المسافة بين نابلس والكنيست: «قلق الوجود» وتكريس الأبارتايد
ليس ثمة فارق سياسي أو أخلاقي بين وزير دفاع في دولة الاحتلال الإسرائيلي يغرد مهنئاً جنوده بتنفيذ إعدام ميداني فاشي بحقّ ثلاثة من الشبان الفلسطينيين عند بوابة الطور في مدينة نابلس، والوزير ذاته الذي تلقى قبل نهار واحد فقط توبيخاً من رئيسه في الحكومة بنيامين نتنياهو لأنه نصح بتأجيل جلسة الكنيست المخصصة للتصويت على البند الأول في التعديلات القضائية.
وكي تكتمل جريمة الحرب الموصوفة في نابلس، عمد جيش الاحتلال إلى تطويق مسرح الاغتيال ومنع سيارات الإسعاف من الوصول إلى المكان والاحتفاظ بجثامين الشهداء، وفي المقابل توجب على الوزير المغرد أن يلتحق بالقطيع في الكنيست فيصوت لصالح إبطال «ذريعة المعقولية» التي كانت تمنح المحكمة العليا وقضاة الوزارات الاستشاريين مساحة مناورة ضئيلة لتدقيق قرارات السلطة التنفيذية.
الأرجح من زاوية أخرى أن عشرات آلاف المتظاهرين الإسرائيليين، رافعي شعارات الحفاظ على «ديمقراطية» دولة الاحتلال، لم يسمعوا أو أصموا الآذان عامدين عن مشروع القانون الذي تقدم به عضو الكنيست يتسحاق كرويزر عن حزب «القوة اليهودية» المتطرف، والذي يجيز فرض عقوبات السجن بأحكام طويلة على الأطفال المقدسيين في سن 12 عاماً، ويكرس التمييز العنصري بين هؤلاء وأطفال الضفة الغربية الذين يتمّ إخضاعهم لأوامر عسكرية مختصة بالأحداث. ورغم انتهاك القانون لجميع وأبسط الاتفاقيات الدولية العالمية حول حقوق الطفل، ووجود نحو 160 طفلاً فلسطينياً في سجون الاحتلال، فإنّ القلقين على مستقبل «الديمقراطية» الإسرائيلية لا يعنيهم هذا الانتهاك الفظيع والبربري.
كذلك فإن أسف الإدارة الأمريكية في أعقاب تصويت الكنيست، و«القلق الشديد» الذي انتاب الرئيس الأمريكي شخصياً، ومظاهر الارتباك التي أصابت كبار أصدقاء دولة الاحتلال في العواصم الأوروبية كما في أعمدة الصحف الكبرى وشاشات التلفزة، لم تُفسح أي هامش للمساءلة أو حتى التساؤل بصدد القوانين الأخرى المناهضة لحقوق الإنسان التي تستهدف الفلسطينيين وتعكف على استصدارها الحكومة الأكثر عنصرية وتطرفاً وفاشية في تاريخ الكيان. ولا غرابة في هذا الكيل بأكثر من مكيال، فالخرافة القديمة التي تزعم أن دولة الاحتلال هي الواحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط افتُضحت وتآكلت واندثرت في كلّ ميدان ما خلا رؤوس أنصار الاحتلال في واشنطن ولندن وباريس وبرلين وسواها.
وكل هذا بصرف النظر عن حقيقة ارتباط الجهاز القضائي بمنهجية دولة الاحتلال في ملفّ محوري مثل الاستيطان، إذ سبق للمحكمة العليا ذاتها أن رخّصت لجيش الاحتلال إفراغ قرى بأكملها من سكانها أو هدمها وتحويل ملكية أراضيها إلى المجموعات الاستيطانية، إضافة إلى أن نزعة التشدد الديني طالت أيضاً العديد من القضاة خاصة أولئك الذين يتحدرون من مستوطنات في الضفة الغربية.
لذلك فإن الحوافز التي تدفع آلاف الإسرائيليين إلى الاعتصام والتظاهر قد تخصّ بالفعل طرازاً من القلق «الوجودي» حول بقاء الكيان وجملة الحقوق والضوابط التي تحكمه في غياب أي دستور، لكنها ليست مجتزأة وناقصة وتمييزية بشأن الفلسطينيين فحسب، بل هي حوافز قد تنتهي في معظمها إلى تقصير المسافة بين جرائم الحرب في نابلس وتشريعات الأبارتايد في مبنى الكنيست.
وسوم: العدد 1042