النعــم ... لمنافع العباد

يعيش المسلمون في هذه الأيام بمشاعر الفخر والاعتزاز وهم يتذكرون مالهم من قيم عاليات ، وأمجادٍ باهرات ، وتاريخ يشهد بالمآثر الغاليات التي تخدم الناس في شتى بقاع الأرض ... فتدمع العيون وتغشى النفوس الحسرات على مامضى من مجد وسؤدد ، وماكان لهذة الأمة من مكانة عالمية . ورغم ذلك فإنهم يعبرون في كل المناسبات عن صفاء فطرتهم التي جبلهم الله سبحانه وتعالى عليها ، وما حباهم من مزايا وصفات لاتجدها عند غيرهم من الشعوب . فما زالوا ولله الحمد والمنَّة يتمتعون بروح التعاون والتكافل ، ويقدرون قيمة الأعمال الاجتماعية ، كمشاركة الناس أحزانَهم وأفراحهم وإدخال السرور على مَن احتاج المساعدة ، وبذل ماتيسر مما حفظته أسفار المآثر لديهم ، بل ويندفعون باذلين كلَّ ما بوسعهم لأرحامهم ولجيرانهم ، ولمَن مــدَّ يـده للمساعدة ، وهــم يدركون ماوراء هذه المعاني النبيلة والصفات الغالية من سلوك يحتضنه الصدق والإخلاص والإيثار ، وتدفعهم مشاعرهم للسعي في كل السبل التي تخدم أبناء مجتمعهم ، متمنين لبقية الناس الخير والعافية والتوفيق . ممتثلين تنفيذ أوامر الباري سبحان ، وهو يحثهم على فعل الخير ، يقول الله تعالى : ( فآتِ ذا القربى حقَّه والمسكين وابن السبيل ، ذلك خير للذين يريدون وجه الله ، وأؤلئك هم المفلحون ) 38/الروم . ولقد خصَّ الله سبحانه وتعالى هذه الأمة بخصائص لم تكن لغيرها ، فهي خيرُ أمة أُخرجت للناس ، وأفضلُ أمة أنزل الله على نبيِّها صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم ، فسادت الدنيا بعدلها ورحمتها ومآثرها التي يحفظها أبناؤُها على مدى الأيام . وتتغنى بها القرون إلى الأبد بمشيئة الله عــزَّ وجلَّ . ولأُمتنا رصيدها الحافل بأعمال البر منذ عهد النبوة إلى يوم الناس هذا . فهي أمة الخير ، بل هي الأُنموذج الصالح المميز ليكون القدوة بين الأمم والشعوب . وهي الأمة التي ترجمت وحي السماء ، وقيم الإسلام إلى سلوك ارتقى بالناس ، ومنحهم الرخاء والأمن ، من خلال توفير الأسباب التي تؤكد على مصالح الناس ، وفي الأثر الشريف : ( أنَّ مَن بات آمنا في سِربه عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا ) ، وهذا باب من أبواب ، وموئل كريم في تحقيق شكر الإنسان لربه في السَّراء والضَّراء ،وكتب السِّير والتاريخ تزخر بما كان عليه الآباء والأجداد من حب للخير ، ومساعدة للمحتاج ، و وقوف مع اليتيم ، ومواساة لكبار السِّن ، واهتمام بكل شرائح المجتمع ... تلك الشرائح التي تعمل على إسعادها الأيادي المباركة التي تحس بآلام المحتاجين ، وتمتلك ــ بفضل الله ــ القدرة على مواساتهم والنهوض بهم . ومن هنا كانت هذه المزايا سمة من سِمات هذه الأمة ، وصفة من صفات أبنائها التي ملأت أخبارُهم بمآثرها دنيا الناس ،ومن هنا أيضا كان المحسنون ، أهل الجود والفضل ، هم الذين عناهم نبيُّنا صلى الله عليه وسلم ،فقد خرَّج الطبراني عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ للهِ أقوامًا اختصَّهم بالنِّعم لمنافع العباد يقرُّهم فيها مابذلوها ، فإذا منعوها نزعها منهم ، فحوَّلها إلى غيرهم ) فأسرع أهل الفضل والجود للدخول في ديوان مَن اختصهم الله بهذه المكانة العالية في الدنيا وفي الآخرة . ومن هنا تعددت المكرمات ، وتنوعت العطاءات ، وشملت المساعدات آلاف الناس من المحتاجين وأسرهم ،.ومن هنا جاءت الضوابط والموازين لنجاح عمليات البر وتوزيع المنافع على المحتاجين ، والتعرف على مشاكل الناس والوقوف على احتياجاتهم ، ومن هنا أيضا كان البحث المكتبي والميداني ، وكان رصد المعلومات التي تؤكد حقَّ المحتاج من جهة ، وتحمي العمل الخيري من التعثر والفشل .

