خطر المعتقدات المنحرفة عن الحق على حياة البشر
من المعلوم أنه لا يخلو إنسان في هذه الحياة الدنيا من أن يصدر في تصرفاته عن مرجعية يحكمها اعتقاد معين يؤمن أو يقتنع به ،سواء كانت تلك المرجعية دينية أو كانت لا دينية .
أما المرجعية الدينية، فهي خمسة أنواع من وجهة نظر رؤية قرآنية ، وهي كالآتي:
1ـ مرجعية دين الإيمان بالله تعالى مع الإقرار بتوحيد التوحيد الخالص من شوائب الشرك .
2 ـ مرجعية دين التوحيد لكنه مشوب بالبدع والضلالات.
3 ـ مرجعية دين التوحيد لكنه مشوب بالتحريف المترتب عنه الشرك المفضي إلى الكفر.
4 ـ مرجعية الديانات الوضعية الوثنية .
5 ـ مرجعية اللادين أو الإلحاد . .
ولقد صنف القرآن الكريم أصحاب هذه المرجعيات دينية ولا دينية يستشف تصنيفها من الآيات التالية :
ـ (( الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين )) ، سورة الفاتحة ،الآيتان 6 ـ 7 .
ـ (( الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما انزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون )) ،سورة البقرة ،الآيات 2 ـ 3 ـ 4 .
ـ (( إن الذين كفروا سواء عليهم آنذرتهم أم بم تنذرهم لا يؤمنون )) ، سورة البقرة، الآية 5 .
ـ (( ومن الناس من يقول أمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين )) ،سورة البقرة، الآية 7 .
ـ (( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ))، سورة البقرة ، الاية 165.
ـ (( قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدنّ كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين ))، سورة المائدة ـ الآية 68 .
ـ (( وقالت اليهود عزير ابن الله ، وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يوفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون )) ، سورة التوبة ، الآيتان 30 ،31.
ـ ((لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسّنّ الذين كفروا منهم عذاب أليم )) ، سورة المائدة ، الآية 73.
ـ (( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح با بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إن من يشرك بالله فقد حرّم عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار )) ، سورة المائدة ، الآية 72 .
ـ (( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه بعد الله أفلا تذكّرون وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنّون )) ،سورة الجاثية ، الآيتان 23،24.
ـ (( لتجدنّ أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدنّ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسّيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون و
إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين فأثابهم الله بما قالوا جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين )) ، سورة المائدة ، الآيات 82، 83، 84.
هذه الشواهد القرآنية كافية للدلالة على مختلف المرجعيات الدينية ، واللادينية المشار إليها أعلاه . والبشر باعتبارها إما مؤمنون موحدون ، وهم من المنعم عليهم بتوحيدهم لله عز وجل ، أو كفار ملحدون لا يؤمنون بالله تعالى، وهم ضالون ، أو وثنيون يتخذون من دون الله تعالى أوثانا وأصناما آلهة، وهم ضالون أيضا، أومنافقون مغضوب عليهم ،يظهرون الإيمان بالله تعالى ، ويبطنون الكفر والإلحاد ، وأهل كتاب، يهود ونصارى، وهم المغضوب عليهم أيضا،لأنهم ينسبون الولد لله ـ تعالى عن ذلك علوا كبيرا ـ وهم بذلك مشركون ، فضلا عن كونهم يكفرون بما أنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يستثن القرآن الكريم منهم إلا المؤمنين برسالته ، وهم موحدون لا يلابس توحيدهم شرك بالله تعالى سواء كان الشركاء رسلا وأنبياء أو كانوا أحبارا ورهبانا.
ومن المعلوم أن البشر يتصرفون في هذه الحياة الدنيا وهم تحت تأثير مرجعياتهم الدينية أو اللا دينية . ومن أخطر ما تدعو إلى بعض تلك المرجعيات تهديد حياة البشر بإزهاقها ، وبسفك الدماء ، وذلك بشتى الطرق والوسائل والأساليب الإجرامية . ولقد قص علينا القرآن الكريم أنباء الأمم التي أعملت التقتيل في البشر بما في ذلك الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله تعالى برسالات تأثرا بمرجعياتها لها خلفيات عقدية عدوانية . ولم يخل عصر من العصور ، ولا بيئة من البيئات من جرائم ضد الإنسانية وإبادات جماعية بسبب تلك المرجعيات ومعتقداتها المنحرفة عن الحق والعدل . ولا حاجة لسردها الآن تجنبا الإطالة .
