المفيد في الرد على عصيد المنكر للخلفية الاستعمارية من وراء إقرار المحتل الفرنسي للظهير البربري بالمغرب

نشر المدعو عصيد  في موقعه على الشبكة العنكبوتية  فيديو انتقد فيه  سؤال في امتحان المتعلمين في  مادة الاجتماعيات وهو يتعلق بالظهير البربري ، وقد أنكر جازما  عدم وجود هذا الظهير بهذه التسمية دون أن يستطيع إنكار وجوده تحت مسمى : " الظهير المنظم للشؤون العدلية في المناطق ذات العوائد البربرية " ، واتخذ من عدم تسميته بهذا المسمى قضية تخدم هدفا مبيتا غير خاف عند هذا الشخص المعروف بنزعته العرقية البربرية المعادية للإسلام، والذي يعتبر في نظره، ونظر أمثاله غزوا عربيا للمغرب ولشمال إفريقيا .

والتسمية التي ذكرها لذلك الظهير لا يمكن أن تنفي عنه أنه ظهير بربري ، ومن يستعمل تسمية ظهير بربري ، يقصد بذلك نسبته إلى البربر قبل الخوض في مضمونه . ولقد حاول عصيد كعادته في التحذلق أن ينفي عن هذا الظهير البربري القصد الإثني منه، وزعم أنه يعني العرب أيضا الذين أخذوا عوائدهم من البربر ، علما بأنه غالبا ما لا يقر بأخذ البربر شيئا من العرب حتى وإن تعلق الأمر بأخذهم الإسلام عنهم .

 وزعم عصيد أن ما يقال عن تفرقة ذلك الظهير بين العرب والبربر، إنما هو أكذوبة وأسطورة اختلقتها أحزاب سياسية  مغرضة ، وكرستها حتى صارت تدرج في المقررات الدراسية عندما يتعلق الأمر بدراسة أحداث فترة الاحتلال الفرنسي للمغرب .  والمعروف أن هذا الاحتلال البغيض قد اعتمد على المكر الخبيث في تسمية احتلاله حماية ، وشتان ما بين الاسمين ، لهذا لا يستغرب منه أن يقر عوض تسمية الظهير البربري  تسمية : " الظهير المنظم للشؤون العدلية في المناطق ذات العوائد البربرية " لأنها أخف وقعا من تسميته ظهيرا بربريا فقط كما كان وقعه عند عصيد الذي يكشف في حديثه عن عقدته المعهودة،  وحساسيته المفرطة من كل ما له صلة بالإسلام حين صرح أن الظهير يعطي البربر حق اعتماد العوائد البربرية، وهي قوانين عرفية عوض ما سماه القضاء الشرعي المخزني ، بما في وصف " قضاء شرعي " من دلالة على مصدره الذي هو الإسلام .

والغريب أن عصيد حاول تبرئة المحتل الفرنسي من مكره الخبيث الذي كان يقصد من ورائه التفرقة بين المغاربة عربا وبربرا، علما بأنه أنشأ مدارس سماها المدارس البربرية ، ولم يدخر جهدا في نشر التنصير كما سجلت ذلك وثائق تاريخية لا يمكن الطعن فيها  ، وشواهد مادية إذ لا زالت كنائسه قائمة في بلادنا  وشاهدة على ذلك رغم أنف عصيد الذي حاول أن يموه على هذه الحقيقة بذكر توقيع بعض سلاطين  المغرب على ظهير العوائد البربرية ،وقد كانت تلك التوقيعات عليه في فترة الاحتلال الفرنسي وتحت ضغطه سنة 1913، وهي السنة الموالية لتاريخ الاحتلال سنة 1912 ، وسنة 1930 ، ومعلوم أن تلك التوقيعات كانت دون إرادة أولئك السلاطين، ولكن الله غالب كما يقال ، علما بأنه لا أحد منهم كان يقبل بالاحتلال الفرنسي  أو يرضاه ، أو يقبل بما كان يخطط له بخبث مما يشبه تخطيطه الماكر في احتلاله الجزائر التي كان يصرح علنا بأنها امتداد لفرنسا في شمال إفريقيا .

