هل تحرص فعلاً على وقتك؟

كَتَبَ كثيرٌ مِن الفضلاء مقالات أو مصنفات كاملة عن أهمية الوقت في حياة الإنسان، وتأكيدِ الإسلام لهذه القضية. لكن مفارقات كثيرة ما تزال في حياة المسلم بين ما ينبغي فعله، وبين ما يمارسه!.

وزاد الطين بلّة وجود ما يضيّع الوقت مما نسميه وسائل التواصل الاجتماعي، فكثير من المسلمين لا يكتفون بما هو مهم من ذلك، بل يهدرون أوقاتهم في عبث سيُسألون عنه يوم القيامة. بل نضرب مثلاً في المكالمات الهاتفية، فقد تكفي الدقيقة الواحدة لسؤال وجواب، لكن تطول المكالمة بضع دقائق. وهذا مثال واحد على قلة اكتراثنا بالوقت.

لنذكرْ أولاً بعض ما أوصانا به رسولنا وحبيبنا صلّى الله عليه وسلّم بهذا الشأن:

قال النبي صلّى الله عليه وسلّم في حديث صحيح رواه الترمذي: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عُمُره فيمَ أفناه؟ وعن عِلمه فيمَ فعل به؟ وعن ماله: من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه؟".

وقد كان السؤال الأول: عن عمره. وهل العمر إلا الوقت المتاح أمام المؤمن ليشغله بخير، أو بشرّ، أو بفراغ؟.

ومما يُنسب إلى عليّ كرّم الله وجهه: نَفَسُ المرء خُطاه إلى أجَله.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجلٍ وهو يعظُه: "اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سَقَمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك". رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين.

وهذه الأمور الخمسة تدور كلها مباشرة، أو ضمناً، حول الإفادة من الوقت.

وقد قال الإمام أبو محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي (481 – 541 ه) في تفسيره لقوله تعالى: (ويسارعون في الخيرات): وصفٌ بأنهم متى دُعُوا إلى خير، من نُصرة مظلوم، وإغاثة مكروب، وجَبْر مَهيض، وعبادة الله، أجابوا.

فانظر، رعاك الله، كيف أن الصالحين من عباد الله لا يدّخرون وقتاً من حياتهم إلا بقربةٍ إلى الله، لا سيما فيما ينفع عباد الله.

وفي معنى الحضّ على حُسن استثمار الوقت، يقول الوزير يحيى بن هبيرة البغدادي:

والوقتُ أنفَسُ ما عُنيتُ بحفظه     وأراهُ أسهلَ ما عليكَ يضيعُ

ورحمَ اللهُ الشاعر أحمد شوقي إذ يقول:

دقّـــــــــاتُ قلــــــب المـــرء قائلـةً له:     إنّ الحيـــــــاة دقائـــــــق وثـــوانِ

* * *

ألم يلفت انتباهنا أن أمهات العبادات مرتبطة بالزمن، بل إن بعضها تتوقّف صحته على الدقيقة الواحدة. فالصلاة لا تصحّ قبل دخول الوقت، ولو بدقيقة، ولا يجوز تأخيرها عن غاية وقتها دقيقة واحدة. وفي الصيام لا يجوز الأكل والشرب بعد طلوع الفجر الصادق ولو بدقيقة، كما لا يجوز الإفطار قبل غروب الشمس ولو بدقيقة.

إنّه توجيه ربّاني لضبط وقت المسلم.

وحريّ بالذكر أن نقول للمسلم: كما ينبغي أن تحرص على وقتك فلا يضيع سدى، احرص على وقت غيرك: فإذا تكلّمتَ معه بالهاتف فاختصر، وإذا زرتَه في بيته فاختصر، وإذا وَعظتَ فاختصر... وإذا ازدحمتْ عليك الواجبات فقدّم الأهم على المهم، وقدّم ما فيه نفع عام، على ما يكون نفعه قاصراً عليك، وقدّم العاجل الذي لا يحتمل التأخير على غيره...

اللهم اجعل حياتنا غنيةً بما يُرضيك من الأفعال والأقوال والأحوال.

وسوم: العدد 959