مغلغلة عاجلة إلى جبهة النصرة المقاتلة
عبد الله المنصور
بسم الله ... نشرت المنارة البيضاء بيانا لجبهة النصرة مطلعه "من جبهة النّصرة إلى أهلنا الطيّبين في شام العزّة و الإباء ..." ولي تعقيب واحد على بيان إخواننا في الجبهة وددت لو تأملوه ...
جاء في الفقرة الثالثة من البيان "ثالثاً : نؤمن كما يؤمن كلُّ مسلم بإخلاص العبادة لله وحده و عدم الإشراك به ، فندعوه و نستغيث به سبحانه و تعالى و لا ندعو و لا نستغيث بغيره من المخلوقين لقول الله تعالى : ( إيّاك نعبد و إيّاك نستعين ) و لقول النبيّ صلّى الله عليه و سلّم : ( إذا سألتَ فاسأل الله و إذا استعنتَ فاستعن بالله ) ، و نؤمن كما تؤمنون بأنَّ الله هو الحكَمُ العدل ، و أنَّ الحكمَ لله و ليس للبشر لقوله سبحانه و تعالى : ( إنْ الحكم إلّا لله )".
أقول مستعينا بالله تعالى : إخواني بما أنكم قررتم أن ايمان المسلمين كمثل ايمانكم في إخلاص العبادة لله وتوحيد الله سبحانه فأي شيء يلزم مع هذا التقرير ذكر فندعوه ونستغيث ولا ندعو ولا نستغيث ... فهذا أمر معلوم مقرر من أصل الايمان الذي يشترك به المسلمون جميعا وقد أمن النبي صلى الله عليه وسلم على أمته الشرك الأعظم ورد خشيته إلى الأصغر منه وهو النفاق كما في حديث شداد عند أحمد والبيهقي وغيرهما ، وما تفعله بعض الفرق المسلمة من استغاثة بسيد الخلق فليس من الشرك في شيء كقول السلطان عبد الحميد خان رحمه الله في قصيدته الغراء والتي مطلعها(يا سيدي يا رسول الله خذ بيدي * مالي سواك ولا ألوي على أحد ***** وأنت حقا غياث الخلق أجمعهم *وأنت هادي الورى لله ذي المدد***إني إذا سامني ضيم يروعني * أقول يا سيد السادات يا سندي) في قصيدة كانت منقوشة على الحجرة النبوية الشريفة بكاملها ثم وبدعوى تجريد التوحيد طمست تسعة أبيات منها مما لا يخالف في جوازه أهل المذاهب الأربع فأن تلمحون اليوم إلى مذهب إخواننا السلفية "الوهابية" لفرضه في الشام فتالله إنكم إذا بذلك تغرسون غرس الفتنة شعرتم أم لم تشعرون فليس تاريخ الشام ولا ثقافة أهله يتفق مع هذا المذهب الذي حكم أهله حتى على البردة للبوصيري رحمه الله بالشرك !!! لقوله (ولن يضيق رسول الله جاهك بي * إذا الكريم تحلى باسم منتقم *** إن لم تكن في معادي آخذا بيدي * فضلا وإلا فقل يا زلة القدم) مما لا يختلف في جوده فضلا عن جوازه اثنان من جمهور أهل السنة ومما يضمر فيه البوصيري كعبد الحميد إلى مقام الشفاعة التي حرص وسألها الصحابة وجاءت ببيان السعي إليها والرغبة فيها الأحاديث وهذا مما أجمع عليه أئمة المذاهب فليست الاستغاثة كالدعاء الشرعي أصلا فضلا عن أن الدعاء عموما يكون بين البشر (لا تجعلوا دعاء الرسول كدعاء بعضكم بعضا) ولكن إذا جعلت الدعاء محل العبادة فهو لا يكون لغير الله تعالى في الأمور التي هي بيد الله تعالى ومردها إليه أما تلك الأمور التي تكون في حقيقتها بيد الله وفي ظاهرها بيد