إيجابيات تخطي الجمود

 

التفاؤل المجرد من الأداء في نجاح يتوقعه العاملون غير مضمون النتيجة التي يتمناها الناس . وأسباب الفشل تُعزى إلى البيئة التي يعيش الناس مافيها من جمود يقتل روح الجودة التي يتغنى بها البعض ، وما فيها من فضائيات تتلاطم فيها أمواج الإغراءات ، والدعوة إلى التفلت وعدم الاهتمام ، وإلى العديد من الأمور الأخرى التي لم تعد تخفى على أحد . فالفشل في إخراج العمل المطلوب على غير الوجه المقبول تكون ثمرته غير يانعة وليست مقبولة . ولست هنا بصدد الكلام عن الآثار السيئة التي يخلفها عدم إتقان العمل على مَن يتصدون للأعمال ، أو الآخرين الذين ينتظرون ابتهاجهم وفرحتهم عندما تكون ثمرة العمل يانعة تسبي النفس لمظهرها وجوهرها وقيمتها التي تعتبر إنجازا قيما في المجتمع .

 ومن هنا نبدأ في تخطي جمودنا عن الأداء ذي القيمة العالية التي لايلحقها الإهمال أو الخلل أو أي تصرف لاينتمي إلى مفردات التفوق والقبول لدى جميع الناس . ولعل أول مايخطر على البال في هذا المجال هـو ضرورة غرس معاني المراقبة الذاتية للإنسان . وعلى المربين في الأسرة وفي المدرسة وفي ملتقيات الناس حيث العلماء والمفكرون ، أن تطرح هذه الفكرة التي تناساها أكثر الناس ، والحقيقة هي أن غرس المراقبة الذاتية في نفوس الناشئة ، وسائر الناس لمن أعظم الأمور التي على المربين أن يتقنوها في أنفسهم ويغرسوها في نفوس الآخرين، فهي العاصم بإذن الله سبحانه وتعالى .

وهذه القيمة الجليلة وردت في آيات من كتاب الله العظيم : ( صنع الله الذي أتقن كل شيء ) 88/ النمل ، وأرشدنا إلى الأخذ بها نبيُّنا صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) . وقارئ السيرة النبوية يجد الكثير من المواقف التي شجع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام على إتقان الأعمال ... كل الأعمال . وهذه الأعمال في كل المجالات وفي كل الظروف سوف يحاسب عليها الإنسان في الآخرة ، بعد مايكون لها نتائجها في حياة الناس الدنيوية . يقول المولى تبارك وتعالى : ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسولُه والمؤمنون ، وستُردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ) 105 / التوبة .

ونحن من أمة تؤمن بالله وبما أنزل الله من الأوامر والنواهي ، وكلها عبادات تؤدى ، ولسوف نحاسب عليها ونجازى على أدائها ، ولا يظلم ربك أحدا من خلقه . ومما لاشك فيه أن قيامنا بما أمرنا الله به له أثره العظيم إذا كان متقنا وصحيحا ، وقد أدَّاه صاحبُه بنشاط وحيوية ، وقد يُــرَدُّ على صاحبه إن لم يكن متقنا ، رُوي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ( مَن صلَّى الصلواتِ لوقتها، وأسبغ لها وُضوءَها، وأتمَّ لها قيامَها وخشوعها وركوعها وسجودها، خرَجَتْ وهي بيضاء مُسفِرة تقول: حفِظَك الله كما حفِظتَني، ومَن صلاَّها لغير وقتِها ولم يسبغ لها وضوءَها، ولم يتمَّ لها خشوعها ولا رُكوعَها ولا سجودها قالت الصلاة : ضيعك الله كما ضيعتني ) . وفي حديث آخر : ( ما من مسلم تحضره الصلاةفيتم طهورها وركوعها وسجودها وخشوعها إلا صعدت وعليهـا نـور ، ففتحت لها أبواب السماء حتى تنتهي إليه ، تشفع لصاحبها وتقول : حفظك كما حفظتني ، ومًَن ضيَّع حقوق الصلاة فإنها تلف كما يلف الثوب الخَلِق ويضرب بها وجه صاحبها ، وتقول : ضيعك الله كما ضيَّعتني ) .

الصلاة ولها مكانتها في ديننا الحنيف ، ولها مكانتها عند الله سبحانه وتعالى ، وهانحن نعيد إلى أذهاننا مكانة مَن يؤديها بالجودة المطلوبة ، وكما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونعلم ثوابها ومقام صاحبها عند الله رب العالمين ، وكذلك نعلم عقوبة مَن لايتقنُ أداء صلاته ، وأنها ستلف كما يُلف الثوب الخَلِق ويضرب بها وجه مَن أداها مباشرة .

ويندرج هذا الاهتمام بجودة الأداء على جميع الأعمال التي يقوم بها كل إنسان ، في بيعه وشرائه ، وفي معاملاته وتصرفاته ، وفيما يبدر منه على لسانه ، وتُـرى نتائج هذه الأعمال في حياة كل فرد ، ولسوف يرى أيضا نتتائجها يوم العرض على الله . إن ثمرات العمل المتقن تعود للمجتمع بالخير والتوفيق ، ثم بالتقدم والرفاهية ، ولعلنا في المقال اللاحق ــ إن شاء الله ــ وسيكون عل العلم وطلبه ومكانته في حياة الناس ، فالعلم مفتاح تألق الحضارات ، وباب الفتوحات المرموقة لسعادة الإنسان ، حيث يتخطى الفرد والأمة حالات الجمود التي يدور أصحابها حول أنفسهم بلا رصيد من آثار الأعمال التي يجليهـا العلم.

وسوم: العدد 1010