المجلس العسكري الذي يريد مناف طلاس حكم سورية به

تحدث العميد مناف طلاس ابن وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس، رفيق درب النافق حافظ الأسد، ومثبت أركان نظام المجرم بشار الأسد، تحدث عن وجود “دعم داخلي وخارجي” لـ”المجلس العسكري” الذي يقوده، معتبراً أنه “مشروع لا بد منه بمسار المرحلة الانتقالية” في سورية.

وفي حوار مع صحيفة “القدس العربي” نُشر الجمعة 10/6/2023، قال طلاس “ليس هدفنا العودة إلى الحكم العسكري أو العمل إلى الوصول إليه.. إنما سنعمل وفق تخصصاتنا ودورنا القانوني المتبع في كل دول العالم المتحضر”.

وأضاف أن المجلس سيعمل على “جمع السلاح غير المنضبط وحصره بيد المؤسسة العسكرية الوطنية، والمحافظة على السلم الأهلي وحماية الاستقرار في المرحلة الانتقالية، والمساهمة في توفير البيئة الآمنة لمرحلة التعافي بهدف الوصول إلى حل سياسي وعملية سياسية ذات مصداقية وفق قرارات الأمم المتحدة وتطلعات الشعب السوري”.

ولفت أن “المجلس العسكري” يعمل حالياً على ترتيب آلية العمل الخاصة به للمرحلة المقبلة وفق الإمكانات الدولية.

ويحضرني في هذا المقام حديثاً جرى بين والد مناف العماد مصطفى طلاس وزير الدفاع وبين الشيخ أحمد الإمام (الشيخ المجهول) في لقاء جمعهما في قيادة الأركان عام 1976، حيث راح طلاس يتحدث عن نيته-وقد قرب سن تقاعده-إلى التفرغ للكتابات الإسلامية والتاريخية، فتبسم الشيخ وقال للعماد: "الإسلام ليس بحاجة للكتّاب وهم كثر، الإسلام بحاجة إلى هذه الرتب والنياشين التي تملآ كتفيك وصدرك"، وسارع العماد بالقول: سنكون عند حسن ظنك يا شيخ أحمد.

فإذا كان هذا المجلس العسكري سيكون نتاج مقايضة أو تسوية بين النظام والمعارضة، كحال اللجنة الدستورية المشتركة، والمشكلة بقرار أممي في 23 سبتمبر/ أيلول 2019، فلا يوجد البتة ما يدعو إلى التفاؤل أو يؤيد ذلك بتجربة عشرة أعوام، وعشرات الجلسات التفاوضية، إذ لم يقدّم النظام أي شيء، بل ولم يعقد ولا جلسة واحدة جدّية مع وفود المعارضة، سواء في جنيف أو في أستانة أو في اللجنة الدستورية.

على ذلك، ما الجديد في هذه الدعوة، وإلى ماذا يستند طلاس في طرح فكرته؟ الآن، على فرض أن النظام وافق على طرح كهذا فما هي القوة، أو من أين سيستمد المجلس العسكري المفترض قوته العسكرية، مع معرفتنا بطريقة عمل النظام، وأنه هو الوحيد الذي يمتلك القدرات والقوات العسكرية.

من ناحية أخرى، يبدو أن هذا الطرح يستند إلى الوهم ذاته الذي وقعت في إساره المعارضة، منذ عشرة أعوام، أن النظام الدولي سيجبر الأسد على التنازل، إلى هذه الدرجة أو تلك، لكن تلك مخاطرة أخرى، فليس في الأفق ما يشير إلى توجهٍ كهذا لدى الأطراف الخارجية لفرض أي نوع من الحلول لاستعادة الاستقرار إلى سورية، وبالأخص لا يوجد لدى الولايات المتحدة، وهي برأيي صاحبة القرار في هذا الشأن، أي توجّه في المدى المنظور لحسم الصراع في سورية.

وفي حال أخرى، أي في حال كان الطرح يتعلق بتشكيل مجلس انتقالي عسكري، كجهة معارضة، فهذا سيكون أكثر صعوبة وتعقيداً، لن يُعتدّ بهذا المجلس شعبياً، ولن يشكّل خشبة خلاص، ولا توجد أطراف دولية تدعم هذا الطرح، بشكل جدّي.

