متى كان الوحش رحيما مع الفريسة؟
كان يا مكان في قديم الزمان في قرية (طلامي) مختار شرير يملك الكثير من الأراضي والمال والسلاح والأرزاق ولديه عشرات البلطجية يعملون لصالحه، وكان يعتدي على أهل القرية كيفما شاء، ويفرض عليهم أتاوات ويعاقبهم على أبسط الأخطاء، والكل يخاف منه ويحاول تجنب شره ويعمل على إرضائه بكل الوسائل، وذات يوم هجم مجموعة من بلطجية المختار على بيت (أبو جدعان) وضربوا أولاده وحطموا أثاث البيت وسرقوا محصول القمح، وتحولت حياة أبو جدعان بعد ذلك إلى جحيم، ومع ذلك كان أبو جدعان كلما سألوه في القرية عن وضعه البائس التعيس، كان يقول مازلت آمل أن سعادة المختار سيحل مشكلتي، وهناك أخبار طيبة أنه شكل لجنة لحل قضايا أهل القرية، والجميع يضع أمله في سعادة المختار لتحسين وضع الأهالي.
ما أتعس تلك الشعوب التي تتوقع الحل من قاتليها، ومغتصبيها، وقاهريها، وناهبيها. من المفارقات المضحكات المبكيات أن غالبية الشعوب العربية المنكوبة تتطلع دائماً إلى الحلول القادمة من القوى الكبرى، وخاصة الغربية، وعندما تجد تلك الشعوب نفسها بلا حول ولا قوة، فلا شيء يبعث الأمل في نفوسها بالخلاص إلا التدخل الغربي سياسياً أو عسكرياً.
قد يبدو الأمر كوميدياً للغاية، لكنه للأسف الواقع المر، فالكل ينتظر الفرج من العم سام وغيره من القوى التي تعيث خراباً ودماراً في العالم منذ عقود وعقود. السوري يتوقع الحل في بلده على أيدي الكبار، وكذلك اليمني والعراقي واللبناني والسوداني والتونسي والمصري والليبي والفلسطيني، مع أنهم جميعاً يعلمون أن القوى الكبرى مسؤولة بدرجة كبيرة عن الكوارث التي حلت ببلدانهم. مَن الذي غزا العراق في المقام الأول ودمر نظامه وحل جيشه وحوله إلى ملل ونحل طائفية ومذهبية متصارعة؟ من الذي زرع الفرقة والتناحر بين العراقيين وجعلهم يترحمون على أيام الطغيان الصدامي الخوالي؟ مع ذلك، فإن عيون العراقيين مازالت ترنو إلى الأمريكي كي يخلصهم من محنتهم ومأساتهم، وهو المتسبب بها أصلاً.
ولو سألت السوريين اليوم، على من تعلقون الآمال كي ينقذكم من وضعكم المأساوي الكارثي، لأشاروا فوراً إلى القوى الكبرى، فهي برأيهم الوحيدة القادرة على إيجاد حل لمأساتهم، مع أنهم يعلمون علم اليقين أنه عندما تدخلت أمريكا في سوريا، استولت على سوريا المفيدة التي تحتضن مناطق الحبوب والماء والنفط، ووضعتها تحت أيديها وأيدي عملائها من المجموعات الكردية. وعندما استقدمت أمريكا وشركاؤها أساطيلها ودباباتها إلى سوريا، فليس لمساعدة السوريين للتخلص من النظام الفاشي، الذي دمر سوريا بالبراميل المتفجرة والطائرات وحرق ثلاثة أرباع البلد وشرد نصف الشعب، بل راحت تقول إنها جاءت لمحاربة الإرهابيين. ونحن نشد على أيدي كل من يحارب الجماعات الإرهابية كتنظيم الدولة (داعش) وغيرها، لكن أليس النظام والميليشيات الإيرانية التي استقدمها لتدمير سوريا إرهابية أيضاً، وكان على الأمريكيين محاربتها أيضاً كجماعات إرهابية؟ هل تختلف ممارسات النظام وممارسات حلفائه في سوريا عن ممارسات الدواعش؟ كيف يمكن أن تتوقع الحل على أيدي الخارج في سوريا بعد معرفة أبسط أبجديات التدخل الخارجي في سوريا اليوم؟ هل لأي قوة خارجية اليوم مصلحة في حل الأزمة السورية، أم إن الوضع الكارثي الحالي يعتبر مثالياً لكل القوى التي تتقاسم النفوذ في سوريا؟
السوري يتوقع الحل في بلده على أيدي الكبار، وكذلك اليمني والعراقي واللبناني والسوداني والتونسي والمصري والليبي والفلسطيني، مع أنهم جميعاً يعلمون أن القوى الكبرى مسؤولة بدرجة كبيرة عن الكوارث التي حلت ببلدانهم
