«حجيج» الديمقراطيات الغربية إلى إسرائيل: الذعر تحت لافتة التضامن
بعد وزيري الخارجية والدفاع في الولايات المتحدة، تقاطر إلى دولة الاحتلال وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا وإيطاليا، واليوم يصل المستشار الألماني، وتتردد أنباء أن الرئيس الأمريكي جو بايدن ينظر في قبول دعوة رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لزيارة تل أبيب. على أصعدة غير حكومية، ولكن على مستويات السلطة التشريعية الأعلى في الولايات المتحدة، زار وفد من الكونغرس الأمريكي ضمّ أعضاء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري وترأسه شاك شومر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ.
التضامن مع دولة الاحتلال بعد عملية «طوفان الأقصى» هو اللافتة المعلنة المرفوعة خلف تسابق ممثلي الديمقراطيات الغربية على مساندة الحكومة الإسرائيلية وجيشها، وتشجيعها على المضي أبعد وأكثر وحشية وعنفاً في حربها العدوانية على المدنيين في قطاع غزة، والتواطؤ معها بطرائق متعددة لا تبدأ من السكوت على ارتكاب جرائم الحرب ولا تنتهي عند تشويه الحقائق وتضليل الرأي العام والاعتناق الأعمى للرواية الإسرائيلية.
غير أن اللافتة هذه لا تفلح كثيراً في طمس أحد أكثر الأسباب جوهرية خلف «الحجيج» اللاهث لكبار المسؤولين في هذه البلدان وسواها، فهنالك قلق عميق إزاء هاوية تواصل دولة الاحتلال الانزلاق نحوها بمعدلات أسرع وأكثر خطورة، حيث تتراكم العوامل التي تثير القلق في الغرب وتصنع حالة جماعية من الذعر على مصير الكيان الصهيوني في ذاته ومن ذاته، وإزاء عوامل الضعف والارتباك والتخبط التي تدفع في اتجاه تفكك البنيان داخلياً.
ذلك لأن دولة الاحتلال تشهد واحدة من أقسى امتحاناتها الوجودية منذ حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، والبعض يذهب أبعد إلى سنوات النكبة وزرع الكيان في فلسطين، وفي الآن ذاته تتعمق انقساماتها الاجتماعية والقانونية والأخلاقية تحت سلطة حكومة هي الأشد فاشية وعنصرية وتطرفاً على امتداد تاريخ الكيان. وهكذا فإن هستيريا تأييد الجيش في عدوانه الهمجي على غزة يصبح الوجهة الأخرى لخيانة أسابيع من تظاهرات عشرات آلاف الإسرائيليين ضد حكومة نتنياهو وما تعتزم فرضه من تعديلات قضائية وتشريعات تكرس المزيد من منظومات الأبارتيد.
وليس عجيباً والحال هذه أن يتناغم بعض كبار الزوار الغربيين مع الأبعاد الدينية في قلب هذه المناخات الهستيرية، فلا يتردد وزير الخارجية الأمريكية في التصريح بأنه يأتي إلى دولة الاحتلال بصفته يهودياً، ويتفاخر شومر بتصريح مماثل حول يهوديته، فتلتقي السلطتان التنفيذية والتشريعية في القوة الكونية الأعظم على وضع الصراع تحت هوية دينية وحصره في مواجهة ضمنية مع الديانات الأخرى، التي للمفارقة لن تكون الإسلام وحده بل عقائد أولئك الحجاج المسيحيين الذي بصق عليهم غلاة المستوطنين في شوارع القدس العتيقة.
وهذه طرائق مفضوحة بقدر ما هي خبيثة لاستثارة مشاعر الانحياز العشوائية وتأجيج الأحقاد، التي لن تسفر إلا عن فظائع نكراء، على غرار ما شهدته أمريكا من اغتيال طفل فلسطيني لا يتجاوز عمره 6 سنوات على يد متهم بالجريمة عمره 71 سنة. لكن أساليب التعمية الدينية على حقائق الاحتلال الإسرائيلي الفاشية يصعب أن تطمس ذعر ساسة الديمقراطيات الغربية، المتقنع خلف واجهات التضامن المزعومة.
وسوم: العدد 1054