هل يعقل أن يكون الإسلام دين الأمة في تونس دون أن يكون دين دولتها ؟
أمس الأول خرج الرئيس التونسي خرجة جديدة من خرجاته الطائشة ، وهو المنقلب على التجربة الديمقراطية والمجهز عليها بمجموعة من الإجراءات التي بدأت بتجميد البرلمان المنتخب أعضاؤه من طرف الشعب التونسي ، وبرفع الحصانة عن أعضائه تمهيدا لتلفيق التهم لهم ومحاكمتهم ، ثم بحله نهائيا .
وما لبث بذلك أن ركز كل السلط بيده تشريعية، وقضائية ،وتنفيذية ، وأجهز على القضاء الرافض لتدخله في استقلاله ، والمنكر لانقلابه على المسار الديمقراطي، فعزل مجموعة من القضاء بعدما لفق لهم تهمة الفساد ، ولفق تهما جنائيا لحزب النهضة ذي المرجعية الإسلامية ، وهو المستهدف الأول عنده ، وراح بعد ذلك يقرر ما شاء مما زعم أنه استشارة للشعب في أمر دستور مطبوخ يحل محل الدستور الذي كان وراء التجربة الديمقراطية في تونس ،فضلا عن مجموعة من القرارات المستبدة إلى أن كان آخر ما صرح به أن مسودة الدستور الذي يعتزم عرضه على الشعب واستفتاؤه في شأنه ، وهو استفتاء صوري لن يكون فيه الإسلام دين الدولة بل هو دين الأمة ، وهل يعقل أن يكون لأمة من الأمم دين لا يكون دين دولتها ؟
ومن المعلوم أن الغرب العلماني هو من أملى على الرئيس التونسي ـ إن صح أن يوصف بهذا الوصف وقد صدر منه ما صدر من خروقات صارخة تنزع منه صفة رئيس ـ هذه الإجراءات أو القرارات المدعومة والممولة إقليميا من طرف أنظمة عربية شمولية تخشى المسارات الديمقراطية عليها بعد تجربة مصر وتونس. والرئيس التونسي الذي حظي بثقة الشعب في ظل مسار ديمقراطي ، انقلب عليه بعد وصوله إلى كرسي الرئاسة ،وقد أقسم يمينا كاذبة ويده فوق المصحف الشريف ومدنسة له بأن يحفظ هذه الثقة ويصون العهد إلا أنه خان الشعب بإجهازه على المسار الديمقراطي ، وبالعودة به إلى فترة الاستبداد البورقيبي التي أعقبت فترة الاحتلال الفرنسي البغيض ، ثم فترة الاستبداد البوعلي بعد ذلك ،وهي فترة وضعت حدا لها ثورة الربيع التونسي ،وقد كانت الثورة القاطرة الجارة لقطار ثورات الشعوب العربية مشرقا ومغربا. وها هو اليوم الرئيس الناقض للعهد يريد الزج بالشعب التونسي في فترة استبداد جديدة يريده أعتى من استبداد الطاغيتين الهالكين قبله .
ومما يؤكد ضلوع الغرب العلماني فيما أقدم عليه هذا الدكتاتور المصنوع صناعة علمانية هو اكتفاؤه بمطالبته بالعودة إلى المسار الديمقراطي دون اتخاذ ما اتخذ من عقوبات صارمة في حق الرئيس الروسي الغازي بلاد أوكرانيا وهو أقوى وأعتى من مجرد كركوز متنطع في تونس. وقراره بالأمس حذف عبارة "الإسلام دين الدولة " يؤكد بما لا يدع أدنى مجال للشك بأن الغرب العلماني هو من اتخذ هذا القرار ليكون الكركوز أداة تنفيذه تمويها على التدخل السافر لهذا الغرب الحاقد على الإسلام في شؤون الشعب التونسي المسلم منذ الفتح الإسلامي المبارك .
