سلسلة المرأة كما قدمها القرآن الكريم من خلال نماذج لن تشذ عنها بنات حواء إلى قيام الساعة

( الحلقة الأولى )

على إثر صدور الأمر الملكي السامي لمن يهمهم الأمر بمراجعة مدونة الأحوال الشخصية ،  تجند لوبي الحداثة والعلمانية  عندنا كي يوطد لأطروحاتها الخاصة بالمرأة سعيا وراء الضغط على من كلفوا بالاشتغال على هذه المراجعة  المنتظرة لتمرير ما لا ينسجم مع  مدونة الأحوال الشخصية الإسلامية من دخيل العلمانية الغربية التي تركب المؤسسات الدولية لفرض هويتها على كل هويات  شعوب  العالم بما في ذلك شعوب البلاد الإسلامية ، وذلك  تحت شعار تعميم مبادىء  وقوانين وأعراف تنعت بالدولية ، وهي في حقيقة أمرها علمانية متوحشة محضة ، تضغط  وتهدد من لا ينصاع لها ، ولا يوقع عليها  مجبرا  بقرارات زجرية  وعقوبات قاسية  .

وتنويرا للرأي العام الوطني بخصوص وضع المرأة في دين الإسلام ، ارتأيت في هذه السلسلة من المقالات المتتابعة  استعراض النماذج النسائية الوارد ذكرها في كتاب الله عز وجل ، وذلك من خلال وقفات تأملية ،أتوقع أن تفيد من لا علم  سابق لهم بحقيقة  تلك النساء ، كما أتوقع أن تصحح كل لبس محتمل بخصوص أحوالهن عند آخرين ، وأرجو ترسيخ ما صح من تلك الأحوال لدى من صحت معرفتهم بهن  ، وأخيرا أسعى إلى دحض مقولات من  يتقولون على كتاب الله عز وجل ، ويتجاسرون عليه افتراء عليه فيما يتعلق  بموضوع المرأة ووضعها في دين الله عز وجل ، طمعا في  ترجيح كفة الأطروحات العلمانية الدخيلة على مجتمعنا المسلم متحينين  فرصة ظرف مراجعة مدونة  أحوالنا الشخصية ، وهي مراجعة بعد اكتمال دين الله عز وجل على ما يزيد عن خمسة عشر قرنا .

وقبل الشروع في الحلقة الأولى من هذه السلسلة ، لا بد من الإشارة إلى أن شريحة مسوقي مراجعة أو تعديل هذه المدونة، إنما هم مجرد أذناب أو أبواق للعلمانية  الفرنسية تحديدا، وهم يستقوون بها ،مع أنه قد سقط قناعها ، وبدا من شرها ما كان طي الكتمان، والله المستعان على ما يكيدون، وما يمكرون، وهو خير الماكرين .

إن أول النماذج النسائية الوارد ذكرها في كتاب الله عز وجل في هذه السلسلة هي أم البشرية حواء عليها السلام، والتي جاء الحديث عنها  في سياق  ذكر خطيئة آدم عليه السلام التي أخرجته  وإياها من الجنة  بسبب وسوسة وإغراء الشيطان الرجيم لهما حسدا من عند نفسه الخبيثة . ولم يذكر القرآن الكريم اسم زوج آدم كما ذكر اسمه ، وليس في ذلك ما ينقص من قدرها  كما قد يلمح  البغض إلى ذلك  ممن يفترون الكذب على كتاب الله عز وجل ، بل في وصفها بزوج آدم عليهما السلام تشريف لها، وقد جعلها الله تعالى أول امرأة تقترن بأول نبي عليهما السلام ، وأي شرف تتمناه المرأة من شأنه أن يكون أعظم  وأسمى من هذا الشرف الرفيع . ودفعا لكل شبهة يرام من ورائها الإيحاء بتفضيل آدم على حواء،  نشير إلى أن  القرآن الكريم جعلها شريكة له شراكة  كاملة غير منقوصة في كل الأحوال التي مرا بها معا وهما في الجنة  . ولم يرد في القرآن الكريم ما يفهم منه  بتخلفها أو غيابها عن تلك الأحوال، بل خاطبهما  الله تعالى معا حين أمرهما بالسكن في الجنة ، والأكل من شجرها ، وحين نهاهما معا عن الأكل من الشجرة الممنوعة ، وحين حذرهما  معا من  كيد عدوهما إبليس اللعين .

