عجبا لمن يشيدون بتغيير أتاتورك تركيا من دولة إسلامية إلى دولة علمانية بينما ينتقدون أردوغان
عجبا لمن يشيدون بتغيير أتاتورك تركيا من دولة إسلامية إلى دولة علمانية بينما ينتقدون محاولة أردوغان إعادتها إلى وضعها التاريخي قبل علمنتها
طلع علينا الموقع المعروف عندنا بانحيازه للتوجه العلماني تصريحا وتلميحا بمقال تحت عنوان : " الفوز الانتخابي للرئيس أردوغان واقع جديد يعمق المكانة الإقيليمية للإخوان " لأحد المصريين وقد وصفه بالمفكر، ويدعى عبد المنعم سعيد ، ـولقد دأب هذا الموقع على النفخ فيمن يروقه توجههم ،فيصفهم بالمفكرين وبالخبراء وبالمختصين، وبالحقوقيين ، وحتى بالعلماء أحيانا ...، فهذا الموصوف بالمفكر المصري ، لم يزد في ما قاله عن التعبير عما عبر عنه كثير ممن كانوا يتمنون فشل الرئيس التركي طيب رجب أردوغان ،الذي كانت خسارته في الانتخابات الأخيرة لو أنها وقعت ستطربهم كثيرا ، وكانوا يتطلعون إليها بلهفة شديدة، لأنها تعتبر في نظرهم انتصارا للعلمانية التركية وأحزابها ، وانتكاسة لحزب أردوغان الإسلامي الذي أقض مضاجع تلك الأحزاب العلمانية خلال ما يزيد عن عقدين ، وهو مصدر قلق كبير بالنسبة للعلمانية الغربية ، وأذنابها في الوطن العربي ، وهي تخشى أن تتأسى به أحزاب أخرى ، ويتبخر بذلك الحلم العلماني في هذا الوطن العربي .
وحال صاحب هذا ينطبق عليه المثل المغربي الشعبي القائل : " تابع جيلالة بالنافخ " ، وجيلالة هم جماعة ترقص على إيقاع الطبول والدفوف ، ويتبعهم نافخ كير لإيقاد النا رالتي تحمى عليها ، ويضرب تعبيرا عن كل فضولي يحشر أنفه في أمور لا تعنيه . وصاحبنا المفكر كما وصفه الموقع الذي نشر كلامه، حشر أنفه في الانتخابات التركية التي كان فيها تنافس بين أحزاب علمانية توحدت فيما بينها ، من أجل منازلة انتخابية بينها، وبين حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي كي تهزمه ، وتهزم بذلك كل من يرنو للتأسي به من الأحزاب ذات التوجه الإسلامي في الوطن العربي .
والتابع لتلك الأحزاب العلمانية التركية ، اونافخ الكير وراءها ، وجد مبررا لحشر أنفه في نزالها الانتخابي فضولا منه ، وكان ذلك من خلال ذكر العلاقة بين فوز أردوغان، وبين جماعة الإخوان وحزبها في مصر، وحتى في بعض بلاد الشام على حد قوله ، وهو يصفهم بالإرهابيين، متابعا في ذلك أسلوب المنقلب على الشرعية والديمقراطية في مصر انقلابه الدموي الذي اعتبر فضيحة كبرى ومدويا . ووصف الإخوان بوصف الإرهاب يفهم منه أن أردوكان في نظر صاحب المقال، له صلة مباشرة بالإرهاب نظرا لتوجهه الإسلامي ، لأنه زار مصر في فترة الرئيس الراحل محمد مرسي .
