رعب الزوال الوشيك يزلزل الإسرائيليين
على خطا إيهود باراك الليتواني الأصل ، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ، سار بيني غانتس الروماني الأصل ، وزير دفاع إسرائيل الحالي ؛ في بيان رعبه من الزوال الوشيك لها . " إنه على حق . " قال في اجتماع لحزبه " أزرق _ أبيض " عن كاتب رسالة اجتاحت إسرائيل على الواتس أب منذ أيام ، تحدث فيها ذلك الكاتب الفلسطيني عن وشك زوال هذه الدولة السارقة الآثمة ، وفي الرسالة أن عناصر عربية ، يقصد فلسطينية ، تهدد بالسيطرة على دولة السرقة والإثم ، وأردف غانتس ، حسبما نقلت عنه صحيفة " إسرائيل اليوم " ، أن هذه السيطرة الفلسطينية الممهدة لزوال إسرائيل ، ستحصرها بين مستوطنة الخضيرة القائمة في منتصف طريق تل أبيب _ حيفا ، وبين مستوطنة غديرا جنوبي مستوطنة رحوبوت ، أي أن الوجود الجغرافي والبشري لإسرائيل سينحصر في مساحة صغيرة وسط فلسطين ، ومؤدى هذا أن الفلسطينيين سيسيطرون على شمال بلادهم وجنوبها ، ويضعون مغتصبيها بين فكي كماشة ضاغطة قاتلة ستدفع كثرتهم إلى الفرار إلى خارجها في هجرة معاكسة . ويتوافق هذا الرعب الواقعي الدواعي مع الرعب التاريخي الدواعي الذي يصفه بعض الإسرائيليين بلعنة الثمانين التي أنهت دولة داود _ عليه السلام _ ودولة الحشمونائيم قبل الميلاد . في التاريخ تحولات turning pointsلا تسبقها مقدمات ظاهرة تنذر بها ، وقد تحدث هذه التحولات بعد حدث يبدو صغيرا ، ومن هذا الصنف العملية الروسية في أوكرانيا التي لم يقدر إلا قلة أنها ستحدث من التغيرات في العالم ما أحدثته حتى الآن ، والمجهول من هذه التغيرات سيكون أوسع وأكثر وأعمق مما حدث الأمر الذي قد يضع البشرية في عالم جديد في حقائقه وعلاقاته على تنوعها . وما وصل إليه الصراع الفلسطيني _ الإسرائيلي الوجودي يمكننا تصنيفه بتحول لم تسبقه مقدمات كبيرة تنذر به . لدينا في هذا الصراع دولة مستوطنين غرباء سارقة لوطن شعب آخر لا تتوقف عن اقتراف أهول الجرائم وأدماها ضده ، وتمتلك قوة عسكرية من كبريات القوى العسكرية في العالم ، واقتصادها مزدهر صناعيا وزراعيا وتكنولوجيا ، ودخل مستوطنيها من أعلى الدخول في العالم ، وتحميها أميركا أكبر قوة عالمية ، وتوفر لها أوروبا الاستعمارية حماية قريبة من مستوى الحماية الأميركية ، ويحالفها علنا وسرا أكثر الدول العربية ، وفي مناقضة لهذه الحالة من القوة والازدهار ومسوغات الطمأنينة نراها مرعوبة رعبا يدمدم في كل شرايينها ، ويطلب 15 % من مستوطنيها معالجة نفسية بعد ما شاهدوه على الشاشات من أحداث الحرب في أوكرانيا ، ويتحدث كبار قادتها عن وشك زوالها لدواعٍ واقعية ولدواعٍ تاريخية . حالة فريدة بين الدول ، وعلة فرادتها أنها تأسست على خطأ باطل سيقتلها وشيكا ، والخطأ هو أن فلسطين لا أهل لها ، وأن اليهود لا وطن لهم ، وأنهم مضطهدون في الدول التي يعيشون فيها لكونهم ساميين يختلفون عرقيا عن شعوب تلك الدول خاصة الأوروبية اليافثية العرق ( نسبة إلى يافث بن نوح _ عليه السلام _ ) . كذبتهم الكبيرة انفجرت في النهاية في وجوههم ، وكان الانفجار محتوما . الكذب لا يصبح صدقا ، والباطل لا يصبح حقا ، والله _ جل جلاله _ يمحو الباطل ويحق الحق . هذا شرع إلهي لا تعطيل له . إسرائيل تأسست على خطأ وباطل ، وتصرفت منذ وجودها منسجمة كليا مع خطأ تأسيسها وباطله . تجاهلت تجاهلا مطلقا وجود الشعب الفلسطيني المتبقي في وطنه ، وفي أقصى اعترافها به سمته قنبلة بشرية ، والقنبلة خطرة ، والتخلص منها شرط بقاء ، فلتتخلص منها بقتل الفلسطيني ، وهدم بيته ، وتحطيم حياته ، وانتزاع ما في يده من أرض بمختلف الحجج ، ولتطلق الحرب وراء الحرب على جزء من وطنه في غزة ، ولتخنقه اقتصاديا وإنسانيا . ولتحرمه الصلاة في مسجده الأقصى باقتحامه خمسة أيام أسبوعيا . وهنا نتوقف شيئا . ما من دولة في العالم اتخذت مكان عبادة لشعب آخر محور صراع معه سوى دولة المستوطنين الغرباء إسرائيل . واتخاذها الشاذ الغريب يعري شذوذ نشأتها وغرابتها ، وارتيابها الغائر في نفسها المضطرية المشوهة في شرعية وجودها . يوشك الجاني أن يقول خذوني . اتخذت حائط البراق الذي تسميه حائط المبكى مسمار جحا ، وإعادة بناء ما تسميه الهيكل الثالث حجة لاقتحامات غوغائها واعتداءات شرطتها وقواتها الخاصة وجنودها على المصلين . ويهودها لا يعترفون بسليمان _ عليه السلام _ نبيا ، ويسمونه الساحر الذي يركب الريح ، وأيضا لا يعترفون بنبوة أبيه داود _ عليه السلام _ . وكل صخبها وجرائمها في الأقصى غايتها تشريع اغتصابها لفلسطين بزعم وجود جذور دينية لها فيها . وهيكل سليمان ما كان أكثر من كوخ ، جمع لبنائه بعض المال من يهود زمانه ، واشترى به خشب أرز من لبنان ، واستقدم لبنائه عمالا لبنانيين ، ويبين من هذا الاستقدام أن اليهود الذين جمع منهم المال لا يحسنون بناء مثل ذلك الكوخ البسيط الذي ثاروا عليه بعد بنائه واتهموه بتبديد مالهم في ما لا نفع لهم منه . ويتوافق رعب وشك الزوال الذي يضرب الإسرائيليين في الذكرى الرابعة والسبعين لسرقتهم فلسطين التي يسمونها ذكرى الاستقلال والتحرير تضليلا لمن يمكن تضليله عن حقيقة تلك السرقة التاريخية الرهيبة ؛ مع توقع وزير خارجية أميركا الأسبق هنري كيسنجر وست عشرة وكالة استخبارات أميركية في 2012 لزوال إسرائيل بعد عشر سنوات بالهجرة المعاكسة إلى أوروبا وأميركا . وبحق ، ذلك التوقع مثير ، ويحض على الاقتناع ببنائه على مسوغات متنوعة شاملة ، فليس سهلا أن تجمع ست عشرة وكالة متنوعة على اقتناع موحد في بلد من خصائص ثقافته التنوع والتعدد في الآراء إلى مستوى المناقضة المطلقة ، ولكل إنسان فيه حق دستوري في حرية الجهر برأيه واقتناعه . وفي موازاة الرعب الإسرائيلي من وشك الزوال نشهد تفاؤلا فلسطينيا شاملا واثقا من التحرير والعودة لم يشعر به الفلسطينيون منذ عدوان 5 يونيو 1967 الذي انتصرت فيه إسرائيل انتصارا سريعا كاسحا على مصر وسوريا والأردن ، والذي ، العدوان ، أشعرهم ببعد حلم العودة الذي كانوا يثقون في تحققه قبل ذلك العدوان . تجتاحهم الآن موجات أمل وثقة بقرب تلك العودة ، وكثير من الشبان الفلسطينيين ، أحفاد المشردين في 1948، يحملون في هواتفهم صور قرى ومدن ومزارع وأحياء أجدادهم ، وهذه الصور تقربهم وجدانيا من موطن أولئك الأجداد ، وتحضهم نفسا وبأسا على التضحية للعودة إليها . يستحيل سرقة وطن ونكران وجود أهله فيه ، ويظهر أن سراق الوطن الفلسطيني من المستوطنين الغرباء يقتربون من التوثق من صحة هذه الحقيقة ، فيشعرون بالرعب من وشك زوال دولتهم في هذا الوطن ، وطننا ، وحين يصرخ من هذا الرعب قادة كبار مثل باراك وغانتس فلصراخهم مفعول مهلك في نفسية سائر المستوطنين .
وسوم: العدد 981