دينا وإن باطلا، وقوله تعالى (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ) فأثبت لليهود والنصارى دينا وإن كان محرفا. وقوله عن المشركين (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) فأثبت للمشركين دينا ولو باطلا ..
ليس عجبي ممن عثر وإنما ممن نقل فطار بالشرر وجعله حريقا ..!!
وصورة ثالثة للفذلكة المخذولة الممجوجة التي تنادي على صاحبها ..
ما صار إليه بعضهم منذ أشهر ، وتناقله الناس استحسانا لا استهجانا، وذلك حول ما كتبه بعضه أن يوم القيامة يوم ممتع وجميل ..!!
يوم يقول الله فيه : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ..)
يوم هذا وصفه في كتاب الله يقول فيه المتفذلك: إنه يوم جميل!! في الحديث في وصف هوله قول رسول الله صلى عليه وسلم إن الناس يحبون أن يقضى بهم ولو إلى النار ...من هول المحشر. نسأل الله العافية من هول المطلع، ومن وقفة في ظل المحشر يوم يقول نوح وإبراهيم وموسى وعيسى : نفسي ..نفسي.. وصاحبنا يكتب إنه يوم سيبانة بالحلبي، وسيران بالدمشقي..!!
فهل تذهل المرضعة عن رضيعها، لأنها في سيران أو لأنها في كرب عظيم!! الغريب أن الذين يصفقون أو يعيدون تحويل مثل هذه الفذلكات ينسون أو يتناسون عشرات من نصوص الكتاب، والمئات من نصوص الكتاب والسنة وهم لها حافظون، وتاتيهم ساعة كما يقول المحللون عن عقلية أو نفسية الجمهور : البكاء معا، أوالضحك معا، أوالتصفيق معا ، أوالانتحار معا، أوالشرب من نهر الجنون معا.. ولاسيما إذا كانوا يتقدمهم مرياع أو مراييع..
ثم وفذلكة رابعة
ومن الفذلكة العجائبية الغرائبية وشر العلم الغرائب، تلك التي قرأت منذ يوم أو يومي في التعليق على إلغاء مقام الفتوى في سورية العربية المسلمة ..!!
فهذا أحدهم يخلط عن عمد وقصد بين الحديث عن "مرجعية" الفتوى كقلعة من القلاع التي قام عليها البناء القطري على شلو الشام المبعثر، وعن مقام الفتوى في ذاته...إلى اتهام الناس بالتباكي واللفظ لصاحبه، على الساقط المفتون!!
ثم تستمر الفذلكة في مداها، فيقول صاحبنا ..
وسأنقله فذلكته العوجاء من الحديث عن قلعة الإفتاء ومقام المفتي إلى الحديث عن الصلاة وبأسلوبه نفسه، لعل ندرك كم يضطرب عقل الإنسان حين يزين له هواه أن يقول...
يقول صاحبنا وقد صدر الأمر- لا قدر الله - بإبطال الصلوات وإغلاق المساجد
ولماذا تبكون على إغلاق المساجد؟ ولماذ تبكون على إبطال فريضة الصلاة، وأنتم تعلمون كم من سراق الأحذية يدخلون المسجد ويتظاهرون بالصلاة للسرقة فقط!! وأنتم تعلمون كم في صفوف المصلين وفي الصف الأول من آكل ربا وكم فيهم من مانع زكاة،!!وكم فيهم من قاطع رحم!! وكم فيهم من مخبر وكاتب تقارير وشبيح!! وكم فيهم ..وفيهم .. وفيهم ..يقول المتفذلك هذا : بئس والله - حسب فذلكته- المسجد، وبئست والله - حسب فذلكته- الصلاة ..
الأصعب في الأمر أنهم يحسبون ..
(وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ)
وسوم: العدد 956