لاتتردد بعد الآن ...

مما لاشك فيه أن الإنسان إذا عاش مضطرب النفس ، ضعيف الإرادة ،  يفقد في مشوار حياته الكثير من أسباب سعادته واطمئنانه ،  وذلك لتأثير حالة فقدان الثقة بالنفس ، ويشعر بالوهن فلا يقوى حتى على التفكير الصحيح . وربما كانت أولى خطوات  هذا الوهن حالة من التردد والخوف من الإقدام إلى مواطن العطاء ، وإنفاذ المشاريع الحيوية التي تمنح الإنسان أسباب السعادة والاطمئنان في حياته . فلا بد من الخروج من دائرة التردد ، والتمرد على حالة الوهن النفسي ، والنظر إلى الحياة التي وهبها الله نظرة تفاؤل واستشراف مستقبلي مبني على أسس من المعرفة بحقيقة النفس الإنسانية وتقلباتها . فعدم الوصول إلى هدف ما في المرة الأولى والثانية وحتى الثالثة لم يكن عنوانا للوقوع في الحالة المزرية ، والتي هي التردد . فالخسارة في تجارة مثلا يجب أن لاتوقع الإنسان في دائرة التردد ، بل يجب أن يعيد هذا الفشل قدرته من جديد لخوض المسافة التي لم يتمها في المرات السابقات . ويهجر مايسمى بالخوف  الذي يقف في صف التردد ليمنع الإنسان من إتمام مسيرته نحو الأفضل .

إن الله عزَّ وجلَّ خلق الإنسان ، ومنحه العديد من القدرات والمواهب التي تساعده على العمل وعلى الإنجاز ، وعلى التغلب على الحالات التي تُؤخره عن مسيرته ، ومما لاريب فيه أن الله سبحانه وتعالى هيَّأ للإنسان أسباب إعمار الحياة ، وأعده للخير وللمآثر التي نال بها صفة الإنسانية .  فأعطاه العقل ليفكر ، والإرادة ليعمل وينتج ، والوعي ليميز النافع من الضار ، ويعرف الطريق الصحيح ، كما أن الله تعالى سخر للإنسان مافي الأرض من خيرات وكنوز ، ومن المواد التي تعينه على الاختراعات والإبداعات ، ويبقى الإنسان صاحب قدرة فائقة في هذا المضمار .

أما إذا ترهلت هذه المقومات الممنوحة له لسبب أو لآخر ، واستسلم للوهن ، ووضع قدراته بين يَدَي التردد وقيوده المؤلمة ، فإنه سوف يبدد أفكاره ، ويطوي صفحة الشجاعة والإقدام في  خفايا صدره ،  بل ربما عاش الإنسان أياما ملؤُها البؤس والألم . وربما أودت به هذه الحالة إلى أمراض عضوية تكلفه الكثير من العناء والمشقة . إذا لم يتدارك نفسه باللجوء إلى الله سبحانه ، والأخذ بأسباب القوة الذاتية التي تدفعه لينهض من جديد ، ويتخطى  ماارتفع من المعوقات ، وما انخفض من العثرات . فالإقدام على بصيرة و وعي لايدع للتردد مكانا في حنايا النفس ، وإنما هي العزيمة الصادقة ، والإيمان الذي يدحض الشكوك والهواجس التي تعرقل خطوات الإقدام . يقول الله تبارك وتعالى : ( فإذا عزمتَ ، فتوكل على الله ) ، ولهذه القاعدة شأن عظيم لحالة الطمأنينة التي توفر وسائل الحركة السوية لإنجاز الأهداف التي يسعى إليها الإنسان .  وتسديد الرأي الصائب رغم كل المعوقات ، ولقد قال الشاعر :

( إذاكنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ... فإن فساد الرأي أن تترددا )

فاقتران الرأي السديد مع العزيمة والشجاعة  يؤديان إلى التنفيذ الذي لايصحبه التردد ، وبذلك يُؤتي العملُ ثمراتِه التي يسعى إليها الإنسان ، في مجال عمله  ، ومدارات سعيه في حياته . وهنا تُحمد الإرادة التي وهبها الله للإنسان ، وبغيرها يُصاب المرءُ بالضعف والخور ، ويكون عرضة لهبوب الأهواء ، ويسهل على غيره من جره إلى مواطن الضعف والمستنقعات التي لايجد فيها إلا الحسرات . فالرأي سلاحُ الشجاع الذي لايعرف التردد ، يقول الشاعر أيضا :

الرأي قبل شجاعة الشجعان ...  هو أولٌ وهي المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفسٍ حرَّةٍ ... بلغت من العلياء خير مكانِ

فالتردد مرض يشل حركة الفكر ،  ويبدد القدرة والطاقة التي يملكها الإنسان  ، فهو عنوان ضعف ،  وعدم قدرة على إدارة الأعمال ،  وتبديد لحيوية النفس ونشاطها ، التي تقود إلى الإسهاب في تضييع الأوقات بلا جدوى ، فالتردد هو البدء بمخاطرة مخيفة  تلقي الإنسان  في دائرة لايطيق حمل أعبائها النفسية الثقيلة ، فهل نتردد بعد الآن ؟! .

وسوم: العدد 958