 ففضلا عن تشريف حواء بوصف الله تعالى لها بأنها زوج آدم عليهما السلام، فإن لفظة زوج  في اللسان العربي المبين ، يوصف بها كل شيء له  طرفان متساويان ، لهذا لا يمكن أن يزعم أحد أن زوج الجورب أو الخف على سبيل المثال يوحي بالتمييز أو المفاضلة بينهما، وكل ما يمكن اعتباره تميّزا  بين هذين الزوجين  مما ينتعل ،هو جهة ارتدائهما يمنة أو يسرة . وبناء على هذا، فالزوجان البشريان آدم وحواء عليهما السلام سيّان في كل أحوالهما في الجنة ، وكذلك في الأرض ، ولا يميزهما عن بعضهما سوى  جنسهما  الذي اقتضته إرادة الله تعالى كي تكون لهما ذرية ، وهما سيّان في دورهما في الإنجاب دون تفاضل، لأن دور كل واحد منهما يتوقف على  دور الآخر، وبينهما في ذلك تعادل وتكافؤ ، والذرية بينهما نتيجة مشتركة ،لا فضل فيها لطرف على آخر .

ويكفي الاستشهاد على ما تقدم بقول الله تعالى : (( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ))، ففي هذه الآية الكريمة تسوية بين آدم وزوجه أمرا، ونهيا . والاستشهاد بقوله تعالى أيضا  : (( فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكون من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ونادهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون  )) ، ففي هذه الآيات الكريمة ، نلاحظ هيمنة ضمير المثنى سواء  في الغيبة أوفي الخطاب ، فهو دال على آدم وزوجه، فكلاهما تعرض لوسوسة الشيطان الرجيم، وكلاهما صدقه ، وانصاعا معا  له بالأكل من الشجرة ، وحصل من كليهما الخصف من ورق الجنة ، وكان خطاب تأنيبهما من الله تعالى لهما معا ، وكان التضرع إليه ، وطلب مغفرته  منهما معا ، ولم يتغير الضمير من الدلالة على المثنى إلى الدلالة على الجمع إلا بعد هبوطهما من الجنة إلى الأرض ، والسبب في ذلك هو هبوط إبليس اللعين معهما .

وبناء على ما تقدم ،لا يصح ما يروج عن قصة آدم وزوجه عليهما السلام من توهمه البعض بأنها هي من أغرته بالأكل من الشجرة الممنوعة ، وهذا افتراء ممن يتعمدون شيطنة حواء ـ حاشاها ـ ، وكذا وصف كل بناتها بذلك . وما صح عن حواء في كتاب الله تعالى أنها كانت شريكة زوجها الشراكة الكاملة في سكن الجنة ، وفي ارتكاب خطيئة بالأكل من الشجرة  ، وفي التوبة والاستغفار منها ، وفي الهبوط إلى الأرض لتتواصل تلك الشراكة على ظهرها كما وصف الله تعالى ذلك  في قوله مخاطبا آدم وكان ما يزال  في الجنة  قبل الخطيئة وهو يحذره من فقدان نعيمها  : (( وإن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى )) ، وهو ما يعني أنه هو وزوجه قد جاعا، وعريا، وظمئا، وضحيا في الأرض ، وكانا في ذلك مشتركين أيضا ، كما اشتركا في نعيم الجنة قبل مغادرتها في  الشبع، والريّ، والستر، والراحة والنعيم . ولم يسجل الوحي عليهما نشوزا ولا خلافا بينهما بل كانا على انسجام تام بينهما.  

