وفي مضمار تخطي الجمود

تخطي الجمود يعني تفعيل الحيوية والنشاط لتفوق محسوب ، من خلال نتائج الأعمال التي يؤديها الإنسان ، وهو يؤكد في هذا المضمار على أسباب التفوق الذي من مفرداته الإتقان والصبر على مايتطلبه الأداء من حكمة ووعي ، ولقد رأينا في مقالنا : ( إيجابيات تخطي الجمود ) جزاء من يحافظ على صلاته ، في وقتها وفي الخشوع أمام الله سبحانه فيها ، ولسوف ينال صاحب هذه الصلاة ثمراتها في يوم لاعودة بعده إلى دار الدنيا . وتلك فريضة تعبدية شهدنا آثارها العظيمة لدى بعض الناس ، وعلمنا عن مكانتها العالية ، ولعل كل مسلم يدرك أنها الفريضة الغالية . ولعلنا ندخل اليوم بوابة العلم ومكانته في حياتنا .

ولقد تعلمنا منذ صغرنا في المدارس ومجالس الأسرة ، ومن إرشادات الآباء والأمهات ماحفظناه في أذهاننا : ( فالعلمُ هو المصباح الذي يُنيرُ دُورب الحياة ، ويُخرج الإنسان من متاهات الجهل والظلام ، ولقد شرف الله العلم وأهلَهُ ، وجعل العلماء ورثةَ الأنبياء ومنارةً يُهتدى بهم ، وأكرمهم بالسمو والتَمكين إذ قال الله تعالى : ( قُل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ). فللعلم قداسةٌ وتعظيم يحظى بها كلُّ من ظفر به ) . والعلم مدار توهج الفتوحات العلمية المرموقة لسعادة الإنسان والمجتمعات على حــد سواء . وهو سلَّمُ الإبداع في كل المجالات المادية والمعنوية ، إذ هـو البحر الزاخـر حيث المعارف والمدلولات التي تجلِّي مراتب المجد والسؤدد ، وأهـل العلم هـم رواد الرفعة والغنى من قطوف العطاءات التي يسرها الله للعلماء الأفذاذ في جنبات هذا الكون الفسيح . وبالعلم تسمو النفس البشرية ، وبآثاره المميزة ترتفع أعمدة النهضة الحضارية ، على أسس من دقة الملاحظة ، ويقظة الحس المعنوي للوالجين أبواب إسعاد البشرية ، وحمايتها من طغيان الأهـواء والنوازع الشخصية . والعقل الذي منحه الله القدرة على التوغل في رحاب العلم ، وجعل لـه إمكانية القدرة الفائقة على البحث والإدراك وتخزين المعلومات ، و وهب له التمكين في تحديد ما هو ضَّار وما هـو نافع ، وتوجيه ما يعتلج في النفس البشرية من عواطف وميول ، على تفاوت يتناسب وطبيعة بيئة الإنسان العلمية والتربوية . ويدفع بالتالي إلى أنواع من السباق والمسارعة والتنافس ، وهذا مايؤكد تخطِّي حالة الجمود لدل طلاب العلم ، وأهل البحث العلمي ، في صياغة جادة لحركة الإنسان المعرفية ، وإيقاد شعلة النشاط الذي يعزز إمكانية الفوز والوصول إلى مايسعى إليه الإنسان . وهنا تٌطوَى صفحات الفشل ، وينتهي سريان التخاذل في ذات الإنسان الذي أمسك بالقلم ، وأمعن في القراءة التي تزود الإنسان برصيد فيَّاض من الأدلة والبراهين التي تعزز مكانته العلمية في فريق عمل ، أو مجموعة نشاط ، أو في ورشة تحفز على اتخاذ القرارات الطموحة ، واتخاذ الخطوات التي تتفاعل مع إتقان حركة المعالجة لأمر بحاجة إلى شيء من التمحيص . فالإنسان أهَّلَهُ الله سبحانه وتعالى لهذا المضمار الكريم ، فميزهُ الإنسان عقلُه ، وبالعلم والبحث يُغني هذا العقل ، و به يَغنى هو ويُغني غيرَه ، ولهذا حثَّ الإسلام على طلب العلم ، ورغَّب فيه ، وأكرم أهلَه في الدنيا وفي الآخرة ، لينهض الناس به ، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم بشَّر طلاب العلم بالجنة فقال : (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَل اللهُ له طريقاً إلى الجنة ) .