ولقد كان الأجدر بهذا المفكر ـ بغض الطرف عن طبيعة فكره ـ أن يخجل من نفسه ، ولا ينفخ كيره وراء الأحزاب العلمانية في تركيا، لأن الانتخابات التركية والتي لم يطعن أحد في مصداقيتها على الصعيد العالمي، هي بمثابة ورقة التوت التي سقطت عن مسرحيات انتخابية هزلية في البلاد العربية ، وهي فاقدة للمصداقية بسبب فقدانها للشفافية التي توفرت في الانتخابات التركية ، والتي أفرزت نتيجة كرهتها العلمانية المحلية والغربية كراهية مقت ،ولكن هذه الأخيرة لم تجد بدا من الاعتراف بشفافيتها ، وقبلت نتيجتها على مضض .
ولقد كان من المنتظر عند ذوي الميول العلمانية ألا ينتهي حديثهم عن أردوغان حتى بعد فوزه ، وقد تعددت آراء هؤلاء التي تتنبأ بفشله ، وهي اليوم تهول من المشاكل الداخلية لتركيا خصوصا بعد كارثة الزلزال المدمر ، ومن هؤلاء صاحبنا المصري الذي لا شك في أنه يسترضي نظام متزعم الانقلاب في مصر ، والذي برر انقلابه بأنه حدث من أجل إنقاذ مصر مما يسميه إرهابا وإرهابيين ،وهو يقصد جماعة الإخوان وحزبها حزب العدالة والحرية . ولقد بات من السخف ما يصدر عن بعض المحسوبين على الفكر والإعلام في مصر ، وهم يتملقون ديكتاتورا دمويا يداه ملطختان بدماء مواطنين أبرياء، كانوا في اعتصام حين أطلق عليهم الرصاص ، وداسهم بالآليات ، وقد سجل الإعلام الحاضر يومئذ ذلك تسجيلا حيا شاهده كل من في المعمور، وأدانه من أدانه عن صدق وعن ضمير حي أو عن نفاق ،وعن موت ضمير وخبث طوية .
وعوض أن يسجل صاحبنا المصري براءته من تملق الديكتاتور في وطنه ، ويتمنى لبلاده انتخابات نزيهة كتلك التي جرت في تركيا ، فإنه خرج عن موضوعها إلى موضوع الإخوان ، وكأن هؤلاء كانت لهم يد في تلك الانتخابات .
وكان على صاحبنا أيضا أن يهديه فكره ـ إن مفكرا حقيقة ـ إلى فكرة مطالبة الديكتاتورية في مصر بالتراجع عن اتهامه وشيطنتها لخصومها من الإخوان وحزبهم المحظور كما هو الحال في تركيا التي قبلت فيها الأحزاب العلمانية هزيمتها أمام حزب العدالة والتنمية ، وإن كان ذلك دون الروح الرياضية المطلوبة أو اللازمة حيث استكثر المرشح للرئاسة الخصم لأردوغان أن يقوم له احتراما ،كما قام كل من حضروا حفل تنصيبه ، وفي هذا ما يؤكد تشنج الأحزاب العلمانية التي لا تقبل أن يكون منافسوها في الانتخابات من الأحزاب الإسلامية، لأن الإسلام أصبح اليوم دينا إرهابيا بالنسبة إليها ، وهذه هي الذريعة المتهافتة التي يتذرع بها من ينادون باستئصال شأفة كل حزب ذي مرجعية إسلامية في الوطن العربي حتى لا يتكرر المشهد الانتخابي التركي في الوطن العربي، لأنه قدوة سيئة في نظر العلمانيين المتحاملين على كل من أو ما له صلة بالإسلام فكرا ،وسياسة .
وأخيرا نكرر ما قلناه في مقال سابق : إن أول من يجب أن يستفيد من التجربة الديمقراطية التركية ،هم العلمانيون، لأن ذلك كفيل بأن يقنعهم بالتخلي عن فكرة استئصال الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية ، وعن فكرة هاجس التخوف الذي يتوجسونه من تلك الأحزاب التي يجب قبولها كشريك ، والتي يعود الفصل في رفض أو قبول شراكتها في تدبير شؤون البلدان إلى الصناديق الزجاجية الشفافة ، والتي تحظى بالثقة وبالمصداقية .
وسوم: العدد 1036