ما أحوج حكومتنا المغامرة بمصير السلم الاجتماعي مستهينة بموجة الغلاء إلى نصح العلامة ابن خلدون
إننا ونحن في شهر الصيام لنستحضر مولد العلامة عبد الرحمان بن خلدون رحمة الله عليه الذي ولد غرته سنة 732 هجرية، موافق 27 مايو سنة 1332 ميلادية ، وكان هبة من الله عز وجل خصّ بها الأمة الإسلامية حيث انبرى في مقدمته الشهيرة إلى نصحها نصح العالم الخبير بأحوال العمران ، ومن نصائحه قوله :
" العمران على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذ من أن غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم ، وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت أيديهم عن السعي في ذلك ، وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب ، فإذا كان الاعتداء كثيرا عاما في جميع أبواب المعاش كان القعود عن الكسب كذلك لذهابه بالأموال جملة بدخوله من جميع أبوابها ، وإن كان الاعتداء يسيرا كان الانقباض عن الكسب على نسبته. والعمران ووفوره ونفاق أسواقه إنما هو بالأعمال وسعي الناس في المصالح والمكاسب ذاهبين وجائين ، فإذا قعدوا عن المعاش ، وانقبضت أيديهم عن المكاسب كسدت أسواق العمران "
فما أحوج حكوماتنا إلى هذه النصيحة الذهبية من هذا العلامة وقد صمت أذنها عن سماع أنين الشعب ، وهو يشكو غلاء المعيشة متذرعة بذريعة الحرب الدائرة في أوكرانيا لتبريره . وما الغلاء سوى اعتداء قد علت نسبته وعم في جميع أبواب المعاش حسب تعبير ابن خلدون ، وعلى قدره سيكون انقباض الناس عن السعي في الكسب لذهاب الغلاء بأموالهم جملة، وذلك بدخوله من جميع أبوابها ، والنتيجة كما قررها العلامة هي كساد سوق العمران .
ولا شك أن الأمر لن يقف عند حد شكوى الشعب من هذا الغلاء الموجع بل قد يتحول الأمر إلى تهديد حقيقي للسلم الاجتماعي، ذلك أن الغلاء غالبا ما يكون جالبا للجوع وتواتر هذا الأخير ملهبة ، وليس أعنف في الثورات من ثورة الجياع.
وعلى حكومتنا أن تلزم الكياسة في التفكير والتدبير ، وتصغي إلى نصح العلامة ابن خلدون ، فتبادر للتو إلى حلول عاجلة لفك قيود الغلاء عن المواطنين في أسرع وقت ممكن قبل أن يتسع الخرق على الرتق لا قدر الله ، وحينئذ ستندم ، ولات حين مندم .
وسوم: العدد 976