الاعتماد على النفس سبيل النجاح
سيكون الحديث مع قرائي خاصا أعمد فيه التركيز على تجارب شخصية عاشها الناجحون ، قد تكون بسيطة و لكن لا تجلو تلك التجارب من فوائد عظيمة ، وجدت في أدبيات ثقافتنا الموروثة الكثير من الأفكار العظيمة كالتركيز على قيمة التعاون و التعاضد المجتمعي ، و هي قيم لها منزلتها في البناء المجتمعي و المؤسساتي ، لكن في المقابل نقلل من شأن قدراتنا الذاتية ، نقلل من شأن طاقة الفرد في امتلاك مفاتيح النجاح ، لنفح المجال لظواهر الاتكالية و الاعتماد على الغير في القضايا الكبيرة أو حتى الأمور الصغيرة منها ، و هي مشكلة كبيرة ، تجعل من الفرد عالة على غيره ، تجعله عامل استهلاك لا عامل انتاج ، مثله مثل النبتة طفلية يسترزق من غيره ، و لا يعتمد على نفسه .
و الحقيقة أن أكثر الناس نجاحا في الحياة الذين يعتمدون على أنفسهم ، لذلك سوف أعرض بعض النماذج استقيتها من روائع ديننا، و لعل أفضل نموذج نبدأ به قدوتنا محمد صلى الله عليه و سلم تروي كتب السنة و السيرة النبوية أن رسولنا كان يتولى أمور حياته الشخصية معتمدا على نفسه و الشاهد كان رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - يخصف نعلَه، ويخيطُ ثوبَه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدُكم في بيته .
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : هداية الرواة
الصفحة أو الرقم: 5759 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
و لا تعجب أن يمارس الرسول صلى الله عليه و سلم نشاطات حرفية ،فيرعى الغنم و يمارس حرفة التجارة ، يسافر في رحلة الشام مع عمه ثم يتاجر بمال السيدة الطاهرة أم المؤمنين خديجة ، فترى عفته و نبل خلقه فترضاه زوجا كريما .
و لك أن تتصور حالة المهانة والاسترزاق المهين الذي نعيشه اليوم في مجتمعاتنا ، أن تبصر الرجل مفتول العضلات، سليم العقل ، موفور الصحة، يرضى مد يده متسولا، يستجدي الناس ليمنحوه دريهمات ، كان يكفيه استغلال مواهبه و قدراته لاختيار عيشة كريمة ، تحفظ كرامته و تحفظ إنسانيته .
فكيف لا نتعلم الدروس من النفوس الكريمة التي ترفض حياة الصغار، تكسر الحجارة، تجمع الحطب، ترضى مهنا صغيرة ، تطرق أبواب الرزق الحلال بالعمل، صدقت رسول الله
( لأنْ يأخذَ أحدُكم حبلَهُ على ظهْرِهِ فيأتي بحزمةٍ منَ الحطبِ فيبيعُها فيكُفَّ اللهُ بها وجهَهُ خيرٌ مِنْ أنْ يسألَ الناسَ أعطوْهُ أوْ منعوهُ)
الراوي : الزبير بن العوام | المحدث : الألباني | المصدر : غاية المرام | الصفحة أو الرقم : 156 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (1471) باختلاف يسير
و ثم لنا أمثالا رائعة لنماذج واقعية فيها رشحة تشجيع على رفعة النفس و شحذ الهمة يدفع العاجز و اليائس ليطرق أبواب الرزق بحثا و ضربا في الأرض ، نأخذ الدرس العملي من صحابي الجليل عبد الرحمان بن عوف رضي الله عنه فيها حث للشباب على العمل
عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَآخَى النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: "بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ". فَرَبِحَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى زِنَةِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ.
على الشاب الواعي اليوم قبل غد أن يثق بقدراته فيوجهها التوجيه الصحيح، فيستغل مواهبه الذاتية بالبحث و التقصي و السعي الجاد نحو هدفه مهما كانت العقبات, مهما كانت الشدائد و لو كانت الفرص شحيحة، و لا ترهن النفس في الزوايا الضيقة التي تولد القلق و اليأس ، على الشاب أن يتجاوزها إلى أماكن تحرر قدارته من نوازع الفشل إلى فضاءات العطاء و هي أبواب مفتوحة المصارع لكل طالب جاد .
وسوم: العدد 1021