بطاقة معايدة حلبية ذكريات حول اثبات هلال العيد.. وبعض تقاليد ليلة العيد في حلب
تحكي لنا والدتي رحمها الله تعالى، وهي من مواليد ١٩١٧ أنهم في إحدى السنوات، أفطروا عند الظهر.
تقول عند الظهر كان هناك رجال في الشوارع يضربون الطبول، ويطلبون من الناس الإفطار وأفطر الناس جميعا.
في كل سني الوحدة مع مصر ١٩٥٨- ١٩٦١..كان الإقليم الشمالي يمسك ويفطر منفصلا عن الاقليم الجنوبي. هذا ما أذكره وأنا طفل دون الخامسة عشرة. ويبنى ذلك على استقلالية القضاء الشرعي، في الشام ومتانته في تلك الأيام، يوم كان في الشام رجال. والشام عندنا من العريش حتى حلب.
وهذه حكاية أرويها عن تداول، أنه في العام الأول للوحدة، وبعد أن ثبتت الرؤية عند القاضي الممتاز في حلب -الممتاز لقب علمي إداري- عبد الوهاب التنجي رحمه الله تعالى، واتصل بدمشق لإثبات رمضان، كما جرت العادة، قيل له ننتظر القرار من الاقليم الجنوبي. أجابهم في الاقليم الجنوبي يمكن أن يأخذوا برؤيتنا. وأنا عندي وسائلي لإثبات الشهر، الطبول في الأحياء، فسمحوا في مصر ان يكون للقطر الشمالي قراره المستقل.
كان إثبات الرؤية يمتد بنا أحيانا حتى منتصف الليل. ربما لبطء طريقة الاتصالات.
يحكي الحلبيون حكايات كثيرة فولكلورية عمن يسمونه "أعور حماة". وهو رجل - حسب الفولكلور الحلبي- كريم العين، هذه الكناية التجميلية لوصف أعور، كان بارعا مع ضرره، في التقاط الهلال، وإثبات رؤيته- أروي عن قيل وقال- فإذا تأخر إثبات الشهر يقول الحلبيون: ينتظرون أعور حماة. ومرة أخرى لا أدري مدى دقة أو مصداقية هذا..
في مرحلة ما بدأت فرق حلبية تخرج لتحري الهلال. وجعلوا من "أورم" موقعا مختارا لرصد الأهلة، ليس عندي تعليل ولا تفصيل.
إثبات الأهلة، كما إعلان دخول وقت المغرب ووقت السحور، كان يتم بحلب مع الأذان بضرب المدفع. يسميه الاعلام مدافع الاثبات، مدفع الافطار، فالمدفع أبعد مدى في التبليغ من الأذان. ولاسيما قبل انتشار مكبرات الصوت. أدخلوا مكبر الصوت على مسجد محلتتا في المشاطية، مسجد الشيخ سعد اليماني، وله حكاية طويلة، وعمري خمس سنوات. كانت التجربة الأولى عند أذان العصر. ورأيت رجالا في الحي يبكون حزنا لفقدهم صوت مؤذنهم الجميل "الدقي" وأشعرني بكاؤهم بالحزن وانا طفل صغير، وكأن كارثة حصلت.
أعود..
مدفع العيد نسميه في حلب "الطوب" أظنها تركية، ونفرح لطواب العيد ولطوب الفطر .. ونقول "اثبتوا العيد وضربوا الطواب"
كانت المشقة تقع على أمهاتنا أكثر عندما يتأخر إثبات العيد، أو ضرب الطواب. فالمسيكنات عليهن تحضير إفطار العيد في أقصر وقت من الليل، إذا تأخر الاثبات..
ترتيب اليوم الأول الحلبي من أيام العيد
صلاة العيد- الذهاب الى المقابر لزيارة القبور، ثم العودة للاجتماع ببيت الأسرة على طعام الافطار حوالي الساعة العاشرة الى الحادية عشرة.
الأولاد والكنائن والأحفاد وأحيانا البنات والأصهار، يلتقي على المائدة الواحدة حوالي اربعون شخص، الغرف الواسعة، والسفرة على الأرض تساعد على الاحتواء.
وجه المشقة على الأم الكبيرة، انها ستبدأ التحضير من وقت أضيق كلما تأخر طوب العيد.
وأن عليها أن تحضر وجبة لنحو خمسين إنسانا، وجبة مكونة من سبعة أشكال فيها المحشي واليبرق والكبب الحلبية سيدات الموقف، ومحشي العيد ويبرق العيد ورز العيد يجب أن "يتهدى" على الفحم تأكيدا على المذاق.
ومصطلح "يتهدى" الحلبي، أن المطبوخ بعد أن يغلي غلوة أو غلوتين على نار البابور القوية، يجب أن ينقل إلى وجاق الفحم، حيث يبقى المحشي واليبرق على هذا الفحم فينضج ببطء حتى الصباح.
فالطبخ على النار السريعة لا يملأ رأس الحلبي، والطبخ نَفَسٌ كما تقول السيدات الحلبيات.
ليلة العيد ليلة ضاغطة في كل البيوت، فمع كل الانهماك بالطبخ والتحضير والشراء، لا بد من في ليلة العيد من الاغتسال، والاغتسال "التخسيل" في لغة اهل حلب، الخسيل يكون قبل يومين أو ثلاثة والتخسيل يجب ان يكون ليلة العيد..ويا حظ من جرب الحمام العامة في ليلة العيد.
ملاحظة مهمة في حلب التي عرفناها ينفصل اسم الحمام عن اسم المرحاض، ولكل منهما خصوصية وإنما تم الدمج من قبل تجار البناء من بعد..
من عادات أهل حلب أنهم يحبون المكث في الحمام بالمصطلح الأول حتى يتعرقوا ويتفركوا ويتليفوا ويتصوبنوا ويتبولونوا. البيلون الذي يحفظ في قلب أوراق الورد والذي يتبعه حشو الدريرة. والدريرة الحلبية نغم آخر، وأقول يا عين ليش تبكي..
عبارات الحلبيين بالتهنئة بالعيد
كل عام وانتم سالمين، الياء اخف من الواو..
وانتم بخير ..
ما زلتم من عواده..ما زلتم عائدين ..
الحلبيون يصفون عيدهم بأنه مبارك ولا يحبون كثيرا الألفاظ المحيرة مثل السعيد والمجيد وأحيانا يتبرعون بها لغيرهم، على سبيل المجاملة..
ما زلتم عائدين
يعود علينا جميعا بالخير والبركة والسلام والمحبة
وكل عام والشام كلها وبلاد العرب والمسلمين بألف خير
وتصدح حنجرة ابي الطيب الحلبي رغم انفه:
بأي حال عدت يا عيد؟؟
بما مضى؟؟
أم لأمر فيك تجديد
أما الأحبة..
فالبيداء دونهمُ
فليت دونك بيدا دونها بيدُ
وسوم: العدد 1029