دورُ المرأةِ السياسيِّ في الإسلام
شريف زايد
جعل الله الإنسان كإنسانٍ محَل التكليف والخطاب بالأحكام الشرعية بشكل عام، بغض النظرِ عن كونِه ذكراً أو أنثى. ففرضَ على كل من المرأةِ والرجل الصلاةَ والصيامَ والزكاةَ والحجَّ والعلم والدعوة إلى الإسلام، وجعل من التقوى معيارا للأكرمية عنده تعالى. وفي الوقت نفسه، خصَّ سبحانه وتعالى المرأة أو الرجل بأحكام خاصة لكلٍّ منهما بحسب طبيعته ودوره في الحياة، ففرض على الرجل السعي لطلب الرزق والنفقة على زوجه، ولم يفرض ذلك على المرأة، وخصَّ الإسلام المرأة بجعل الأصل فيها أنها أمٌّ وربة بيتٍ وعرضٌ يجب أن يُصان.
وقد كرم الله سبحانه وتعالى المرأة في الإسلام، وأنزلها منزلةً رفيعةً تليق بها، وحرّرها من قيود الظلم والقهر، فلم تعد مقهورة مضطهدة كما في الجاهلية الأولى، وهي ليست سلعة رخيصة ولا مطية تتسلق فوقها وباسمها أفكار الديمقراطية الرأسمالية الغربية العفنة وروادها. ولم يكن هذا التكريم فيما خصّها بأنها أمٌّ وربةُ بيتٍ وعرضٌ يجب أن يصان فحسب، بل جعل لها أدوارا في الحياة من خلال أحكام شرعية خاطب بها المرأة والرجل على السواء، يقولُ تعالى {يَأ أيُّها الناسُ إنّا خَلَقناكُم مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعارَفوا، إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقاكُم، إنَّ اللهَ عليمٌ خَبيرٌ}[الحجرات 13].
ومن الأحكام الشرعية العامة التي خاطب بها الله تعالى المرأة والرجل على السواء، ووعدهم على إقامتها جزيل الثواب، هو العمل السياسي، وهو يشمل أموراً عظيمةً مثل حملِ الدعوةِ وتحملِ الأذى في سبيلها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعمل في حزب سياسي على أساس الإسلام: لمحاسبة الخليفة إن لم يُحسن تطبيق الإسلام، ولاستئنافِ الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة إن لم تكن قائمة:
1- أما حمل الدعوة وتحمل الأذى... فقد كان للمرأة منذ فجر الإسلام النصيب الوافر في ذلك، فقد حملت النساء الدعوة إلى الإسلام في مكة ضمن كتلة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابتِه، بل إنهنّ تحمَّلن في سبيل حمل الدعوة أشد أنواع العذاب والتنكيل من كفار مكة، ومن ذلك ما رواه البخاري عن سعيدٍ بنِ زيدٍ أنه قال: «لَوْ رَأَيْتُنِي مُوثِقِي عُمَر عَلَى الإِسْلاَمِ، أَنَا وَأُخْتُهُ، وَمَا أَسْلَمَ...»، فقد كان عمر يعذبهما قبل إسلامه. ومواقف أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها المؤازرة للرسول صلى الله عليه وسلم من أول بعثته، وسمية أول شهيدة في الإسلام، وغيرهما من الصحابيات الجليلات، هي مواقف مضيئة في تاريخ الإسلام. وهكذا ضربت الصحابيات مثلاً سامياً في التضحية والصبر على الأذى، ثم كانت الهجرة إلى الحبشة ثم الهجرة من مكة إلى المدينة، وما تعرضت له المرأة المسلمة من ترك الأوطان والغربة والحياة القاسية والمعاناة الشديدة، ودورها في بناء الدولة الإسلامية في المدينة، والسيرة مليئةٌ بنماذجَ مضيئةٍ للمهاجرات مثل أسماء بنت أبي بكر وأم سلمة وأم أيمن وغيرهنّ رضي الله عنهن.
2- وأمّا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد جاءت أدلته عامة لا تختص بالرجل دونَ المرأة، لقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرونَ بِالمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤمِنونَ بِاللهِ}، ولفظُ "أمة" لفظٌ عامٌّ يشمل الرجل و المرأة على السواء، وقال تعالى: {والمُؤمِنونَ والمُؤمِناتُ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ يَأمُرونَ بِالمَعْروفِ وَبَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقيمونَ الصلاةَ وَيُؤتونَ الزّكاةَ وَيُطيعونَ اللهَ وَرسولَهُ أولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إنَّ اللهَ عَزيزٌ حَكيمٌ }[التوبة:71]، وقال صلى الله عليه وسلم: «والّذي نَفْسي بِيَدِه لَتَأمُرُنَّ بِالمَعروفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَن المُنْكَرِ أو َليوشِكَنَّ اللهَ أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابَاً مِنْ عِنْدِهِ فَلا يَسْتجيبُ لكُم» [رواه أحمد والترمذي وحسنه]، وواضح أن الأمر في الحديث عام للرجال والنساء.
3- وأما العمل السياسي في حزبٍ سياسي قائم على أساس الإسلام لمحاسبة الخليفةِ فهو أيضا من الأعمال السياسية في ظل الخلافة التي يستوي فيها الرجال والنساء من جهة فرضية الحكم الشرعي، لأن أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي ذكرناها سابقا هيَ أدلة عامة تشملُ أيضاً أمر الحاكم بالمعروف و نهيه عن المنكر، وهي أيضاً أدلة تفيد الوجوب. إضافة إلى ذلك، يقول صلى الله عليه وسلم: عَنْ أم سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرِفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» قَالُوا: أَفَلا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لَا، مَا صَلَّوْا» رواه مسلم، والحديث عام أيضا في الرجال والنساء.
