تونس: «معركة الأمعاء الخاوية» في الحرب ضد الاستبداد

تضامناً مع الإضراب عن الطعام الذي بدأه جوهر بن مبارك الناشط السياسي التونسي وعضو جبهة الخلاص الوطني المعتقل منذ شباط/ فبراير الماضي، أعلن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إضراباً عن الطعام لمدة ثلاثة أيام، وفي خطوة تضامنية مماثلة التحق عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري بالإضراب، وانضمّ إليهم عدد من النشطاء الآخرين المعتقلين على ذمّة القضية المعروفة باسم «التآمر على الدولة».

والاعتقالات التي لجأت إليها السلطات التونسية في إطار هذه القضية شملت أيضاً مجموعة من الساسة والمحامين والإعلاميين ورجال الأعمال أمثال غازي الشواشي وعبد الحميد الجلاصي وكمال عبد اللطيف والأزهر العكرمي، والأحدث في إجراءات التنكيل كانت إحالة المحاميتين دليلة مصدق وإسلام حمزة إلى قاضي التحقيق.

وهذه الحملة هي أحدث فصول الانقلاب الذي نفذه الرئيس التونسي قيس سعيّد في 25 تموز/ يوليو 2021 وتسارعت خطواته ابتداء من تعليق البرلمان وإقالة الحكومة وحل المجلس الأعلى للقضاء، ومروراً بإجراءات أخرى منحت الرئاسة سلطات تنفيذية شبه مطلقة بعد الهيمنة شبه التامة على السلطة القضائية، وليس انتهاء بتنظيم استفتاء صوري إلكتروني ودستور هزيل حافل بالتناقضات وانتخابات تشريعية اتسمت بمقاطعة شعبية واسعة.

لكنها أيضاً ذروة جديدة في مهازل قضاء تونسي بات رهن إشارة وتوجيهات القصر الرئاسي في قرطاج، حيث صار أمراً مألوفاً تماماً أن تتم التوقيفات في الشارع أو مكان العمل من دون اتخاذ الحدود الدنيا من الإجراءات المنصوص عنها في قوانين تظل سارية حتى الساعة. وبعد سبعة أشهر على اختلاق هذه القضية ما تزال الملفات خاوية والتحقيقات معطلة، والقضاء يرفض استدعاء الشهود وعلى رأسهم مجموعة الدبلوماسيين الأجانب الذين يُتهم الموقوفون بـ«التخابر» معهم بهدف قلب نظام الحكم في تونس.

صحيح أن غالبية التدابير القمعية تخدم جهود سعيّد للتحكم في انتخابات المجالس المحلية والجهوية التي ستجري في شهر كانون الأول/ ديسمبر المقبل، ولكن ما لا يقل صحة هو أنها تستهدف ترتيب الأوضاع على النحو الأفضل ملاءمة لحسابات سعيّد في مواجهة الانتخابات الرئاسية المقبلة، بافتراض أنها ستجري بالفعل في غضون عام من الآن.

ولا يخفى كذلك أن مقداراً غير قليل من تشجيع سعيّد على المضي أبعد في ترسيخ الانقلاب يأتي من صمت غالبية الديمقراطيات الغربية أو تواطئها أو حتى توفير المساعدات المالية تحت ذريعة محاربة الهجرة من تونس إلى أوروبا عبر المتوسط.

ومؤسف أنّ استكمال مراحل انقلاب 2021 يعتمد أيضاً على حقيقة أن منظمات مجتمع مدني فاعلة وقوية مثل الاتحاد العام التونسي للشغل كانت قد اتخذت مواقف مؤيدة للتدابير الانقلابية، قبل أن تدرك متأخرة أنها تناقض مصالح الشغيلة والكادحين وعموم أبناء تونس، بدليل تراجعها عن ذلك التأييد المبكر وبلوغ الأوضاع المعيشية والاقتصادية والخدمية مستويات غير مسبوقة من التدهور.

وقد لا تسفر حركة الإضرابات عن الطعام عن تعديل مسارات القمع في تونس، ولكن من الواضح أنها صارت تستحق تسمية «معركة الأمعاء الخاوية» لأنها ببساطة جزء من حرب مفتوحة ضد الاستبداد.

وسوم: العدد 1052