وخلاصة القول أن الله تعالى سرد علينا قصة آدم وحواء لتكون لنا فيها عبرة ،بحيث ندرك أولا المساواة التامة بين الذكر والأنثى في كل شيء ما عدا اختلافهما الجنسي الذي اقتضته إرادة الله عز وجل لحكمة كشفها لنا، وهي تكاثر النوع البشري الذي قضاه  سبحانه وتعالى من أجل أن يبتلي البشر في الحياة الدنيا ليجازيهم عن سعيهم فيها في الآخرة  ثوابا أو عقابا ، وقد جعل التكليف بينهم واحدا ، كما جعل الحساب والجزاء واحدا مع مراعاة طبيعة كل جنس وما يطيقه  دون أن يكون ذلك مطعنا يستغله من يصرون على التمييز بين الجنسين إصرار عناد .

وكل أنثى إلى قيام الساعة،  لا يمكنها أن تكون على الفطرة التي فطرها الله تعالى عليها إلا إذا كانت كحواء في علاقتها  أولا مع خالقها سبحانه وتعالى ، و ثانيا في علاقتها مع من تقترن به في علاقة زواج لا غير  ، وتشاركه الحياة الزوجية حلوها ومرها . وعند التأمل نجد  أن كل الأزواج ذكورا وإناثا ،لا يمكنهم أن يشذوا عن حال آدم وحواء في جنتهما  أوبعد هبوطهما منها  إلى الأرض ، فكلهم مأمورون بأمر الله تعالى في قوله عز من قائل : (( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون  وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون )) ، ففي قوله تعالى هذا ، مخاطبا البشرية قاطبة ما  يؤكد المساواة بين آدم وزوجه إذ جمع سبحانه وتعالى بين أمومة حواء ، وأبوة آدم  جمع تسوية بلفظة " أبويكم " وهو استعمال في اللسان العربي المبين يدل على اجتماع الأبوة والأمومة ، تماما كما تدل لفظة "آباء "على الآباء والأمهات  معا . ومما يؤكد هذا قوله تعالى : (( وبالوالدين إحسانا )) حيث جمعت لفظة " والدان" بين الآباء والأمهات ، وهذا من بليغ و بديع اللسان العربي في كلام الله عز وجل  .

 وبناء على ما تقدم ،لا مندوحة للأزواج ذكورا وإناثا عن الوقوع في الخطيئة ، والاستغفار منها تماما كما وقع لأبويهما ، ولا يحق لأحد أن يجعل الخطيئة قاصرة على النساء دون الرجال ، والعكس  أيضا يصح ، ولا الاستغفار قاصرا على الرجال دون النساء ، فالطبيعة البشرية واحدة ، ومن الهراء اختلاق اختلاف بين  جنسين  من طبيعة واحدة . وما يراد في عالم اليوم هو النزوع إلى هذا الاختلاق، لتحقيق إرادة الشيطان الذي أقسم بعزة الله تعالى أن يغوي بني البشر ذكورا وإناثا ،كما أخبر بذلك رب العزة جل جلاله في قوله حكاية عن إبليس اللعين : (( قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين )) ، وكما أخبر أيضا بقوله : (( لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا )) .

وبالرغم من هذا التحذير الإلهي الخطير ، فإن الشريحة المستلبة علمانيا عندنا قد اتخذت الشيطان وليا من دون الله ، وأقبلت على الخسران المبين عامدة مصرة ، وقد رضيت أن تكون من نصيب الشيطان، وقد أتاها من بين أيديها، ومن خلفها ،وعن أيمانها، وعن شمائلها  ، فأضلها ومنّاها وأمرها، فصارت تدعو إلى تغيير خلق الله تعالى من خلال المجاهرة بحرية تغيير الجسد ، وتحويله من طبيعة ذكورية إلى طبيعة أنثوية والعكس أيضا ، وتغيير طبيعة العلاقة الجنسية في إطار الزواج بين الرجال والنساء إلى ما صار يسمى  علاقة جنسية مثلية، وعلاقة جنسية رضائية ، وهما مما ذمهما وحرمهما الله عز وجل.

