"سيكولوجية الجماهير" بين حضارتين
و "سيكولوجية الجماهير" أو "علم نفس الجماهير" عنوان كتاب للكاتب الموسوعي الفرنسي، "غوستاف لوبون" ألفه سنة 1895.
وغوستاف لوبون : 1841- 1931، كاتب موسوعي فرنسي دارس للطب والهندسة والفيزياء والاجتماع والانثربولوجيا.
صدر كتابه: سيكولوجية الجماهير 1895...ومع أنه قد اعتبر ضد التيار السائد الثوري - والاشتراكي، وقوبل بالرفض الدعائي من قبل كثيرين، إلا أنه أصبح مدخلا لأفكار ومفكرين كثر ..
ما قاله لوبون عن سيكولوجية الجماهير، لا يمكنني نقله هنا، ولكن أعطي بعض الخلاصات.
يهدف علم نفس الجماهير إلى معرفة كيفية السيطرة على الجماهير، واستدامة استسلامها وانقيادها وطاعتها. يقولها لوبون بصراحة واستدامة خضوعها. وهو بهذا المعنى علم أو بحث في خدمة الطغاة والمستبدين.
كما يهدف علم نفس الجماهير إلى معرفة كيف يمكن "تجييش الجماهير، وتثويرها" ودفعها إلى التضحية والبذل والعطاء بلا حدود ، وهو في هذا المعنى يخدم القادة الثوريين، في كل زمان ومكان..
تقع المشكلة عندما يجد المستبدون طواقم تأتمر بأمرهم من الذين يقرؤون فيعملون، بينما يكون قادة الثورات المنصّبون ممن لا يقرؤون ولا يدروون.
من أجمل أقوال لوبون نقلا عن ألسنة الآخرين الذين يظلون يرددون : كنا نتوقع أن نجد الجماهير أكثر وعيا، أو استنارة!! ويرى أن هذا القول يمكن أن يردد في كل زمان ومكان.!! هل تشعرون أن هذا صحيح؟؟؟
اعتُبر لوبون طبقيا وعنصريا وعدوا للجماهير، وظل يُرمى بهذا يوم كانت" الديمقراطية" و"البروليتاريا" مجرد أفكار حالمة، يبشر بها.
وأخطر ما في الديمقراطية في رأي أمثال لوبون أنها أعطت العالم والجاهل السهم نفسه في صناعة القرارات المصيرية في تاريخ الأمم..ففي أي استفتاء مثل لكل مواطن صوت.. الأمير والوزير والسفير والغفير...!!
مرة أخرى يصعب عليّ الإبحار أكثر في الاقتباس عن لوبون، فكلماته القاسية في حق الجماهير لن يحتملها المزاج العام،.
يتساءل لوبون: هل الحركات الجماهيرية أو تحركات الشعوب هي دائما رشيدة أو راشدة ؟؟ ثم لا يخجل من الجواب بالنفي بشكل عام.
كتاب " سيكولوجية الجماهير" الذي ألف في أواخر القرن التاسع عشر تأثر وأثّر، بل باض وفرخ، حتى أصبح علما ومدرسة ومذهبا.. واقترن كتاب سيكولوجية الجماهير بأفكار مثل، علم الأحياء الداروني وعلم جمال فاغنر وعنصرية بينو، وشعر بودلير، ونبوءات نيتشة السوداء، وفلسفة برغسون وعلم التحليل النفسي لفرويد ومادية ماركس ونظريات الاشتراكية الحالمة، وكذا جدلية هيغل...كل هذه الأفكار كانت تصطرع في الغرب، يوم خرج لوبون بكتابه الأول مهاجما الجماهيرية داعما الأرستقراطية من طرف خفي، وبأسلوب منهجي علمي مريب..
ومن مطالعاتي التاريخية، لمواقف رجال الفكر والفقه في تاريخ المسلمين وجدت حزمة من الأقوال تنتمي بشكل ما إلى النظرية إياها..ولكن بطرق أكثر حكمة أو أكثر لباقة..
فعنوان الراعي والرعية فيه ما فيه.
وقول عمر رضي الله عنه: "إن العرب مثل الجمل الأنف فليعلم صاحبه أنى يقوده" !!إشارة واضحة..
وقالوا في تفسير الجمل الأنف: المطواع الذي يعطي باللين، ويمتنع على الغلظة والجفاء.
وقالوا: في كشف حب المخالفة عند الجمهور: لو نهي الناس عن فت البعر لفتوه، وقالوا ما نهينا عن فته إلا وفيه شيء!! وقالوا يتمدحون العامة: "لله در العوام يطفئون الحريق ويقتلون الزنديق. وفي الشطر الأخير ما فيه. وقالوا في خطر انقياد العامة " العوام مثل الهوام، يتبعون كل ناعق" !! وكانت في لغتهم مصطلحات مثل العامة، والدهماء، والسوقة / الذين يضربون في الأسواق/ والأخلاط والأوشاب، والأوباش ..
وبين ما قرره لوبون بصريحه، وبين ما اعتقده بعض المفكرين المسلمين وشيجة نسب ...
تبقى النظرة العملية القويمة لدور الجماهير، وهم هذه الطبقة من الناس التي ترفع وتدفع وتضحي وتقدم وتبذل وتعطي بلا حساب ..والتي تستحق الاعتبار والاحترام والتقدير والاعتراف بدورها ومكانتها، وتقدير جهودها، مع تعهدها الدائم بالتنوير والترشيد، وإحاطتها بما تستحق من رعاية ومن ود.. وما أجمل ما أوجزه الأفوه الأودي:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ...ولا سراة إذا جهالهم سادوا
وليسقط إلى الأبد ما قاله ابن الأيهم ومن بعده لوبون وكذا كل السلاليين المعتوهين:
هو سوقة وأنا مالك . وكل الناس لآدم وآدم من تراب. ونضّر الله رجلا عَلِم فعلم، وأبعد الله رجلا تعلم فاستأثر واستكبر..
وسياسة الناس علم وفن..
وسوم: العدد 957