مرض إسرائيل الذي لا شفاء منه!

بعد نقله إلى المشفى السبت الماضي نتيجة «اضطراب في ضربات القلب» أعلن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أمس الأحد أن «صحته ممتازة» وأنه سيحضر جلسة التصويت النهائي في الكنيست، اليوم الاثنين، على بند ضمن مخطط تشريعي يسعى لتأمين سيطرة الجهاز التنفيذي (الحكومة) على القضاء (المحكمة العليا) وللحد من قدراته على إبطال قرارات الحكومة والوزراء، وهي الخطة التي أثارت احتجاجات شعبية إسرائيلية كبيرة ضدها، وجوبهت برفض وتصريحات استنكار من الولايات المتحدة والغرب.

عودة نتنياهو بعد التدهور المؤقت في صحته ستبدأ الخطوة العملية في ما يعتبره المحتجون الإسرائيليون، وكثير من الدول الغربية، «انقلابا» ينهي «الطبيعة الديمقراطية» للدولة اليهودية.

لنتنياهو مصلحة شخصية في هذا القرار كونه يواجه اتهامات قانونية، ويتحالف مع وزراء لديهم أحكام جنائية صادرة ضدهم (وقد نجحت المحكمة العليا في منع أحد حلفائه المتهم بالاحتيال، أرييه مخلوف درعي من استلام منصب وزير الداخلية) وتبدّت هذه المسألة مؤخرا بجلاء في إعلان المحكمة العليا النظر في التماس لتنحية نتنياهو عن منصبه «بسبب تضارب المصالح».

رغم هذه المصلحة المباشرة لنتنياهو وحلفائه بالتعديلات فإن تمرير الكنيست للمشروع، اليوم، يتجاوز، كثيرا، موضوع تغوّل السلطة الإسرائيلية، وانفلاتها من رقابة القضاء.

لا أحد، على أية حال، يعرف معنى «تغوّل» إسرائيل وانفلاتها من رقابة القضاء المحلّي والعالمي، ومساهمة أركان ديمقراطيتها العتيدة الثلاثة: الحكومة، والكنيست، والقضاء، أكثر من الفلسطينيين، الذين يبدو الطرفان، العلمانيون والمتدينون، الديمقراطيون وغير الديمقراطيين، غير آبهين بوجودهم.

إذا كانت مخاوف المحتجين الإسرائيليين من أن تحلل الحكومة من محاسبة القضاء يعني ضعف الديمقراطية الإسرائيلية، وسيطرة الصهيونية الدينية على الدولة، فإن ذلك يعني لدى الفلسطينيين، الذين شهدوا النكبات والنكسات والتهجير والاستيطان، أن التغوّل لن يطال حقوقهم المتواطأ عليها من كافة فئات المجتمع الإسرائيلي فقط، بل سيطال وجودهم كله.

يتحدّث الإسرائيليون اليوم عن تهديد نتنياهو وحلفائه للعلمانية والديمقراطية والليبرالية، وعن خطر تفكك الإجماع الإسرائيلي الذي أسس الدولة، غير أن ما يراه الفلسطينيون، اتحادا خطيرا لحكومة العنصريين المتطرّفين مع المستوطنين الأكثر خطرا وتطرفا.

حسب الصحافة العبرية فإن سموتريتش بصدد ضم كامل الضفة الغربية، بادئا ذلك بتشريع وحماية أعمال نهب المستوطنين لأراضي الفلسطينيين (يتحدث عن حصول ذلك خلال شهر) تحت مسمى هدم أبنية الفلسطينيين التي تتعارض و«الأمن القومي» للدولة، وفي الوقت الذي يتركز فيه عمل المعارضة الإسرائيلية على منع «انقلاب» نتنياهو، «يستعد المستوطنون الموجودون في الحكومة للدفع بقواتهم للسيطرة على الضفة كلها».

ما يحصل في إسرائيل هو تحصيل حاصل للتناقض الوجودي بين فكرة بناء دولة ديمقراطية علمانية، وفكرة دولة يهودية تحتلّ أراضي الفلسطينيين. الاختلال موجود في بنائها وتعريفها لنفسها وفي مقوّمات استمرارها الذي يناقض الديمقراطية والعلمانية والشرع الإنسانية والدولية والأممية. مشروع مريض لا شفاء له.

وسوم: العدد 1042