في مصطلحات الحديث الشريف.. الشاذ والمنكر
ثمة أزمة مصطلحات في بعض العلوم الاسلامية، تتبدى في اختيار مصطلح غير ملائم في دلالته اللغوية، على المراد منه علميا، وأحيانا تكون الفجوة علمية وأحيانا أخلاقية أو ذوقية..
نأخذ مثلا مصطلح الفرضيين، أصحاب علم الفرائض، ومصطلحهم الغاية في البؤس والشناعة "الجد الفاسد" ويريدون به الجد لأم الذي لا سهم له في ميراث. أوصاف كثيرة يمكن ان تغني عن هذا المصطلح، يمكن ان أقول: "الجد الجميل" "الجد الحاني" "الجد الخالي" "الجد المشفق" وأقصد المعنى نفسه، وأجنب إسقاط وصف الفساد على كل من كان جدا لأم، ولاسيما ونحن نعلم أن مكانة الجد لأم قد لابسها سيد العباد..فكان خير جد لخير الأحفاد
من ذلك في علم مصطلح الحديث:
الحديث الشاذ والحديث المنكر، وهما جنسان من نوع واحد، يكاد يظن من يسمع بهما ممن لا دراية له بمصطلح الحديث، وبحكم الدلالة اللغوية المجردة، أنهما من فظائع الروايات..
الحديث الشاذ: بكل بساطة هو حديث خالف فيه الثقة الثقات..يعني لولا المخالفة لصنف صحيحا، بسنده ومتنه.
ولذا اشترطوا في صحة الحديث صحيح الاسناد، رواه الثقة، أن لا يكون شاذا ولا معلولا..
قال البيقوني في منظومته عن أقسام الحديث:
أولها الصحيح وهو ما اتصل
اسناده ولم يشذ أو يعل
فالشذوذ أن يروي ثقتان، أو أكثر رواية، ويروي ثقة آخر، ننتبه، ثقة آخر ما يخالفها..
التعبير عن هذه الحالة يمكن ان يكون باختيار وصف، أخف وطأة من الدلالة اللغوية للفظة الشذوذ، ولاسيما أن للمخالفة أحيانا أسبابا زمنية، مفسرة، وأن مثل هذه المخالفة وقعت في الروايات من خيار الصحابة.
ووصف الحديث "المنكر" أشد وطأة في الدلالة على النكارة، وإثارة للفزع والهلع من حقيقة الحديث، الذي كل ما فيه، أن راويا أقل توثيقا، خالف من هو أو من هم أوثق منه، ولذا قلت الشاذ والمنكر جنسان من نوع واحد، فالدلالة اللغوية للفظة المنكر تذهب بنا إلى دوامات الحديث الموضوع، أو المفترى أو المكذوب، وكأن سنده ومتنه موضع إنكار المنكرين، فتحضرنا فورا عند سماع وصفه آية (وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)
لا شكك أننا سنجد في مصطلحات العلماء من محدثين وفقهاء ونحويين وغيرهم توفيقا كبيرا في اختيار المصطلحات، ولكن سيظل في النفس أشياء من مثل تسميتهم "المسألة الزنبورية" و"المسألة الحمارية" وقولهم "أخفى من "كسب الأشعري"
وهي حالات وإن كانت محدودة فمن الواجب ان نتحرز منها في عصر مشاعية المعرفة، وانتشار الثقافة..
وسوم: العدد 1029