ولا يخلو عصرنا هذا من تلك الجرائم الفظيعة ، وأكثر البشر عرضة لها هم المؤمنون الموحدون . وليس من قبيل الصدفة أن يجتمع اليوم الكفار الملحدون ، والوثنيون ، وأهل الكتاب يهود ونصارى ممن حرّف أسلافهم ما أنزل الله تعالى على رسلهم، لارتكاب المجازر الرهيبة والفظيعة في حقهم .ألم يضطهد المسلمون الروهينغا في بورما ، ولا زالوا يضطهدون ؟ ألا يُقتل المسلمون جماعات فرادى ،ويضطهدون في الهند ؟ ألا يقتلون ويضطهدون أيضا في الصين ؟ ألم يُضطهد المسلمون فيما كان يسمى الاتحاد السوفياتي سابقا ؟ ألم ترتكب المجازر في حق المسلمين في العراق وأفغانستان من طرف القوى الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفائها الغربيين ؟ وما هذا الذي يقوم به الصهاينة اليوم في فلسطين من إبادة جماعية للفلسطينيين ، ومن جرائم حرب تحرمها الشرائع السماوية غير المحرفة، والقوانين الوضعية والقيم والأعراف البشرية ، وذلك دأبهم منذ سنة 1948 حين احتلوها بدعم من المحتل البريطاني الذي فوتها لهم في ظرف احتلال وكفى بذلك ظلما لا يمكن أن يمحى إلى الأبد ؟
فكل هذه المجازر تعزى إلى مرجعيات تدعو عقائدها المتطرفة والعدوانية إلى سفك دماء المسلمين ، لا لشيء إلا لأنهم موحدون ، ولأن المرجعية الإسلامية تنكر انحرافاتها عن الحق ، وتدعو إلى تحرير البشرية من عبادة العباد ، ودعوتهم إلى عبادة رب العباد سبحانه وتعالى دون ند أوشريك من بشر أو من وثن أو من هوى .
ولقد شاهد العالم كله عبر وسائل الإعلام العالمية ، ووسائل التواصل الاجتماعي ما صرح به قادة الكيان الصهيوني مدنيون وعسكريون على حد سواء بعد أحداث السابع من أكتوبر من استباحة لأرواح المسلمين في قطاع غزة ، وفي الضفة الغربية ، و في عموم أرض فلسطين ،عملا بالنصوص التوراتية والتلمودية التي يعلمها الأحبار والحاخامات لعموم اليهود ، والتي تجعل سفك دماء المسلمين تعبدا ، وتدينا يلتمس به التقرب إلى الله ـ تعالى علوا كبيرا عما يفترون ـ . ومعلوم أن العقيدة المسيحية عموما ، والبروتستانتية خصوصا المعروف أتباعها بالمتصهينين في الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا ، يؤيدون الصهاينة علانية في ارتكابهم جرائم التقتيل في حق المسلمين في فلسطين المحتلة ، وتنص عقيدتهم المنحرفة المنصوص عليها في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد على دعم قيام دولة إسرائيل ، لأن ذلك حسب زعمهم من شأنه أن يعجّل بتحقيق نبوءة نزول المسيح عليه السلام .
ومن الداعمين للكيان الصهيوني أيضا في ارتكابه جرائم حرب وإبادة جماعية في حق الفلسطينيين كثير من التيارات العلمانية الملحدة عموما ، والعنصرية اليمينية المتطرفة خصوصا بتأثير خلفية معتقدها، وتوجهها الإديولوجي ، وهي محسوبة على التصهين أيضا .
وها هو العالم اليوم يتفرج على مذابح الفلسطينيين في غزة ، وفي الضفة ، وهو يقف مع الجلاد الصهيوني ، ويعتبر ما يرتكبه من جرائم حرب ،وإبادة جماعية في حقهم ، وحصارهم ، و تدمير بيوتهم ، وتهجيرهم ، ومنعهم مقومات الحياة من طعام ، وشراب ، ودواء دفاعا عن النفس مع اتهام أصحاب الأرض والحق الشرعي فيها بالإرهاب ، وما يسمى معاداة السامية . فأي منطق هذا الذي يجعل الجلاد ضحية ، والضحية جلادا في زمن التباهي والتبجح بالوصاية العالمية على الديمقراطية ، وعلى حقوق الإنسان ، ويعتبر عالما حرا يستعبد البشرية وفق أهوائه ومصالحه ... إلى غير ذلك من الاستخفاف بالقيم الإنسانية ؟
ومن المؤسف بل من المحزن أن تنتقل عدوى الانحراف العقدي عن الحق والعدل إلى أفراد ، وجماعات، وفئات، وطوائف محسوبة على الإسلام ـ يا حسرتاه ـ تعتمد أفكار ضالة مضلة ، ومنحرفة ، وهي تدعو إلى تصفية فئات وطوائف تشاركها الانتساب إلى الإسلام لمجرد أنها لا تجاريها فما تعتقده من أوهام، وخرافات ، وتراهات لا أساس لها من الصحة حين تعرض على الحق المبين كما جاء في الذكرالحكيم . وإن تلك الفئات والطوائف التي يستميلها ما يستميل أهل الكتاب قبلها من أنواع الشرك بالله تعالى بادعاء شركاء له في ألوهيته وربوبيته تصريحا عند البعض، وتلميحا عند البعض الآخر، مع لي أعناق آيات الذكر الحكيم وتأويلها بما يسمى تأويلات باطنية ،لا تستقيم لا منطقا ، ولا أسلوبا ، ولا لغة ، ولا بلاغة، ولا تفسيرا ، بل هي مجرد افتراءات على كتاب الله عز وجل ، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهي في الحقيقة محض أوهام وخرافات مترتبة عن فساد معتقدات ، وكل ذلك يشكل مصدر تهديد لأرواح طوائف مسلمة لا تعتقد ما يعتقده أصحاب تلك المعتقدات المنحرفة ، وكثيرة هي الأرواح التي أزهقت قديما وحديثا بسببها ، ولا زالت تلك الأفكار الإجرامية تسوق على ألسنة من صاروا يسدون مسد الأحبار عند اليهود والرهبان عند النصارى ممن يجيزون سفك دماء الأبرياء من المسلمين على أساس أن ذلك من صميم تدينهم الذي لا يستقيم إلا بذلك السفك ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وسوم: العدد 1062