فطوبى لِمَن حمل لـواء الخير ، وعمل لإبراز قيمة الأعمال الخيرية وكيفية تحويل القيم الإسلامية الأثيرة إلى سلوك ذي أثر فاعل في حياة مجتمعاتنا الفاضلة الكريمة . وهي مساهمة أيضا للتعبير عن صدق رواد العمل الخيري ، وعن الآثار الكبيرة لرحمة الإسلام بالعباد ، ودفعه الأذى عنهم أذى الجوع والفقر والمرض والبرد ... بل حتى أذى الفراغ القاتل الذي يشعر به المحروم من معطيات الحضارة الحديثة ، فلا يشارك أبناء حيِّه أو مدينته بما حباهم الله من تقنيات وأجهزة تعليمية وغيرها . فكانت الأعمال الخيرية بابا لتعليم هؤلاء وتثقيفهم والأخذ بأيديهم بعد ذلك إلى مواطن العمل والإنتاج . وجزى الله المحسنين خير الجزاء على مساهماتهم الكريمة للفقراء والأيتام والمحتاجين من أطفال وأبناء المسلمين . فالعمل الخيري تعبيرٌ عن وعي لدى المحسنين من أجل الإصلاح ، وفيه استثارة لكوامن الأخوَّة في الإسلام ، كوامن الحب والرحمة والتواد ،فالمحسنون هم الذين يجلبون أسباب الاستقرار النفسي للفقراء والمحتاجين ، ويدفعون عنهم ــ بإذن الله تعالى ــ عواقب الفاقة والعوز ، من جنوح إلى الشر ، وميل إلى تعاطي المخدرات ، وفعل الموبقات . وحسب القائمين على إدارة العمل الخيري بصدق وإخلاص مع إخوانهم من أهل الإحسان والجود أنهم يحمون مجتمعهم من مظاهر حرمها الله تعالى كالسرقة والتَّعدي على حقوق الآخرين وقد لاتخلو الرحلة مع العمل الخيري من بعض المنغصات والتصرفات والمواقف التي تبعث على الحزن ، ولكنَّ الذي يتصدَّى للعمل الخيري لابد له من سعة الصدر والصبر والتسامح والتسامي واستيعاب حالات الكدر التي لاتخلو منها معاملات الناس مع بعضهم . والأخذ بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم والتعرف على طبائع الناس ، واحتواء النزعات والرغبات والأهواء ،والعفوُ والصفحُ والتسامح والنصح ... هي من بعض نسيج العمل الخيري الناجح ، والعمل الخيري لايرضى الحماقة ولا الإساءة ، وإن استثارة كوامن الفطرة تؤكد وعلى الأخص في هذا المجال على تفعيل الدور الحقيقي للإيثار بكل ماتحمل هذه الكلمة من رصيد سام كريم . وتؤكد أيضا على البذل ، وليس بذل المعونة النقدية أو العينية وحسب ، وإنما بذل الكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة ، وهذا مايؤلف القلوب ، ويبعد القائمين على العمل الخيري عن كل أسباب التراخي والإحباط .

إضــاءة :

قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : ( تَرى المؤمنينَ في وتوادِّهم، وتراحمِهم ، وتعاطُفِهم، كمثلِ الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تَداعَى له سائرُ جسدِه بالسَّهرِ والحُمَّى ) . أو كما قل صلى الله عليه وسلم .

وسوم: العدد 1038