هل شرّع الغرب إبادة الفلسطينيين؟
تطابقت تصريحات المسؤولين الغربيين في الرد على سؤال إن كانت حكوماتهم ستطالب إسرائيل باحترام القوانين والشرع الدولية في إطار عملياتها العسكرية ضد قطاع غزة، وخصوصا بعد إعلان حكومة بنيامين نتنياهو حصار القطاع وقطع الكهرباء والماء والوقود والطعام ووصول السلع إليه، وظهور أدلة موثقة على الاستهداف العشوائي للفلسطينيين، واستخدام قنابل الفوسفور ضدهم، وإعلان مؤسسات أممية وحقوقية أن ما يحصل في غزة هو عقاب جماعي للسكان.
تكررت في تلك التصريحات جملة «المسؤولية تقع على حماس» مئات المرات، وتشابهت في ذلك إجابات الرؤساء، ورؤساء الحكومات، والخارجية، والدفاع، ومسؤولي الأحزاب الحاكمة، بل إن أحد قادة الأحزاب غير الحاكمة، مثل كير ستارمر، رئيس حزب العمال البريطاني، كان أشد إصرارا على رفض وضع أي قيود على انتقام إسرائيل من الفلسطينيين.
المقصد الأول لهذه الجملة هو فصل هجوم حركة «حماس» عن السياق التاريخي للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. لا علاقة لهذا الهجوم بتأسيس إسرائيل ونكبة الفلسطينيين التي تسببت بتهجير جزء كبير من سكان غزة من قراهم وبلداتهم ومدنهم، ولا بالحصار غير القانوني للقطاع لمدة 16 عاما، ولا بالحروب التي دمّرت القطاع خمس مرات وخلّفت آلاف الضحايا.
في التركيز على القضايا العامة يجهل أغلب الناس التفاصيل التي تحظر على أهل غزة «عيش حياة طبيعية» ومنها، كما أشار كاتب عربي، منع إسرائيل للسكان من الخروج نحو العالم الخارجي، بما في ذلك الضفة الغربية (ناهيك طبعا عن قراهم وبلداتهم الأصلية) وكذلك منعهم من قائمة طويلة من السلع التي لا تني تتزايد وتتبدل، بما في ذلك كرات القدم، وفساتين الأعراس، وأنواع من الأحذية والملابس، وحتى أنواع من البهارات والخل واللحوم والبسكويت، أو أي شيء يمكن استخدامه في الصناعة أو ترميم ممتلكاتهم كالقوارب والسيارات، كما منع المحاولات العديدة التي حاول آخرون من العالم الخارجي الوصول إليهم.
تحمل جملة «حماس تتحمل المسؤولية» أوراق الرخصة الرسمية الغربية لإسرائيل بشن حرب انتقامية ضد الفلسطينيين، وقامت بتبرئتها سلفا من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها وتتجهز لارتكابها.
ظهر ذلك بوضوح مع توالي إعلان الدول الأوروبية تجميد الدعم المالي للفلسطينيين في غزة والضفة وهو ما يعني صراحة أن «حماس لا تتحمل المسؤولية» بل يتحملها الفلسطينيون جميعا (تراجعت بعض الدول عن ذلك لاحقا، بسبب الطابع الفضائحي للقرار، لكن المانيا والنمسا أبقتا عليه).
تبارى وزراء الخارجية الغربيون على زيارة إسرائيل لإعلان التضامن، كما أعلن أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي أنه يزور إسرائيل كيهودي أولا (في معارضة تاريخية لما قاله هنري كيسنجر لغولدا مائير خلال حرب 1973 حين قال إنه وزير خارجية أمريكا أولا) ثم زاودت عليه أنالينا بايربوك، وزيرة الخارجية الألمانية بالقول: «كلنا إسرائيليون» أما الرئيس الأمريكي جو بايدن، فردد أكاذيب أنه شاهد صور أطفال إسرائيليين مذبوحين، وهو ما فعله وزير الدفاع البريطاني، غرانت شابس، أمس، خلال لقاء شارك فيه الضغوط التي يقوم فيها الساسة البريطانيون على «بي بي سي» لوصف «حماس» بالإرهابية، وهو أمر لا يتفق مع مبادئ المؤسسة ولم يحصل أبدا في تاريخها حتى في أيام هجمات «الجيش الجمهوري الأيرلندي» في لندن وبريطانيا!
اتخذ العديد من الدول الغربية بعدها إجراءات تمنع حرية التعبير التي كانت تتباهى بها، وصار العلم الفلسطيني، وليس علم «حماس» فحسب، تعبيرا عن «معاداة السامية» وصدرت قرارات بمنع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في أكثر من بلد غربي، وهددت بعض العواصم الغربية بأحكام مشددة بالسجن ضد المشاركين في تلك المظاهرات.
ما يحصل عمليا هو ظاهرة تاريخية يتماهى فيها الغرب مع إسرائيل. لا يتعلق الأمر بتجاهل تاريخ الفلسطينيين، ونكباتهم، وتهجيرهم، وتبرير جرائم الجيش الإسرائيلي، والتغاضي عن انفلات قطعان المستوطنين المسلحين ضدهم في الضفة، بل يتعلق عمليا بنزعة نازية تعتبر حياة الإسرائيلي (والأوروبي) أهم من حياة الفلسطيني، وتبيح أشكال الانتقام التوراتي ضدهم، في انحطاط تاريخي لا مثيل له.
وسوم: العدد 1054