 فهل من حق هذه الشريحة العلمانية  المنحرفة عن صراط الله المستقيم أن تحشر أنفها في موضوع مراجعة مدونة الأحوال الشخصية الإسلامية  في بلد يدين أهله بدين الإسلام ، وفيهم الإمامة العظمى، وهي إمارة  المؤمنين، وحامية حمى الملة والدين ؟    

( الحلقة الثانية )

من أقدم النماذج النسائية المذكورة في القرآن الكريم امرأة نوح وامرأة لوط ، وهما نموذجان للخيانة الزوجية ، ليس خيانة العرض  المعهودة والمعروفة عند الناس، بل هي أعظم وأشنع من ذلك، لأنها خيانة الدين حيث حصل الكفر من هاتين المرأتين بالرغم من  كونهما كانتا تحت نبيين كريمين  صالحين ،اللذين كانا يواجهان الكفر والفساد فيمن بعثا فيهم من الكافرين  ، ولم يكن ولاء الزوجتين للزوجين النبيين الكريمين الصالحين ، بل كان للقوم الكافرين ، ولا شك أن هاتين الزوجتين الخائنتين خيانة الذين، وهي خيانة عظمى بلغة عصرنا، كانتا تخفيان عنهما كفرهما أو ميلهما للكافرين أو ولاءهما لهم  .

ولقد جاء ذكر هاذين النموذجين من النساء في سياق تحذير وتنبيه الكافرين من عذاب الآخرة ، فقال الله تعالى : (( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين )) ، ففي هذه الآية الكريمة، بيان سبب ذكر  التمثيل بزوجتي النبيين الكريم نوح ولوط عليهما السلام ، وهو تيئيس الكافرين من النجاة من عذاب الآخرة ، ذلك أن زوجتي نوح ولوط عليهما السلام لم يغن عنهما زواجهما بنبيين ، ولم  ينفعهما ذلك، وقد مالتا  إلى القوم الكافرين الفاسدين ، وانحشرتا في زمرتهم ، وكان ذلك خيانة منهما لزوجين نبيين صالحين . وإذا كان زواج هاتين الزوجتين  من نبيين لم ينجهما من عذاب النار ، فمن باب أولى ألا يغني عن الكافرين  شيء آخر مهما كان، لأنه لا يوجد ما يتشفع به عند الله تعالى  فوق شفاعة النبوة،  ولو كان من يتشفع بها من أقرب أقارب الأنبياء سواء كانوا زوجات  أو أبناء أو آباء... أو غير هؤلاء من ذوي القربي إذا ما  كانوا من أهل الكفر والضلال  والفساد .

وما يعنينا من هذا النموذج النسائي الذي ساقه الله تعالى في محكم التنزيل ، ليس تيئيس الكافرين فحسب ، بل تنبيه النساء إلى قيام الساعة من الاتكال على زواجهن من الصالحين دون الاقتداء بهم في صلاحهم . وقد جاء في بعض كتب التفسير أن في ذكر هذين النموذجين موعظة لكل المؤمنات إلى قيام الساعة كي يقتدين  أولا بصلاح أزواجهن مع الثبات على ذلك ، لأن عدم الاقتداء بهم يكون بمثابة خيانة كخيانة امرأة نوح وامرأة لوط ، وثانيا عليهن بحسن معاشرة أزواجهن من خلال معاملتهم المعاملة الحسنة ، لأن الله تعالى لا يحب أن يُؤذى عباده المؤمنون من أي كان ، وبالأحرى أن تكون أذيتهم صادرة عن أزواجهم ، وهو سبحانه يعلن حربه على من يؤذيهم كما جاء في الحديث القدسي الذي رواه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه ، وجاء فيه : " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب" ، وعداوة الصالحين تكون بإلحاق الأذى بهم .