ويبقى العلم نورا للإنسان وهـو يسعى للكمال المنشود ، ويخرج من ظلام الضائقات التي قد تحاصره ، أو تؤخر تقدمه ، فخطواته لاتستغني عن الصبر والمصابرة ، وعليه أن لايفرط في هذا المشوار ، والإنسان هنا هـو المسؤول عن كل تقصير أو إهمال يقعده عن السعي ، لأنه ينأى عن فطرته الطاهرة ، ويستغني من حيث لايشعر عمَّـا أمدَّه الله من قدرات ومواهب ، وعند ذلك يحرم نفسَه من المكافأة الميمونة التي أعدها الله للفائزين .

هذا في المحيط المحدود للإنسان ، وأما هذه الممارسة فقد نالت من أهل العلم الذين سلموا ثمرات أتعابهم لأهل الأذى والشر للإنسانية جمعاء . فلم يكن العلم إلا بابا للخير والطمأنينة والسعادة جرَّاء هذه الاختراعات الكبيرة الباهرة ، ولكن الآخرين انحرفوا بها عن جادتها الحضارية ، وقد اعترف مفكرو تلك الدول بخطر ما أوجد العلم ــ كما يٌقال ــ على الناس الذين أهلكتهم مبيدات لاإنسانية ، من أسلحة الدمار الشامل . وربما ينظر الناس اليوم إلى أن هذه الحضارة بائسة تنذر بالأخطار ، فهي لم تلامس حاجات الإنسان الذي بات يحزنه الاضطراب ، ويسهد عينيه القلق ، لأن هذه الحضارة لم تقم على أساس من الأخلاق والقيم الإنسانية التي بشَّر بها رسلُ الله وأنبياؤُه جميعهم عليهم صلوات ربي وسلامه .

كم يبهجنا مرأى أبنائنا وهم يتناغون مع كل صباح جديد على دروب النور وهم يتجهون إلى مدارسهم طلبا للعلم في مراحله ، وكم هو موسم جميل تملؤُه الفرحة التي تنبئُ عن مستقبلهم ، وكم هـو أفق أخاذ يومئ لهم بالفتوحات العلمية الإنسانية ، حيث تتصدر أمتنا لقيادة البشرية كما كانت على مناهج الإخاء والتعارف والتآلف بين الشعوب في ظلال نهضة علمية طاهرة مُبَرَّأَةٍ من الأذى والشر والأهواء . إننا لنأمل أن تتسنم أجيال أمتنا مقاعد المكانة التاريخية ، وذلك عندما لايستعيرون بيئة غيرهم ، ولايفقدون أصالتهم ، ولا ينأون عن مثاني قرآنهم وسُنَّةِ نبيِّهم صلى الله عليه وسلم . لكيلا ينفرط عقد الإيمان والعمل الصالح الذي يؤتي ثمراته يانعات مباركات . أليست أمتنا بحاجة اليوم للخروج من هذا الجمود ، وتؤثر الوعي والحكمة ، لتجد ضالتها ، وتحمي قدرات أبنائها العقلية وتنميها ، وهم يسعون إلى الآفاق العليا ، والمستوى اللائق بمكانتهم حيثُ القيم والمُثُل ، وحيث التربية السليمة التي تنتج ذات النماذج البارعة التي يتباهى بهـا تاريخ أمتنا العريق .

*إضاءات :

*( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) 9/ الزمر .

* (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) 11/ المجادلة .

*يقول صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في جوف البحر يصلون على معلم الناس الخير) رواه الترمذي .

وسوم: العدد 1011