الفتنة والقتل: الرابط بين حادثي السويد وفرنسا!
ما تزال ارتدادات الحادثين اللذين جريا قبل أيام في السويد وفرنسا مستمرة، ورغم أن الواقعتين جرتا في بلدين أوروبيين متباعدين جغرافيا، وأن الأولى أثارت ردود فعل عالمية، فيما انعكست الثانية اضطرابات داخلية كبيرة، فإن حصولهما في قارّة واحدة تتمتع بالغنى الماديّ والرقيّ الحضاري والنظام الديمقراطي، وكون موضوعهما يتعلّق بالعرب والمسلمين يجعل من دراسة عناصر التشابه، أو الاختلاف، أمرا مفيدا في عالم يزداد تعقيدا، وتتصاعد فيه إمكانيات الاضطراب والتصدّع واشتداد نزعات العنصرية وكراهية الآخر والصراعات الأهلية.
في الواقعة الأولى، قام لاجئ عراقي مقيم في السويد بمجموعة من الأفعال المقصود منها تأجيج الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، ورفع وتيرة الاستفزاز والتحريض إلى ذرى عالية. لم يكتف سلوان موميكا بدوس المصحف عدة مرات وإحراق صفحات منه أمام 200 من الشهود في المسجد الكبير في ستوكهولم، خلال عيد الأضحى ومناسك الحج، بل قام أيضا بمسح حذائه بالصفحات ووضع لحم الخنزير عليها وإضرام النار بالمصحف، وقد جرى كل ذلك تحت حماية الشرطة السويدية «تماشيا مع حرية التعبير».
حضرت الشرطة في الواقعة الفرنسية، ولكن ليس لحماية «حرية التعبير»! أوقف شرطيّان درّاجان سيارة الفتى ناهل (أو نائل) وقام الأول بتوجيه سلاحه الناريّ إلى رأس الفتى رغم أن الأمر يتعلّق بمخالفة مرورية، وحين حرّك المراهق، ابن السبعة عشر عاما، السيارة، تشارك الشرطيان قرار القتل، حيث طالب الأول زميله بقتله، وقام الثاني، من دون تردد بذلك!
آخر ردود الفعل على الحادثة الأولى جاء من «التعاون الإسلامي» وهي منظمة تضم 57 دولة، وقد دعت بعد اجتماع لأعضائها، أمس الأحد، لاتخاذ «تدابير جماعية لمنع حوادث تدنيس المصحف» داعية إلى «التطبيق العاجل للقانون الدولي الذي يحظر بوضوح أي دعوة إلى الكراهية الدينية» وهما إشارتان واضحتان، الأولى تقول إن الدول الإسلامية ستتضامن في الرد على حوادث مشابهة، والثانية تقول إن القانون، الذي تذرعت به الحكومة السويدية للسماح لموميكا وشريكه (وقبلهما راسموسن بالودان) بتدنيس المصحف، يتناقض مع القانون الدولي الذي يمنع الكراهية الدينية.
توسع العنف الذي بدأ في ضواحي العاصمة الفرنسية، إثر مقتل الفتى من أصل جزائري، ليصبح أعمال شغب خطيرة في المدن الأخرى، استهدفت مقار الدولة والأمن والسيارات الخاصة ونهب المحلات، وكان آخرها الهجوم على منزل رئيس بلدية، وحاولوا إحراقه، فأصيبت زوجته بجروح، ثم امتدّت الاشتباكات إلى بلجيكا وسويسرا، فيما عبر المستشار الألماني، أولاف شولتس، تعليقا على إلغاء زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن تخوفه من تزايد عدم الاستقرار في فرنسا.
يشير انتقال الاحتجاجات إلى بلجيكا وسويسرا إلى «العامل الفرنسيّ» في الموضوع، فهل يمكن وضع الواقعة السويدية والفرنسية ضمن إطار متقارب، رغم اختلاف طبيعة الحادثتين، حيث استهدفت، في الأولى ثقافة المسلمين ومقدساتهم، بينما يتعلّق الأمر في الثانية بالصراع المستعرّ بين السلطات الأمنية الفرنسية وشبان الأقليات المهمشين والمفقرين في ضواحي باريس والمدن الأخرى، وهل هناك قضية تجمع بين الحادثتين، وترتبط بالنظم السياسية الغربية، وتعبيراتها الأمنية والقضائية، أم أن لا علاقة تربط بين الحدثين؟
يمكن شرح الأمر، بداية، بالمثال الفلسطيني، الذي تقوم فيه «الدولة القومية للشعب اليهودي» (كما تعرّف عن نفسها) باستهداف الثقافة الفلسطينية، متمثلة في الدينين الإسلامي والمسيحي، ورموزهما ومقدساتهما، وهو أمر يشابه ما حصل في السويد، وكذلك ما يحصل، بطرق أخرى ممنهجة، في فرنسا، فيما يخص الإسلام.
من جهة أخرى، تذكّر حوادث القتل المرورية في فرنسا، ببساطة، بعمليات القتل والاغتيال اليومية التي تقوم بها سلطات الأمن الإسرائيلية (والمستوطنون في بعض الأحيان).
الرابط واضح ومفهوم غير أن التبريرات مختلفة، وكما يقول القرآن «الفتنة أشد من القتل» فإن تيارات العنصرية المتصاعدة في أوروبا، التي تقوم عمليا باستهداف الإسلام تحت ذرائع وحجج كثيرة، تقوم، في الوقت نفسه، بتبرير القتل، كما فعلت مارين لوبان، أخيرا، بذرائع وحجج كثيرة أيضا.
وسوم: العدد 1039