ومعلوم أن الله تعالى قد أخذ ميثاقا من الأزواج والزيجات المؤمنين والمؤمنات بأن تكون المعاملة بينهم وفق ما شرعه لهم ، لا يحيدون عن ذلك قيد أنملة  تحت أية ذريعة أو مبرر مهما كان ، وهذا الميثاق عبارة عن أمانة في أعناقهم جميعا ، ومن خانها كان خائنا للأمانة مفرطا فيها ، وهذا ما حذر منه سبحانه وتعالى حين ضرب مثل امرأة نوح وامرأة لوط، لأنهما خانتا أمانة الزوجين التي قلدهما الله تعالى حين  زوجهما بنبيين كريمين صالحين  ، وكان الأجدر بهما أن تكونا على شاكلة صلاحهما ، وليس على شاكلة فساد أعدائهما من الكافرين .

وبناء على هذا يتعين على كل المؤمنات ممن قيض لهن الله تعالى الاقتران بأزواج صالحين أن يحافظن على أمانة الزوجية ، ولا يتأتى لهن ذلك إلا بالاقتداء بصلاحهم أولا ثم بحسن معاملتهم وفق ما شرع الله تعالى في العلاقة الزوجية المنصوص في كتابه الكريم ، وشنة نبيه المشرفة صلى الله عليه وسلم   .

ولا تشذ في زماننا هذا  كثير من النساء عن نموذج امرأة نوح وامرأة لوط ، ذلك أن كل زوجة تكون تحت مؤمن صادق الإيمان وصادق الصلاح ، وهي على غير إيمانه ، وعلى غير صلاحه ، فهي في حكم الخائنة خيانة  اعتقاد كأن تكون ملحدة كافرة  أو مشركة وثنية ، وهذه أحوال الزيجات المقترنات بأزواج مؤمنين صالحين على أساس أنهن  كن مؤمنات صالحات  ثم كفرن أو أشركن بعد ذلك ، أو كن هن وأزواجهن على ملة الكفر ، فحدث أن آمن الأزواج وصاروا صالحين  بينما ظلت الزيجات على كفرهن .

ومن الزيجات المؤمنات من لا تلبسن إيمانهن بكفر أو شرك وهن في عصمة أزواج مؤمنين صالحين ، ولكنهن لا تقتدين بهم في صلاحهم ، ويكون منهن التفريط والتهاون في الاستقامة على صراط  الله المستقيم ، فضلا عن سوء معاملتهن لأزواجهن بسبب التأثر بسلوك الكافرات أو المشركات وتقليدهن والاقتداء بهن ، وهذا هو الحاصل الغالب في زماننا هذا، حيث صارت زيجات مؤمنات كثيرات تتبعن النساء العلمانيات في هيئاتهن وسلوكهن، ظنا منهن أن ذلك هو السلوك الحضاري الذي يجب الاقتداء به لولوج عالم التحضر ، ومواكبة بالركب الحضاري الغربي  ، وفي هذا خيانة صارخة لميثاق رباط الزوجية الذي شرعه الله تعالى ، وهو بمثابة أمانة سيسألن عنها يوم القيامة ، ولن يغني عنهن أنهن كنّ زيجات لمؤمنين صالحين، تماما كما لم يغن امرأة نوح وامرأة لوط أنهما كانتا تحت نبيين صالحين ، وقد دخلتا النار مع الداخلين .

ولا يجدر بالمؤمنات إلى  قيام الساعة  أن تغفلن عن هذا المثل الذي ضربه الله تعالى  للكافرين ، ولمن يحذو حذوهم في كفر أو فساد أو خروج عما شرعه عز وجل تحت اية  ذريعة من الذرائع مهما كانت . ولقد جعل سبحانه وتعالى الاستفادة من  الأمثال المضروبة في كتابه الكريم دليلا على التعقل والعلم ، فقال جل من قائل : (( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلوها إلا العالمون ))

  ولهذا وجب الاحتراز مما يسوق إعلاميا من مطالب بتعطيل شرع الله تعالى في أحوالنا الشخصية أو تجريمها انصياعا لمطالب علمانية دخيلة على مجتمعنا المسلم المتشبث بدينه وبإمارة المؤمنين الحامية حمى الملة والدين .