وإذا ذهبنا إلى مقاربة تاريخية، مثلاً، فللأسف ليس لدينا ديغول سوري، يحظى، بسبب سمعته ومواقفه، بما حظي به ديغول من الفرنسيين، وليس لدى السوريين حلفاء، مثلما كان لدى الفرنسيين إبّان حكم بيتان (الموالي لألمانيا النازية)، بل عانى الشعب السوري كثيراً جرّاء تنكر ما سمي معسكر الدول "الصديقة" له.

أما إذا أردنا مناقشة هذا الطرح في تجارب الربيع العربي، فسنجد أنه لا توجد تجربة تؤيده، ففي معظم البلدان التي شهدت الثورات آلت الأمور إلى هيئات عسكرية أخذت بلدانها إلى عكس اتجاهات التطور الديمقراطي، ومثال ذلك مصر وتونس.

والسبب الأساسي في الوضع السوري يعود إلى حرمان الشعب السوري من النشاط السياسي، والنشاط الحزبي، وحرمانه من حرية الرأي، كذلك فإن من أسباب ذلك الفشل احتكار النظام القوة، وتشكيله وحدات عسكرية على عقيدة "سورية الأسد إلى الأبد"، أي عقيدة حماية النظام. وبالتأكيد، من ضمن تلك الأسباب ارتهان القوى المهيمنة في المعارضة للأجندات الخارجية. ما يعني أن الأَولى بالجنرال طلاس، وغيره، من سياسيين وأكاديميين ومهنيين وعسكريين، شدّ الهمم باتجاه إيجاد منبر يعبّر عن السوريين، عن آمالهم وطموحاتهم، لعزل أي كيانٍ يعبّر عن أية أجندات أو ارتهانات خارجية، منبر يرون فيه أنفسهم، ويغذّون فيه الأمل بغدٍ أفضل لهم ولبلدهم، ويتحدّث عن حلول واقعية ويتجاوز فكرة أن العسكر وحدهم مؤهلون وغيرهم لا، لأن المعارضة "الخارجية" جرّبت على قياس ذلك بنسب التأهيل والوطنية لنفسها فقط، وأبعدت كفاءاتٍ مدرّبة تحت ذريعة أنّهم بقايا نظام سابقاً، وقد اكتوينا جميعاً منها. ومع ما سبق، إن كان المجلس العسكري متاحاً تحت أيّ عنوان، لن يكون أسوأ مما هو الحال الآن، ومرت على سمرية تجارب المجالس العسكرية التي حكمت سورية على مدار عهد استقلالها (1949-1970) ولا تزال تُكتوى بنار هذه المجالس العسكرية، التي كانت على الدوام تدير ظهر دباباتها للعدو الصهيوني وتوجهها إلى صدور وظهور شعبها العارية.

أخيراً نتمنى على ضباط جيشنا المحترمين الذين لم يفعلوا شيئاً للثورة السورية وهم على رأس عملهم، ويقودون الطائرات والدبابات والمدفعية وراجمات الصواريخ وفرق المشاة والمظليين، أن لا يفكروا بإعادة حكمنا عن طريق قرارات تشكيل مجالس عسكرية تصدر عن أعدائنا في واشنطن ولندن وموسكو وباريس وطهران وجنيف؛ وهم عُزل لا يملكون البندقية، ويدعوا الأمر للشعب السوري صاحب الثورة ومفجرها لأخذ المبادرة وتشكيل القيادة التي يجد فيها الأهلية لقيادة السفينة إلى بر الأمان.

صبرنا كثيراً وقدمنا أرواح أبنائنا على مذبح الحرية بالملايين، وقبلنا بهجرة أبنائنا ونزوحهم في مشارق الأرض ومغاربها، ولم يعد لدينا ما نخسره، ولهذا نرفض تجربة المجالس العسكرية التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه.  

المصدر

 

*صحيفة جسر-12/6/2023

*العربي الجديد-22/6/2023

*أدباء الشام-الشيخ المجهول

وسوم: العدد 1036