وحدث ولا حرج عن ليبيا. نعم لقد ساعد حلف الناتو الليبيين في التخلص من نظام القذافي كما ساعد العراقيين في التخلص من صدام، لكن ماذا بعد؟ كيف تطورت الأمور بعد إسقاط النظام الليبي؟ أليست القوى الخارجية مسؤولة عن حالة الفوضى والتمزق والتشظي التي تسيطر على الحالة الليبية منذ أكثر من عقد من الزمان؟ أليست التدخلات الخارجية هي التي حولت الوضع في ليبيا إلى حرب أهلية من أجل مصالح القوى الكبرى التي تتصارع اليوم على ثروات البلاد وتدعم هذا الفصيل ضد الآخر كي تتمكن من السيطرة على البلاد وشفط خيراتها؟ هل تتوقع من الضباع المتصارعة على بترول ليبيا اليوم أن تجد حلاً للمأساة الليبية وحتى إعادتها إلى وضع ما قبل الثورة؟ من له مصلحة في حل الأزمة الليبية من القوى الخارجية؟
وفي السودان اليوم، ألا يُعتبر الصراع الدائر بين عصابات العسكر أيضاً مثالياً لكل ضباع العالم الذين يتهاوشون على الثروات السودانية؟ هل بدأت الكارثة السودانية كي تنتهي قريباً أم إنها مشروع خارجي شرير تلعب داخله فصائل العسكر المتناحرة دور أدوات التنفيذ فقط؟ وهنا نسأل السؤال نفسه: من له مصلحة في إيجاد حل للكارثة السودانية وحتى إعادة البلاد إلى الوضع السيء الذي كانت تعيشه أيام حكم البشير؟ لا أحد سوى الشعب المنكوب، وهو لا يملك من أدوات الحل شيئاً، شأنه في ذلك شأن الليبي والسوري والعراقي، والتونسي، واليمني، واللبناني. أما بقية القوى الكبرى التي يأمل السودانيون أن تساعدهم في إيجاد حل فهي التي خلقت الوضع الحالي أصلاً، فكيف تتوقع منها أن تحله؟ مستحيل.
كيف يتوقع اليمنيون أن يأتيهم الفرج من الخارج وهم أصلاً ضحية العدوان والتدخل الخارجي؟ ماذا كانت تفعل الأساطيل وطائرات الاستطلاع الأجنبية عندما كانت الأسلحة الإيرانية تتدفق على العصابات اليمنية؟ لا تقل لي إن الأسلحة التي كانت تنهمر على اليمن لم تكتشفها أجهزة المراقبة والاستطلاع الغربية؟ ألم تكن كل الأسلحة التي حرقت الأخضر واليابس في اليمن قادمة أصلاً من شركات الأسلحة الدولية؟ أليس اليمن كسوريا مجرد حقل رماية يستخدمون على أرضه كل أنواع السلاح؟ ألم يقل وزير الدفاع الروسي إن سوريا كانت أفضل مختبر لتجريب أسلحتنا الجديدة؟ ثم يتنطع بعض المغفلين ليطالب بحلول دولية لكوارثهم.
من يلعب اليوم في الساحة اللبنانية وأوصلها إلى حافة الانهيار والإفلاس؟ أليست نفس القوى التي يعلق عليها اللبنانيون الآمال لانتشالهم من تحت التحت؟
وحتى البلدان التي حصل فيها بعض التغيير، فكان مجرد تغيير طرابيش لا أكثر ولا أقل، لا بل إن التونسيين مثلاً يترحمون اليوم على أيام بن علي بعدما جاءهم قيس سعيّد الذي يُمطر الصهيونية يومياً بوابل من الشتائم، لكنه على الأرض مثل بشار الأسد وغيره من القومجيين، هم أكثر من ساعدوا مشاريع العدوان والتخريب والتدمير الخارجية لتنجح في بلادنا.
اليوم، ليس لدى السوريين واليمنيين والليبيين والسودانيين والعراقيين واللبنانيين وغيرهم ممن يسمون بالعرب، ليس لديهم أية حلول لكوارثهم. المساكين ينتظرون أي حل بين القوى الخارجية المتصارعة على بلادهم لعله يصب في مصلحتهم، مع العلم أنهم يعرفون المثل الشعبي الشهير: ما حك جلدك مثل ظفرك، وأن الفرج لا يمكن أن يأتي من الوحوش الضارية، ومن السخف الشديد أن تستنجد الفريسة بالصياد كي ينقذها من مخالب كلب الصيد، ومن الأسخف طبعاً أن تتوقع حبة القمح العدالة من الدجاجة؟
وسوم: العدد 1053