ومعلوم أن كون الإسلام دين تونس هو قرار إلهي لا يمكن للغرب العلماني أو لطوابيره العلمانية الخامسة في الوطن العربي أن تلغيه بدساتيرها المطبوخة والمشبوهة في عواصم البلاد العلمانية من أجل إفساح المجال للنموذج العلماني في البلاد التي أراد لها الله تعالى أن يكون دينها الإسلام إلى قيام الساعة بعد تضحيات جسام ممن أوصلوه إليها من السلف الصالح .
ومعلوم أن شطب عبارة " الإسلام دين الدولة " من الدستور المطبوخ المنتظر في تونس ستجعل المكون العلماني فيها بالرغم من كونه أقلية نسبتها صفر فاصلة بالمقارنة مع سواد الشعب التونسي المسلم يصول ويجول ، ويطالب بمطالبه العلمانية الشاذة المتعارضة مع الإسلام مبادئا ،وقيما ، وشريعة بذريعة خلو دستور البلاد من الإسلام كدين مقابل التمكين لما يسمى بالأعراف الدولية التي هي عند التحقيق فيها أعراف علمانية صرفة ، وعلى رأسها ما يسوق مما يسمى حقوقا وحريات ، وهي في الحقيقة سلوكات متهتكة من قبيل المطالبة بالعلاقات الجنسية الرضائية والمثلية وهي فواحش وموبقات ، ومن قبيل المطالبة بإلغاء الشرع الإسلامي في أمور شتى مما شرعه للمسلمين .
وقول الرئيس المنقلب على المسار الديمقراطي أن الإسلام دين الأمة وليس دين الدولة يعني أنه سيكون على هامش حياتها لا يحكمها ولا تخضع له بل تخضع لسلطة دولة لا تخضع له ولا تعترف ولا تقر به . ومع أن بعض الجهات أرادت أن تجعل من قرار شطب الإسلام من الدستور المطبوخ مجرد تصفية حساب من الرئيس المستبد ضد حزب حركة النهضة ذي المرجعية الإسلامية المعارض لانقلابه وهو ومعظم الأحزاب والفعاليات لإقصائه من الساحة السياسية كما كان الأمر في العهدين البورقيبي والبنعلي ـ وإن كانت تصفية الحساب هذه واردة ـ فإن الحقيقة أخطر من ذلك، وهي محاولة علمنة تونس لتصير ولاية علمانية تابعة للعالم الغربي العلماني الذي لن يهدأ له بال ، ولن يقر له قرار إلا إذا أقصى الإسلام كلية من ربوعه، وأحل محله علمانيته التي يريدها معولمة دون منافس.
ولا شك أن الرئيس الكراكوز بقراراته الانفرادية المستبدة رغما عن الشعب ودون إرادته خصوصا المساس بدستور البلاد المصرح بدينه الرسمي قد أقدم على مغامرة خطيرة العواقب من شأنها أن تدخل البلاد في فوضى لا تقل عن فوضى غيرها من البلاد العربية التي تعاني من صراعات طائفية دامية ما زالت لم تلح في الأفق نهاية لها طالما لم يتحقق فيها ما تريده العلمانية الغربية الحاقدة من إقصاء كلي للإسلام فيها ،وهو ما لا يمكن بتاتا مادامت شعوبها متشبثة بدينها بالرغم مما يسوق له عنها من دعاية علمانية مغرضة تحاول الإيهام بأن هذه الشعوب لها استعداد لاستبدال دينها بالبديل العلماني ، وهو وهم يحاول تغليب رغبة الطوابير العلمانية الخامسة المستأجرة على سواد هذه الشعوب التي لا ولن ترضى بغير الإسلام دينا وهوية حتى يرث الله عز وجل الأرض ومن عليها .
ولا شك الأيام المقبلة ستكون في تونس حبلى بما لم تحسب له العلمانية الغربية حسابا ، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله .
وسوم: العدد 986