لنجعل يوم النيروز يوما للصدق والحب والسلام

وقد نبه النيروز في غسق الدجى .. أوائل ورد كنّ بالأمس نوما..

وكنت أود أن أجعل هذه البطاقة خالصة للتهنئة بيوم النيروز، والمعايدة على الخيرين من المحتفين به، نعم على الخيرين- فقط- من المحتفين به ، فقد ذقنا من غير الخيرين ما ذقنا وما نزال نذوق...

وأنا شخصيا وقولي شخصيا يعني أنني لا أقدم نفسي أسوة ولا قدوة ولا أنموذجا، لا أحب ادعاء المظلومية، ولا أحب التلبس في إهابها، مع كثرة ما عايشت وعانيت..

وسألتني مرة مذيعة على فضائية: هل شعرت أنك تعرضت لامتهان يوما؟؟ فأجبت: إن الذي سيمتهنني لم يخلق بعدُ!! جواب تربينا أن نجيب به ونحن في قرارة ما ترون.. (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) قد نكون تحت الرحى نعم، ولكننا على يقين أن الذلة والمسكنة ضربت على غيرنا، ولم تضرب ولن تضرب علينا قطُ..ولا عوضُ

ومما عكر عليّ صفاء صباح النيروز هذا، الذي استقبله كل عام بوصفه يوم الانقلاب الربيعي، يوم عيد الأرض والشجر وتجدد انبثاق الحياة، خبر ٌملحون وضعه زميل على إحدى الصفحات يروي: مقتل رجلين من المحتفلين بالنيروز على خلفية إشعال ناره، وعلى يد مجموعة من فصيل ثوري تمت تسميته...!!

استقبلتُ الخبر بألم وحيرة وامتعاض واستنكار، استنكار للقتل الجريمة الأكره والأعظم التي يمكن أن يرتكبها الإنسان بعد الشرك بالله. وهممت أن أعلق باستنكار الجريمة وشجبها والتنديد بمرتكبيها، إلا أنني تذكرت الوصية: إذا جاءك أحد الخصمين وقد فقئت عينه، فتذكر أن ربما يكون الخصم قد فقئت عيناه..فتلبثت أنتظر ..

ثم تتالت أخبار الجريمة وأبعادها وحديث عن بعض أطرافها، حتى انتشر الأمر، واستفاض الخبر . وجوهر ما في الأمر ..

أن الجريمة قد وقعت، ونحن جميعا نستنكر كل الجرائم وندينها ونأباها، ولاسيما حين تتمادى الأفعال الجرمية فتصل إلى حد القتل...

والذي ثبت أيضا أن الجريمة شخصية فردية غير سياسة، ولا علاقة لها بالنيروز ولا بأهله ولا بالمحتفلين به، وأنها جريمة فردية فلا علاقة لها بفصيل ثوري، ولا توجه سياسي، ولا يقصد من ورائها فريق دون فريق، ولا يعدو من خلالها قوم على قوم. بل كما توافدت الأخبار فإن الفصيل الذي اتهم بها كان الأكثر إنكارا لها ، والأكثر جدا في ملاحقة مرتكبيها، والتحقيق معهم...

أروي كل ذلك في صبيحة يوم النيروز

لأخلص أخيرا إلى القول:

اإن لجرائم الفردية على خلفياتها المتعددة تعالج تحت أقواس المحاكم، وليس على منابر التجييش والتوظيف السياسي..

ولأقول ثانيا : لقد عانينا كثيرا من لبس الذئاب لباس الضأن والحملان ألسنةٌ أحلى من العسل، وقلوبٌ قلوب الذئاب..

كفوا عن ادعاء المظلومية أيها الظالمون...

كفوا عن ارتداء أثواب الذلة والمسكنه وأنتم كما سماكم سيدنا يحيى المعمدان. ومن بعد رسول المحبة والتسامح بلاسم الذي تعلمون..

ولو كان للنيروز عندكم أقل قيمة، وأدنى احترام؛ لآثرتم أن تتركوا له صفاءه وبهاءه من غير تكدير...

إلى كل الأخيار من محبي الحياة والصدق والحب والسلام من المحتفين بالنيروز من كل الملل والأقوام ...

نيروز سعيد مفعم بالحب والسلام، وكل عام وأنتم بخير ..وسيظل الحب يجمعنا والحرص على البر والقسط رائدَنا. ومن شذ شذ في النار...

نيروز سعيد...

واتي سيدنا علي رضي الله عنه بحلوى لفطوره يوم النيروز، فسأل: ما هذا؟؟ قالوا صباح النيروز. قال: نيرزونا كلَّ يوم. جعل الله كل أيامنا نيروزا جميلا للنفوس وللأرض والشجر وللزهر...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1024