في فقه المولد
سأتجاوز في هذا المقال، اللجاجة حول ثنائية نحتفل بذكرى المولد أو لا نحتفل، فشخصي الضعيف متبع للرهط من أهل العلم القائلين بجواز الاحتفال، جوازه وليس وجوبه، بطرائق ورسوم وحدود...
نفرح ونغتبط ونكثر من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، ونذكّر بما ثبت من صفاته وأخلاقه رجاء الاقتداء والاتباع. ونتوقف عند غير ذلك، بل ربما ننهى عن غير ذلك مما أحدثه بعض الناس مما يدخل في باب المنكرات...
منذ أيام ذكّرتُ بحكم شرعي قرره عالم متمكن، فرد عليّ بعضهم قال "الإمام البوصيري..."
وأحببت أن أبين في هذا المقام أن البوصيري صاحب البردة، التي نكثر من التغني ببعض ما فيها - وأنا في ذلك واحد منكم- ، ليس إماما لا في العقيدة، ولا في الفقه، ولا في الحديث. وأن بردته لو عرضت على العقل العلمي الشرعي لكان للعلماء فيها كثير من المقال...
البوصيري مجرد شاعر من شعراء القرن السابع الهجري، فقوله فيما قال ليس مرجعا. وحكاية مرضه وشفائه وتلقيه البردة الشريفة كل ذلك يحتاج لكي يمر في دين الدعوة إلى التعقل إلى اجتياز مهامه فيح...
أقف بكم عند قول البوصيري:
دَعْ مـــا ادَّعَتـــهُ النّصـــارى فـــي نبيِّهِـــمُ
واحكُمْ بما شئتَ مدحًا فيه واحتَكِمِ
وانسُبْ إلى ذاتِه ما شئتَ مِن شرفٍ
وانسُبْ إلى قدرِه ما شئتَ مِن عِظَمِ
فـــإنّ فضـــلَ رســـــــــولِ اللهِ ليـــس لــــــه
حـــدٌّ فيُعْــــرِبَ عنــــــه ناطــــقٌ بفـــــــمِ...
فهذا القول لو أخذ على ظاهره، وأنا لا أفعل وأرجو أنك لا تفعل، وأرجو أن الشاعر البوصيري لم يرد هذا؛ أقول هذا القول لو أخذ على ظاهره فهو دعوة مفتوحة إلى الافتراء والكذب في شأن تعظيم أمر رسول الله، غير أن تترك واحدة وهو نسبة البنوة لله!! ولا أعتقد أن البوصيري رحمه الله تعالى أراد هذا، ولا أعتقد أن عقلا يفهم هذا، دع ما ادعته النصارى ثم قل ما شئت من صدق ومن غيره، في تعظيم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم...!!
وفي الحديث الصحيح "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم, إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله"
ويشتق منه قوم أن المنهي عنه من الإطراء فقط بما قالت النصارى في عيسى ابن مريم، وما قالت اليهود في عزير..؛ وهو فهم لا يليق بعربي يفقه آفاق الكلام العربي...
فالنهي عن الإطراء بالباطل منهي عنه، وأخصه ما قالت النصارى..
لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبيح للناس أن يتزيدوا ما شاؤوا - كما يقول البوصيري- من نسبة أفانين الفضل العام والخاص لمقامه الشريف..
لم يكن في مقام الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه شبهة نقص، أو ثلمة ضعف ، فنجبرها أو نسدها بأحاديث أهل الخفة، أو موضوعات أهل الرعونة. لم يكن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجة البالغة، والمعجزات الباهرة التي ثبتت بالأدلة الصحيحة محتاجا إلى التزيد فنتزيد، كذبا وزورا ويزعم بعضهم أنه يريد أن يكاثر الأمم ، فموسى كانت عصاه حية، وعيسى أحيا الموتى وشفى الأكمه والأبرص وإبراهيم من قبل كانت ناره بردا وسلاما، وجاءته الطيور المبضّعة تسعى...
في إنجيل النصارى من معجزات الولادة، حتى علماء مجوس وصلوا إلى بيت المقدس ليسألوا عن الوليد الذي طلع نجمه!! ومثله عندنا ورأت أمه حين وضعته نورا ... ، وولد رسول الله مختونا مكحولا مدهونا، ونزل لحظة ولادته ساجدا، وانشق إيوان كسرى، وغاضت بحيرة ساوة، وأطفئت نار المجوس.. أما تسأل نفسك أليس تنكيس أصنام قريش كان أقرب وأولى ؟؟ ولكن هذا النبي العظيم علمنا أن تنكيس الأصنام يكون بالجهد والجهاد والحكمة والصبر على اللأواء...
في بحبوحة الحق مما ورد في عظيم فضله وجميل ذكره ما يكفي ويُغني,,,فاتقوا الله وكونوا مع الصادقين...
وأحذر أن أقول غير حق أملك خطامه...
ونصلي ونسلم على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين...
وسوم: العدد 1051