حزب التحرير: التوترات مع «تحرير الشام» سببها مطالبتنا فتح جبهات الساحل مع النظام السوري

تتواصل المظاهرات والاحتجاجات في عدة مناطق في محافظة إدلب وريف حلب الغربي ضد هيئة «تحرير الشام» التي يقودها أبو محمد الجولاني والمسيطرة على شمال غرب سوريا، على خلفية التوترات بين «الهيئة» و«حزب التحرير» والتي بدأت في السابع من شهر أيار (مايو) الماضي عندما شن الجهاز الأمني في «الهيئة» حملة اعتقالات واسعة طالت منتسبين ومناصرين لـ«الحزب» في بلدة دير حسان شمال إدلب، وعدة مخيمات على الشريط الحدودي المجاور لتركيا.

ورصدت «القدس العربي» عدة نقاط للتظاهرات والاحتجاجات في مناطق دير حسان والسحارة والاتارب وكللي وبابكة، وطالب المتظاهرون هيئة «تحرير الشام» بالإفراج عن المعتقلين، كما رفعوا شعارات تدين ممارساتها التعسفية، وسياساتها في «كم الأفواه» والتضييق على سكان المناطق التي تسيطر عليها والواقعة تحت النفوذ التركي.

من جهة أخرى، تقابل «الهيئة» الحركات الاحتجاجية لمناصري «حزب التحرير» بمزيد من القمع، مع استمرارها في اعتقال المحتجين منهم.

وحسب مصادر محلية تحدثت معها «القدس العربي» اعتقل الجهاز الأمني في هيئة «تحرير الشام» نهاية الأسبوع الماضي، كل من مرعي الحسن في مدينة اريحا، وأبو زيد الحمصي في إدلب بسبب انتسابهما لـ«حزب التحرير» كما اعتقل الجهاز وجهاء من مهجري مدينة حماة على خلفية التوترات.

بدأ التوتر الأمني في شمال غرب سوريا، فجر السابع من أيار (مايو) الماضي، عندما شن جهاز الأمن العام المذكور حملة دهم واعتقال طالت منازل قيادات ومنتسبين في «حزب التحرير» في بلدة دير حسان، عرف منهم مدير المكتب الإعلامي للحزب أحمد عبد الوهاب، وعضو المكتب الإعلامي ناصر عبد الحي، وأعضاء في الحزب منهم، محمد الضلع ومصطفى نجار، واحمد منصور.

وأفاد مصدر محلي من دير حسان لـ«لقدس العربي» أن عناصر جهاز الأمن العام التابع لـ «الهيئة» استولوا على معملين على أطراف البلدة تعود ملكيتهما لأقارب منتسبين لـ«التحرير» وأضاف المصدر أن عناصر الجهاز «فككوا معدات أحد المعامل وهو معمل فلترة مياه، كما نشروا العديد من الحواجز داخل البلدة وعلى أطرافها ومداخلها، ومنعوا عائلات سبعة من المعتقلين من العودة لمنازلهم». ونفى المصدر في اتصال علاقة أهالي بلدة دير حسان أو مناصرين للحزب في البلدة بمقتل عنصرين من جهاز الأمن العام، مشيرا إلى أن جهاز الأمن العام «أعاد اقتحام البلدة مساء يوم السابع من أيار (مايو) بعد نحو عشر ساعات على اعتقال المنتسبين لحزب التحرير في الاقتحام الأول، ورشق الأهالي عناصر الأمن العام بالحجارة وسط إطلاق نار عشوائي في الهواء من قبل عناصر الجهاز».

بالمقابل، أصدر جهاز الأمن العام، بياناً نشره على موقعه الرسمي في تطبيق «تيلغرام» جاء فيه أن الحملة نفذت بناء على أمر قضائي صادر عن النيابة الأمنية العامة، متهما الحزب بـ «تخوين مكونات الثورة ومؤسساتها بمنهجية يسعون من خلالها لشيطنة المناطق المحررة، وتشويه صورتها وبث الفوضى وزعزعة الثقة بين مكوناتها المجتمعية» وأضاف المتحدث الرسمي باسم الجهاز، ضياء العمر أن عناصر حزب التحرير ممن شنت حملة الدهم بحقهم متهمون بـ «استهداف المجاهدين المرابطين على الثغور « وبرر الحملة بحالة «العجز عن التفاهم معهم بسبب نظرتهم الاستعلائية وأفكارهم المنحرفة».

في سياق متصل، أفادت الناشطة في «حزب التحرير» ومتزعمة المظاهرات النسائية فاطمة العبود «أم النور» في اتصال مع «القدس العربي» أن الحملة التي شنها جهاز الأمن العام بدأت قبل تاريخ حملة الدهم في 7 أيار (مايو) واعتقل الجهاز من خلالها «عددا من أعضاء الحزب في مدينة إدلب وجبل الزاوية».

وفي إجابتها عن مقتل عنصريين من جهاز الأمن، نفت العبود علاقة حزب التحرير بالحادثة، وقالت إن العنصرين «قتلا على يد زملائهم من جهاز الأمن العام نفسهم، خلال محاولة عناصر حملة الدهم تفريق مظاهرة لأهالي دير حسان طالبوا خلالها بالإفراج عن المعتقلين» مبررة ذلك برغبة هيئة «تحرير الشام» خلق ذريعة تستأصل من خلالها «حزب التحرير» من إدلب.