( الحلقة الثالثة )

انتهينا في نهاية الحلقة الثانية من هذه السلسلة عند قوله تعالى : (( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون )) ، وعطفا على المثل الذي ضربه الله تعالى للكافرين ، والمتعلق بامرأة نوح وامرأة لوط اللتين لم يغن عنهما أنهما كانت تحت نبيين كريمين ، لأنهما اختارتا سبيل الضلال على سبيل الحق ، ضرب الله عز وجل في نفس السورة ، وبعد هذا المثل مباشرة مثلا للمؤمنين . وإذا كان سياق المثل المضروب للكافرين هو الترهيب ، فإن سياق المثل المضروب للمؤمنين هو الترغيب ، وهو قوله تعالى : (( وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين )) ، ففي هذه الآية حديث عن نموذج المرأة المؤمنة الثابتة على إيمانها  بالرغم مما لاقته من عنت ، وهي تحت زوج كافر من  الفراعنة الطغاة الذين حكموا مصر ، وكان أشدهم طغيانا فرعون موسى، وقد عذبه الله تعالى بالغرق  ، فألقى البحر بجسده على الساحل  ليكون آية للعالمين  إلى قيام الساعة ليرى الناس في بقاء  بدنه عبرة لكل طاغية كافر كان يعذب المؤمنين والمؤمنات . وامرأة فرعون سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم آسية في حديثه الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه والذي قال فيه : " كمُل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون " . ولقد اختلف المؤرخون والمفسرون حول من هو زوج آسية  من الفراعنة ، فقال بعضهم إنه "رمسيس الثاني "، وقال آخرون هو ابنه الأكبر " مرنبتاح "، وقيل هو غير هذين، والله  تعالى أعلم، المهم أن آسية كانت زوجة لملك طاغية من الملوك الفراعنة سماه القرآن الكريم فرعون ، وقيل هو اسمه، وليس لقبه لقول الله تعالى : (( ولقد أرسلنا موسى بالبينات وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذّاب )) ،  ومن قالوا بذلك  احتجوا بأنه في اللسان العربي لا تعطف الأسماء على الصفات . وهو يعرف بأنه فرعون الخروج أي خروج نبي الله موسى وقومه  فرارا منه .

المهم عندنا في هذه الحلقة من هذه السلسلة هو آسية نموذج المرأة المؤمنة التي كان زوجة لفرعون الطاغية ، ولم تدع إيمانها ، وثبتت عليه ، وهي تعذب بسببه كي تكره على الرجوع عنه  إلى ما كان عليه زوجها وقومه من كفر وضلال، لكنها  رفضت ذلك ، وتحملت شدة العذاب رغبة في جزاء الآخرة ، وقد سألت ربها أن ينجيها من  فرعون ومن عمله ومن قومه الظالمين ، وأن يعوضها عن القصر الذي كانت تعيش فيه مع الطاغية الكافر  بيتا  في الجنة قال عنه بعض المفسرين أنه سيكون عبارة عن دُرّة بديلة عن الأهرام التي وصفها الله تعالى بأوتاد فرعون ، وكانت مقر مدافن الفراعنة وأسرهم .

نموذج آسية سيتكرر عبر التاريخ إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ، ذلك أن كل زوجة مؤمنة راسخة الإيمان ،وتكون تحت زوج كافر أو مشرك لا إيمان له ، أوفاسق منحرف عن صراط الله المستقيم ، وهو يؤذيها بسبب إيمانها ، وهي صابرة على إيمانها، يكون مصيرها في الآخرة كمصير آسية التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالكاملة هي ومريم ابنة عمران حين ذكر كثرة الكُمّل من الرجال .

