لقطات من معاناة معتقل -8-
تحت عنوان "من تدمر إلى هارفارد" كتب الدكتور براء السراج، الأستاذ في قسم زراعة الأعضاء في كلية الطب في شيكاغو، مذكراته عن مدة اثنتي عشرة سنة قضاها في تدمر. ونسجّل هنا بعض فقرات من مذكراته الغنية، في حلقات قصيرة متتابعة:
23 كانون الثاني 1987:
كان هناك الكثير من الشعر الذي صيغ في مهاجع السجن. وفي هذه الفترة، حيث الأبواب مغلقة، بدأت البحث عن القصائد في جعبة القادمين الجدد. حفظتُ الكثير وأبقيت القليل.
أمّاه طال المشتكى فمتى الإيابْ؟
ومتى يكون الملتقى بعد الغياب؟
ومتى أرى أمي التي تحيا العذاب؟
أمّي التي رعت الطفولة والشباب
هذا السؤال يهزّني، هل مِن جواب؟
أمّاه إن عصفت رياح الفَدفَدِ
وتلبّدت سُحب الظلام المُرعدِ
وغَزَتْكِ أهوال الحياة كماردِ
فامضي على درب الخلود وردّدي
بعد الظلام سيشرق الفجرُ النديّ
8 تموز 1987م:
إذا نادى الرقيب: "الكل عالمهجع ولا"، ترى الناس تتدافع، كلٌّ يحاول أن ينفد بجلده، والكرابيج تهطل كالمطر عند المدخل حيث يتجمّع الناس. عند الباب أيضاً يتم التقاط عدد من السجناء للاستفراد بهم لمزيد من الكرابيج والصفع والركل. كان همي أثناء الوقوف وعند العودة أن أحمي رأسي. كنتُ أحمي رأسي عند التراكض بأن أضع رأسي إلى خاصرة مَن أمامي وأنا ممسك بجنبتيه بيدي بكل إحكام. سيل الكرابيج على الظهر كان أمراً لا بد ولا مفر منه. لكن المصيبة كانت عند الوقوف، فلا يمكن حماية الرأس، فكانت الكرابيج وهي تدق الرأس تتركه مع صفير في الآذان.
بدأت مشكلة أخرى تطفو في صيف هذا العام الملتهب، فالصف الأمامي في التفقّد هو الأكثر عرضةً للإيذاء، فاستهداف الأعين والخصيتين بالبساطير كان أمراً محبّباً للشرطة.
وسوم: العدد 975