وأضافت الناشطة أن «حزب التحرير» هو «حزب سياسي غير مسلح، ولا يتبع له أي كيان عسكري» وقالت: «إن الحراك السياسي والتوعوي لكوادر حزب التحرير أثار مخاوف الجولاني» وفي تعليقها حول أسباب التوترات الأخيرة بين الحزب والهيئة لفتت إلى أن كوادر حزب التحرير «رفضت محاولة الجولاني التوسعية في ريف حلب الشمالي (عفرين) ونشرت المنصات الإعلامية للحزب مناشير تحذر من سياسات البغي التي يمارسها الجولاني وحكومة الإنقاذ، الأمر الذي أثار مخاوف تحرير الشام التي تنتهج أسلوب كم الأفواه وتقييد حرية التعبير والنقد».

تحولات نوعية

الجدير بالذكر، ان حجم الاحتجاجات والتظاهرات التي يقوم بها مناصرو «حزب التحرير» شهدت تحولات نوعية منذ بدأت التوترات مطلع الشهر الماضي، وشملت هذه التحولات التوسع في مناطق الاحتجاجات والمظاهرات، ونوعية التعبير من خلال مظاهرات الرجال الخاطفة، والكتابة على الجدران، والاحتجاج على مواقع التواصل الاجتماعي. وحول الحركة الاحتجاجية النسائية قالت العبود إن جهاز الأمن العام بالإضافة لأجهزة أمنية سرية تابعة لـ«الهيئة» تحاول قمع الحراك النسائي، مشيرة إلى ان جهاز الأمن العام تعرض قبل أيام لثلاث سيارات كانت تقل ناشطات من الحزب بالإضافة لنساء لا يحملن أي صفة سياسية، متوجهات إلى بلدة كفركرمين للمشاركة في مظاهرة نسائية، واعتقل عناصر الأمن التابعين للجولاني سائقي السيارات المدنيين، لتقطع الناشطات والنساء طريق كفركرمين بابكة لأكثر من ست ساعات، ما أجبر جهاز الأمن على الإفراج عن السائقين.

وفي حادثة أخرى، قالت العبود إن عنصرا من أمنيي الهيئة تعرض بسيارته لمظاهرة نسائية في بلدة اطمة، محاولاً دهس المتظاهرات، ما أسفر عن إصابة امرأتين بكسر في الساق، وقالت إن العنصر الأمني يدعى علي العمور، وهو شقيق قيادي عسكري في الهيئة معروف بلقب «عامر العسكري سراقة».

بدوره قال عضو في المكتب الإعلامي لحزب التحرير، فضل عدم الإفصاح عن اسمه لأسباب وصفها بـ «الأمنية» إن الحراك الشعبي الرافض لممارسات «تحرير الشام» وزعيمها الجولاني مستمرة لتصل إلى أهدافها المتمثلة بالإفراج عن كافة معتقلي الرأي في سجون الجولاني من جهة، والسماح بحرية الرأي والتعبير في المناطق المحررة.

معرباً عن أهمية الدور الشعبي المناصر لحزب التحرير والمشارك في الاحتجاجات ضد ممارسات «هتش» حسب تسميته، لافتا إلى وجود نوع من التنسيق بين الحزب وتجمعات مدنية متنوعة، بهدف استمرار الاحتجاجات مشيدًا بدور أعضاء وناشطي الحزب لتوسيع رقعة الاحتجاجات والمظاهرات، وأكد المصدر ذاته، ان «الخيار العسكري لا ينتمي لأدبيات حزب التحرير» الذي وصفه بـ «العريق».

وحول سبب التوترات الأخيرة، أجاب أن»التوترات بدأت منذ عام 2019 مع مطالبات حزب التحرير بفتح جبهات الساحل مع النظام في الوقت الذي شهد تقدم النظام على مناطق عدة في ريف إدلب وصولاً لسراقب، واعتقلت حينها أجهزة الجولاني الأمنية عددا من أعضاء الحزب، وأفرج عنهم مع انتهاء حملة النظام العسكرية، وفي الوقت الحالي طالب الحزب بوحدة الصف لمواجهة النظام واستعادة المناطق المحتلة ووقف بغي الجولاني وتطلعاته باتجاه حلب، ما أدى للحملة الأخيرة.

بموازاة ذلك، أشار عضو مجلس شورى هيئة تحرير الشام، والرجل الثاني في التنظيم ميسر الجبوري الملقب بـ «أبو ماريا القحطاني» من خلال سلسلة من المنشورات في تطبيق» تيلغرام» إلى ان سبب التوترات تعود تقريبًا لنفس ما جاء في تصريح عضو المكتب الإعلامي في حزب التحرير، وجاء في منشور «القحطاني» أن مطالبات متكررة ومستمرة من «حزب التحرير» لاشعال جبهات القتال مع النظام قابلتها «الهيئة» بغرض لفتح معسكرات للحزب وإجراء دورات تدريبة لعناصره ليفتحوا بدورهم جبهات مع قوات النظام، وينفذوا عمليات عسكرية ضد نقاط النظام العسكرية المحيطة بالمناطق المحررة، إلا أن الحزب لم يقبل، ووصف عناصر الحزب بأنهم «هربوا لأن عقيدة حزب التحرير لا تقبل بالجناح العسكري».

ويتنافى حديث «القحطاني» الأخير مع اتهامات جهاز الأمن العام عناصر حزب التحرير بقتل عنصرين من الجهاز في دير حسان على خلفية حملة الاعتقال التي نفذها الجهاز الأمني التابع للجولاني. فكيف لأشخاص يحملون عقيدة لا تقبل حمل السلاح أن يكونوا هم من قتلوا الأمنيين المهاجمين؟

وسوم: العدد 1036