اهربوا لقد اكتشفوا أمرنا
كاظم فنجان الحمامي
أرسل لي زميلي الكابتن (شوقي القريني) طرفة أمريكية من العيار الثقيل, كانت هي الحافز المباشر لكتابة هذه المقالة. تقول الطرفة: أن الكاتب الأمريكي (مارك توين) كتب رسالة مختصرة بهذا النص ((أهرب لقد اكتشفوا أمرنا)), ثم أبرقها على سبيل الدعابة إلى عشر شخصيات سياسية كبيرة, وما أن بزغت شمس الصباح حتى كانوا جميعهم خارج أمريكا.
ترى ما الذي سيحدث في البلاد العربية لو أرسلنا مثل هذه الرسالة المفزعة إلى فقهاء الفتن, الذين أفتوا بسفك الدم الحرام, وما الذي سيحدث لو أرسلناها إلى فقهاء السوء, الذين شربوا من دماء الناس حتى الثمالة, أغلب الظن أنهم سيلوذون بالفرار, ويا روح ما بعدك روح.
فقهاء يحرمون السفر إلى بعض البلدان العربية في الوقت الذي يرتعون في المنتجعات الأوربية, وفقهاء يتفننون بصناعة الموت باسم الدين, لكنهم عندما تحين ساعة الهرب يرتمون في أحضان أمريكا أو بريطانيا.
لقد أدرك هؤلاء أن العمل التآمري في هذه المرحلة الفوضوية يتطلب خفة الحركة في المناورة والهرب, خصوصا بعدما افتضح أمرهم, وتكشفت ارتباطاتهم المريبة, فما بالك إذا وقعت الواقعة, وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد, ووقفوا يوم تُبلى السرائر مذعورين مهزومين.
وما الذي سيحدث لو أرسلنا هذه الرسالة إلى السياسيين, الذين تكشفت عوراتهم, وبانت سوءاتهم, بعدما سرقوا أصواتنا, وخذلونا وفرطوا بمصالحنا الوطنية. أغلب الظن أنهم سيحملون جوازاتهم الاحتياطية, ويعودون مذعورين مدحورين إلى أوكارهم القديمة, ولعل أكثر الإجراءات ضماناً في الوقاية من هروبهم, هي استبعادهم من المواقع الحساسة, فما أسهل التملص من المسائلة القانونية عند الذين تشعبت ولاءاتهم الوطنية, وما أبسط الرجوع إلى الحاضنات البديلة عند الذين تعددت ارتباطاتهم الدولية, لذا يتعين علينا توخي الحذر, حتى لا نقع في المطب, الذي وقعت فيه مصر عندما سجنت الدكتور (سعد الدين إبراهيم) حامل الجنسية الأمريكية, ويومها هددت واشنطن بوقف مساعداتها عن مصر ما لم يتم الإفراج عنه. وما أن أفرجوا عنه حتى لاذ بالفرار, وعاد مهرولاً إلى وطنه البديل, فتنكر لأمته, وقال في احتفالية أقيمت له في نيويورك: (أنا أقوى من مصر), وكان هذا هو ثمن الاتكال على أصحاب الوجوه الهلامية المزدوجة.
وبغض النظر عن الذين هربوا, والذين يخططون للهرب, فأن الخاسر الأكبر هو نحن الذين أصبحنا غرباء في أوطاننا.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين