التسفير والتضليل الإعلامي
دأب السياسيون المستبدّون الاستئصاليون وكلّ أعداء الحرّية على ملاحقة أنصار الحرية والمناضلين الشرفاء. فلا يكاد يمرّ يوم واحد دون أن يعدّوا لهم شبهة مكسوّة في عباءة سيناريو جاهز. ثمّ يلصقونها بهم ثمّ يصدرون عليهم أحكاما يقع تكرارها باستمرار في الإعلام المأجور بحيث تصبح وكأنّها حقيقة ثابتة لا لبس فيها بمفعول الهرسلة اليومية.
ولعلّ شبهة تسفير الشباب إلى سوريا بغرض المشاركة في الحرب ضدّ النظام السوري الاستبدادي تعدّ اليوم من أبرز الشبهات والتهم الرّاهنة التي تحدّث ويتحدّث عنها الإعلام بإسهاب كبير. فبعض أزلام النظام البائد وشريحة من اليساريين والقوميين الاستئصاليين اختلقوا هذه التهمة وألصقوها بمن حكموا البلاد إبّان الثورة وتحديدا حركة النهضة بهدف التشويه. في ما أنّ الذين سافروا إلى سوريا وقاتلوا إلى جانب الثورة السورية يعدّون إجمالا ستة آلاف نفر. ما يقارب نصفهم سافر في فترة حكومة الترويكا وحكومة مهدي جمعة. فيما أنّ النصف الآخر سافر في فترة حكومة النّداء كما صرّح بذلك العميد هشام المدّب.
ومن باب الموضوعية والحيادية والعدل والإنصاف وإن كان لا بدّ من محاكمة للسياسيين على هذا التمشّي (أي التسفير) فإنّ ذلك يقتضي لا محاكمة النهضة فقط بل وكذلك محاكمة النّداء ومهدي جمعة وكلّ من تداول على الحكم خلال العشرية الفارطة. أمّا أن تكون المحاكمة انتقائية من طرف خصم سياسي معيّن فذلك عين الإرهاب الذي يمارسونه ثمّ يتخفّون بالتظاهر بمحاربته. علما وأنّ حركة الشعب التي تعدّ من الأوائل التي أثارت موضوع التسفير كانت قد أرسلت شبابا مقاتلين قاتلوا إلى جانب المجرم بشّار الأسد صاحب البراميل المتفجّرة الذي قتّل وشرّد شعبه.
ومن زاوية نظر أخرى لذات الموضوع قد يتعيّن التركيز على نقطة في غاية الأهمّية : فتبنّي القضايا العادلة للشعوب المضطهدة ونصرة الثورات والانحياز لها ودعمها بكلّ السبل السياسية والمعنوية والمادية فهو علاوة على أنّه مطلب إنساني وشعبي فهو كذلك رسميا قرار سياسي بامتياز صلب العمل الحكومي يندرج ضمن ضبط أولويات الأمن القومي. في هذا السياق فإنّ الحكومة التركية تدخّلت في شمال سوريا لمساعدة الشعب السوري من جهة والمحافظة على أمنها القومي في ذات الوقت. والحكومات الأوروبية دعّمت المقاومة الأكرانية ضدّ التدخّل الروسي معنويا وماديا وسمحت لرعاياها بالانضمام إلى المقاومة الأكرانية انتصارا للشعب الأكراني وحفاظا على الأمن القومي الأوروبي.
خلاصة القول أنّ سياسات دعم الشعوب المضطهدة وتحديد أولويات الأمن القومي محمولة حصريا على الحكومات المنتخبة وليس من اختصاص المعارضة حتّى تدلي بدلوها فيه. ولهذا فإنّ ما تقوم به الأحزاب المشبوهة اليوم من محاكمات إعلامية للنهضة فأقلّ ما يمكن أن يوصف به أنّه ضحك على الذقون واستبلاه للذكاء التونسي.
وسوم: العدد 1000