ولن يخلو زمان إلى قيام الساعة من نساء يكن كآسية امرأة فرعون ، المرأة المؤمنة النموذج، والقدوة في الصبر على الثبات  في بيئة كافرة طاغية ظالمة ، وإن كانت النساء بعدها لن يبلغن كمالها كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم  مهما بلغت شدة العذاب الذي قد يتعرضن له . وتأتي النساء المؤمنات الثابتات على إيمانهن من اللواتي يبتلين بأزواج من الفُسّاق  الذين يضيقون عليهن  لصرفهن عن تقوى الله عز وجل أو يدعوهن لمعصيته بشكل أو بآخر ، فهؤلاء أيضا يكون لهن أجر كأجر الصابرات على أذى الأزواج الكفار والمشركين .

ومن المؤسف أنه في زماننا، هذا أصبحت بعض المؤمنات تساومن في إيمانهن من قبل مشركين من أهل الكتاب ، أو من كفار ملحدين  ، فتقبلن الاقتران بهم من أجل عرض الدنيا الزائل ، والذي يكون إما  طمع في العيش في أوطان غير أوطانهن أو طمع في الحصول على جنسيات تلك الأوطان من أجل الاستفادة من امتيازات تنال بها أو الطمع في  الحصول على وظائف أو أعمال ... إلى غير ذلك ، وهن بذلك يقايضن إيمانهم  بعرض زائل  من عرض الدنيا ، علما بأن ما ادخره الله تعالى  لهن لصبرهن على إيمانهن هو خير وأبقى . وقد تخدع بعضهن بوعود أزواج يزعمون أنهم يرغبون في الدخول في دين الإسلام، لكنهم لا يصدقون في ذلك ، ويظلون على ما كانوا عليه من شرك أو إلحاد، فتعيش المؤمنات معهم ، وتنجب منهم البنين والبنات ، والله تعالى يقول : (( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا  تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون ))، وليس بعد هذا الذي قضاه الله تعالى من عذر لمن يرغب من المؤمنين في الاقتران بالمشركات أو لمن ترغب من المؤمنات في الاقتران بالمشركين، ولو كان الأزواج المشركون  أوالزيجات المشركات ممن يثيرون الاعجاب بسبب جاه أو مال أوحسن وجمال... أو غير ذلك مما يكون مثار إعجاب .

والأشد أسفا وحسرة أن يحسب بعض الأزواج على الإيمان ، وقد تربوا في البيئات الإسلامية ، وهم يحسبون على الإسلام ولادة إلا أنهم  في حقيقة أمرهم من المرتدين عنه إما تصريحا بذلك أو تلميحا ، ويكون ذلك بعلم مؤمنات يرغبن في الاقتران بهم وهم على ردتهم المعلنة أو الخفية من  أجل مصالح كلها من عرض الدنيا الزائل ، فلهؤلاء المؤمنات نقول إن الإيمان بالله تعالى هو سلعته الغالية ، وقد جعل ثوابه الجنة التي فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، لهذا  لا يمكن أن تقايضن هذه السلعة الغالية  بعرض الدنيا الزائل . ولتكن المؤمنات ممن ابتلين بهذا النوع من الأزواج كآسية امرأة فرعون التي اختارت سلعة الله الغالية ، والتي سألت ربها أن يبني لها بيتا في الجنة ، وأن ينجيها من حياة زوجية  في قصر كفر وظلم مفضلة ثباتا على إيمانها، وتحملا للعذاب من أجله على قصر الفرعون ، وعلى وعد  بتابوت من ذهب توضع فيه   مع جيف محنطة في الأهرام إن هي ارتدت بعد إيمانها .

وما أكثر الأزواج من العلمانيين اليوم الذين يغرون زيجاتهم بالانصراف عن الإيمان إلى العلمانية الملحدة و الفاسدة المفسدة مقابل عرض الدنيا الزائل . فهل ستتخذ الزيجات اللواتي يبتلين بمثل هؤلاء الأزواج آسية قدوة وإسوة أم أنهن سيركن إلى عرض دنيا فانية ،ويؤثرنها على جنة الخلد في آخرة باقية ؟؟؟   

وسوم: العدد 1052