البشر فلا حرج من أن يدعو امرؤ بها البشر مع اعتقاده أن الأمر كله بيد الله فمن دعا غنيا ليكسبه مالا لم يشرك وكذلك من دعا طبيبا ليصرف له دواء لم يشرك (كقولك اللهم ارزقني أو يا رب ارزقني مع قولك لإنسان يا سيدي امنحني أعطني فالأول دعاء تعبد لا يصح لغير الله تعالى والثاني دعاء جائز بين البشر) وكذلك الاستغاثة والتي هي في حقيقتها شفاعة عند الله والشفاعة بابها وأول أسبابها محمد صلى الله عليه وسلم وحبه وتعزيره ، ونحن لا نحرّج عليكم مذهبكم فلا تستغيثوا بسيد الخلق ولكن من سمعتموه يتوسل به أو يستغيث به عند الله تعالى فعدوا هذا من الخلاف الجائز وليس من الناقل عن الملة
وأخيرا ما معنى قولكم وأنّ الحكم لله وليس للبشر فنعم نحن نومن بقوله تعالى (إن الحكم إلا لله) ومن جحدها كفر ولكن إخواني إن أمير المومنين عليا قال في قوم جعلوا منها شعارهم "كلمة حق أريد بها باطل" وما ذاك إلا لأن الله عز وجل جعل للبشر حكما بشرط أن يكون هذا الحكم نابعا من كليات نصوص الشريعة ومقاصدها العامة قال تعالى في صيد أرنب (يحكم به ذوا عدل منكم) فهل الحكم هنا حكم الله إلا بالتبع والعموم ؟ وقال (فحكما من أهله وحكما من أهلها) فهل هما من غير البشر وهل حكمهما إلا حكم البشر ؟ ثم هل مذاهب العلماء في عامة فروع الشريعة إلا نتيجة ما استخلصته عقولهم من فهم للنصوص مع اختلافهم لدرجة التضاد في ذلك ولم يعب واحد منهم على الآخر وارجعوا إلى سفر الأم للإمام الشافعي رضي الله عنه واقرؤوا خلاف مالك وأبي حنيفة وسير الأوزاعي والرد على محمد بن الحسن لتروا سعة الخلاف وكل يريد الحق و(إن الله هو الحق المبين) ولا يزيد الشافعي على الترحم والترضي مع بيان الحق الذي يعتقده وكل أقوالهم حكم بشر بالخصوص حكم الله في العموم وإنكم حين ترفعون هذا الشعار الذي اعترض عليه الخليفة الراشد الرابع فإنكم عندئذ تمنعون من كل خلاف لكم من حيث لا تشعرون فكل من خالف رأيكم الذي اعتبرتموه حكم الله لم يصر بذلك ضالا فحسب بل عرضة للتكفير كما فعلتم في خلافكم للجمهور في مسألة التوسل والاستغاثة والتي سقتم الأدلة العمومية عليها وليس فيها أدنى حجة ولا دلالة على مذهبكم
باختصار إخواني إن أهل الشام شافعية وحنفية وأشعرية بعامتهم وإن الإمام مالك قال للمنصور إن أصحاب محمد تفرقوا واختلفوا ...وفي اختلاف الأمة في الفروع رحمة وسعة ونحن موحدون فلا تجعلوا من خلافاتكم خلافات عقدية ، نحن في الشام لم نضق صدرا بالسلفية ومذهبهم وإنهم لأحرى أن يفعلوا ولا تضيّق صدورهم ، فنهيب بكم وبعلمائكم أن تقعوا فيما غرسه الاستعمار فينا فخلوا بين المسلمين ومذاهبهم في الفقه والتوسل إنكم اليوم إن خضتم في الاستغاثة لتوشكون أن تخوضوا غدا في الاستواء والصفات مما يتشوق أعداء الإسلام إلى فتح باب الخلاف فيه في الشام . وللمزيد يرجى الاطلاع على مقالة "كلمة حق على المكشوف إخواننا "سلفيون"وإخوان نصرة للحق وأهل الشام".