العيد في سجن أغمات المعتمد بن عباد

ولمن لا يعرف المعتمد بن عباد فهو الذي قال:

رعي الجمال ولا رعي الخنازير..

هو ثالث ملوك بني عباد في الاندلس، توسع حتى ضم الى مملكته في اشبيلية قرطبة وسواها..

وهو الملك الشاعر صاحب الديوان الذي يقول فيه:

قالوا الخضــــوع سياســــــــة

فليبدُ منك لهـــــــم خضوع

وألذُّ من طعم الخضو..ع

على فمي السمـــــــُّ النقيع

إن يســـــــلب القوم العــــدا

ملكي وتســـــلمني الجموع

فالقلـــــــب بيـــــن ضلوعـــــــه

لم يســـــــلمِ القلبَ الضلوع

لم أستلَب شرفَ الطبا..ع

أيســـــــــــلب الشرف الرفيع

المعتمد بن عباد الملك الذي قالت له زوجه يوما أشتهي أن ألبس الجرمق -حذاء فلاحات- وأن أسير في الطين…

فصنع له بركة طين من مسك وعنبر، وصنع لها جرمقا من ثمين الجلود، ثم تركها تخوض في طين الطيب..

وبعد أن سجن بأمر يوسف بن تاشفين، وضاقت به الحياة، ضاقت به زوجه في سجن أغمات، فقالت له يوما: ما رأيت منك خيرا قط!! قال لها منكسرا: ولا يوم الطين!!

وعندما توحد الاسبان ضد مملكة اشبيلية/ المعتمد، ولم يجد من ملوك المسلمين من يسانده، أراد أن يستنجد بيوسف بن تاشفين، أمير المرابطين، فقال له أحد شياطين الناصحين، لا تفعل، وهادن الأذفونش، لأن يوسف لو جاء سيأكلك، فقال كلمته المشهورة المحفوظة على جبين التاريخ: لأن أرعى الجمال عند يوسف خير من أن أرعى الخنازيز عند الأذفونش، ومضت كلمة مضيئة في سماء التاريخ..

واستنجد المعتمد بيوسف فأنجده مرة بعد مرة، حتى صنعا معا مجد معركة الزلاقة، في القرن الخامس الهجري، التي يقول المؤرخون إنها غيرت وجه التاريخ..

ولكن يوسف - أصلح الله الأمير- اعتقل المعتمد، وربما يقول البعض لعل في ذلك مصلحة للمسلمين، وسجنه في أغمات بسجن بائس مع زوجه وبناته، ومنع عنه القوت، حتى تضطر زوجه وبناته ان يغزلن للناس مقابل لقمة العيش.

ويطل على الملك الجريء الجميل العيد وهو في سجن أغمات، كما يطل على كل المعترين الغرباء فيقول قصيدته الممهورة بعنوان: في سجن أغمات

وأردت أن أرويها لنفسي في هذا العيد:

فيما مَضى كُنتَ بِالأَعيادِ مَسرورا

فَساءَكَ العيدُ في أَغمــــاتَ مَأسورا

تَرى بَناتكَ فـــي الأَطمـــــــارِ جائِعَةً

يَغزِلنَ لِلناسِ ما يَملِكنَ قَطميـــــــراً

بَرَزنَ نَحوَكَ لِلتَســــــــــليمِ خاشِـــــــعَةً

أَبصارُهُنَّ حَاســـــــرات مَكاســـــــيرا

يَطأنَ في الطين وَالأَقدامُ حافيَةٌ

كَأَنَّهـــــــا لَم تَطأ مِســــــــــــــكاً وَكافورا

لا خَدَّ إِلّا تَشكّى الجَدبَ ظاهِرهُ

وَلَيسَ إِلّا مَعَ الأَنفاسِ مَمطــــــــــــــورا

أَفطَرتَ في العيدِ لا عادَت إِساءَتُهُ

فَكـــــــانَ فِطرُكَ لِلأكبـــــــادِ تَفطيـــــرا

قَد كـــــــانَ دَهرُكَ إِن تأمُرهُ مُمتَثِلـــــاً

فَرَدّكَ الدَهـــــــرُ مَنهيّـــــــاً وَمأمـــــــورا

مَن باتَ بَعدَكَ في مُلكٍ يُسرُّ بِهِ

فَإِنَّمـــــــا باتَ بِالأَحـــــــلامِ مغـــــــرورا

إن أعانني الله غدا حدثتكم عما تبقى في ذهني من معركة الزلاقة…

اللهم فرج كروب المسلمين