ولقد زعم عصيد أن قراءة اللطيف في المساجد في فترة الاحتلال البغيض ـ وهو ذو حساسية مفرطة من المساجد وما يدور فيها ـ عند إعلان الظهير البربري إنما كان مجرد حيلة لجأ إليها من كانوا يريدون استغلال هذا الظهير لأغراض سياسية ، ولا ندري ما هي تلك الأغراض،  والشعب أرضه محتلة إن لم تكن رغبته هي الحرية والاستقلال،  علما بأن المساجد كانت هي حاضنة المقاومة، ورافعة شعار الجهاد  الديني المقدس ضد المحتل ؟

ولنعد الآن إلى ما ليس فلتة لسان من عصيد، بل هو تصريحه الصريح، وليس تلميحا إلى أن العوائد البربرية أو قوانينهم العرفية، هي بديل عن القضاء الشرعي الذي وصفه بالمخزني ـ علما بأن كلمة مخزن كانت تدل على السلطة الشرعية ولا تدل على المحتل ـ  لنقول إن شرع الله تعالى فوق كل العوائد والأعراف مهما كانت إلا إذا وافقته، ثم ننظر بعد ذلك في تلك العوائد البربرية لنرى مدى موافقتها لهذا الشرع، وإلا فهي مردودة على أصحابها بموجب قوله تعالى : (( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ))

دون أن ننسى أنه من مصادر التشريع العرف الذي لا يتعارض مع الشرع .

ومن ذا الذي يستطيع أن يصدق أن المحتل الفرنسي الذي كان يواجه مقاومة إسلامية شرسة ، ستفوته فرصة الحديث عن ظهير البربر دون أن يسعفه  ذلك في بث الفرقة بين المغاربة عربهم وبربرهم باعتبار عروبة الإسلام،  خصوصا وأنه ربما ظن أن في بعض أعراف البربر ما يبعدهم عن شرع الله تعالى الرافض للاحتلال والمقاوم له ،والذي كان يقض مضجعه ، وقد كان بسبب ذلك يسمي جامع القرويين البيت المظلم الذي كان يخرج المقاومين والمجاهدين ، ويحرض الشعب على مقاومته ؟

وفي الأخير نذكّر بأن البربر دخلوا في دين الله عز وجل زمن الفتح الإسلامي المبارك ، ولا أحد يمكنه المزايدة عليهم في انتمائهم الإسلامي ، ولقد أسهم علماؤهم الأجلاء قديما وحديثا في خدمة الإسلام  أيما خدمة. ولقد كان البربر المسلمون الذي رضوا بشرع الله تعالى فاتحين أيضا، وقد فتحوا أرض الأندلسوغيرها، وكان على رأس الجيش مسلم  الفاتح البربري والعربي قائد بربري عظيم هو طارق بن زياد رحمة الله عليه ،والذي لا زال الجبل  المشهور يجمل اسمه العظيم ، ولقد توالى على قيادة الفتوحات الإسلامية بعده قادة عظماء  مسلمون برابرة، وعرب .

وأخيرا إن عصيد المعروف بعصبيته العرقية المزمنة ، وبعلمانيته الصارخة، لا تفوته فرصة للنيل من العروبة والإسلام ، وقد اغتنم هذه المرة فرصة  سؤال امتحان في مادة الاجتماعيات ليجعل منه قضية يحرفها عامدا عن قصدها ومسارها الذي هو الكشف عن المكر الخبيث للمحتل الفرنسي زمن  الاحتلال ، وهو خبث لا زال قائما ، وفرنسا لا تدخر جهدا في تصدير علمانيتها الوسخة إلينا ، وتختار لذلك من ينوب عنها من المستلبين أمثال عصيد . وإذا كانت فرنسا اليوم تريد  جاهدة وضاغطة ترسيخ علمانيتها  في بلادنا، فكيف يمكن أن يشكك عصيد وأمثاله في نواياها الخبيثة زمن احتلالها لبلادنا، وأنها لم تكن تقصد ترسيخ علمانيتها في تلك الفترة ، ولم يكن من قصدها تغليب الأعراف البربرية على الشريعة الإسلامية للتفريق بين شعب أراد له الله عز وجل أن يكون مسلما ، ويبقى كذلك إلى قيام الساعة، وإن كره أعداء دينه ، ومن يواليهم من الأذناب والطوابير الخامسة سواء  المندسة  بيننا أو تلك التي سقطت أقنعتها، وإن حاولت التمويه على حقيقة طابوريتها الخامسة المكشوفة.

وسوم: العدد 1036