ونرى أن النساء في زمن الخلافة الراشدة قد التزمن بحكم المحاسبة و مارسنها دون إنكار من الصحابة، فحينَ تولى عمر الخلافة اعترضت طريقه خولة بنت ثعلبة وقالت له ناصحة: "كنا نعرفك عُوَيْمرا ثم أصبحت عمرَ بن الخطاب أميرا للمؤمنين، فاتّقِ اللهَ يا عمر فيما أنت مستخلف فيه"، و كذلك أنكرت سمراء بنت نَهِيكٍ الأسدية على عمر نهيه أن يزيد الناس في المهور على أربعمائة درهم، فقالت له: "ليس هذا لك يا عمر: أما سمعت قولَ اللهِ سبحانه {وآتَيْتُمْ إحْداهُنَّ قِنْطَاراً فلا تَأخُذوا مِنْهُ شَيْئا} فقال: "أصابَتْ امرَأةٌ وأخطأ عُمَر".
كما أن للمرأة في الإسلام أن تترشح لمجلس الأمة باعتبارِه وكيلاً عن الأمة في المحاسبة والشورى، لأن الشورى حقٌ للمرأة والرجل على السواء، و المحاسبة واجبة على كليهما، و للمرأة شرعاً أن تكون وكيلاً لغيرها أو توكلَ غيرها في الرأي. وقد تجلى دورُ المرأة المسلمة في الشورى لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بعد عقد صلحِ الحديبية أن يقوموا فينحروا هديهم... فلما لم يقم منهم أحد، قام صلى الله عليه وسلم فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقيَ من الناسِ و قد أهمَّهُ ذلك وشقَّ عليه صلى الله عليه وسلم «فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا...»، وهذِه الإشارة والرأي السديد من أم سلمة تعتبر من الشورى للحاكم.
وثبت عن سيدنا عمر أنه كان حين تعرض له نازلة يدعو المسلمين إلى المسجد، و كان يدعو النساء و الرجال ويأخذ رأيهم جميعا، و قد رجع عن رأيه كما رأينا حين ردته امرأة في أمر تحديد المهور.
4- وأما عمل الحزب لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة إن لم تكن موجودة كما هو الحال اليوم، فإن الدليل الشرعي يوجبه على القادرين من الرجال والنساء على حدٍ سواء، يقول تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعونَ إلى الخَيرِ وَيأمرونَ بِالمَعروفِ وَيَنْهَوْنَ عَن المُنْكَرِ وأولئكَ هُمُ المُفْلِحون} [آل عمران 104]، هذه الآية خاطبت المؤمنين والمؤمنات وأمرتهم بإنشاء حزب يكون عمله الدعوة إلى الإسلام (الخير) وأمر الأمة بتحكيم شرع الله ونهيها عن الأخذ بالأفكار والأنظمة الغربية، وهذا أعظم معروف يؤمر به وأشد منكر ينهى عنه. وكذلك الأحاديث الشريفة التي يستدل بها على وجوب إقامة الخلافة كقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ماتَ وَليسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ ماتَ مَيْتَةً جاهِلَيّة» [رواه الطبراني في الكبير]، فكلمة "من" عامة تشمل الرجال والنساء، و من المعلوم أن نسيبة بنت كعب – أم عمارة – من بني مازن بن النجار، و أسماء بنت عمرو – أم مَنيع – من بني سلمة بايعن الرسول صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية ، وقد بايع الرسول صلى الله عليه وسلم النساء اللواتي هاجرن بعد إقامة الدولة، قال تعالى: {يَآ أيُّها النّبِيُّ إذا جَاءَكَ المُؤمناتُ يُبايعنَكَ على أنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنينَ وَلا يَقْتُلنَ أولادَهُنّ وَلا يَأتينَ بِبُهتانٍ يَفْتَرينَهُ بينَ أيديهِنَّ وَأرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصينَكَ في مَعروفٍ فبايِعْهُنَّ واستغْفِر لَهُنّ اللهَ إنَّ اللهَ غَفورٌ رَحيمٌ} [الممتحنة 12]، و عليه فإن المَيتة الجاهلية تشمل النساء أيضا ممن لم يكن في أعناقهن بيعة أو لم يتلبسن بالعمل لإيجاد خليفة يستحق البيعة.
هذه أحكام شرعنا الحنيف المتعلقة بالمرأة ودورها السياسي في ظل الخلافة، فيجب على نسائنا اليوم أن يتأسّين بسيرة هؤلاء النساء العظيمات، ويعملن كما عملن لاستئناف الحياة الإسلامية والنهوض بالمسلمين ، حتى يظهر الله أمره ويعز دينه، وإذا شهدنا قيام خلافة المسلمين الثانية على منهاج النبوة، لا يتركن العمل السياسي، بل يستمرن في نصحِ المسلمين وأمرهم بالمعروف و نهيهم عن المنكر، ولا يتوانين بإذن الله عن محاسبة الخليفة و أعوانه و النصح لهم، حتى يرضى الله عنهن، و يحشرن في زمرة المسلمات الأوائل.
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر