المنَّهجِ القويم والآخــر السَّقيم
الحذر من الفتن والمغريات الفاسدة التي باتت تملأ أرجاء المعمورة ، ودخلت إلى البيوت دخولها على النفوس والقلوب والمشاعر على حــد سواء . حيث تنقل هذه المغريات كل أنواع الفتن التي جلبتها الحضارة المعاصرة ، دون النظر إلى العواقب المترتبة على هذه الفتن ، وعلى آثارها السيئة بأيِّ صورة تتراءى فيها. ومن هنا يجب الحذر ، وذلك لعدم وجود الرادع والحاجز الذي يمنع سيل الفساد العارم الذي اجتاح نفوس الناس أفرادا وأسرا ، وأوغل في الجهات التي بيدها القدرة على قبولها ورفضها . لتبقى المسؤولية على عاتق الفرد وعلى عاتق الأسرة ، ولا ننسى تأثير العلماء العاملين والمفكرين المنصفين . الذين يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه من براثن الفساد والفجور والضياع التي غمرت حياة الناس بكل أشكالها . وهنا يأتي دور المنهج القويم هو ذلك السِّفر الراقي بكل ماتحمله كلمة الرقي ، من فضائل ومآثر واهتمامات بإسعاد الإنسان في حياته الدنيوية والأخروية . وهو لسُمو النفس البشرية ، وللنأي بها عن مواطن الانحدار الَّلإنساني ، ولاستثمار العقل الذي منحه الله للإنسان خاصة . ليواجه قضاياه كلها ، ويتغلب على التحديات التي تعترض طريقه ، ليكون المنهج القويم دليله المميز في طلب الأجدى والإتقان في مستلزمات البحث ومتطلبات العمل ، ثم الأخذ بالأفضل والأجدى ليصل إلى هدفه ، ويعزز مراحل الوصول بثبات وقدرة يشملهما اليقين بتوفيق الله سبحانه وأما المنهج السقيم فهو المخالف للمنهج القويم ، ويبقى السُّقمُ دالا على المرض في جسم الإنسان ، سواء أكان هذا السقم لفترة مؤقتة وحسب ، أم أنـه سقم يلازم حياة الإنسان كلها . وهناك السُّقم الأشد خطرا على الإنسان إذا كان في قلب الإنسان ، وهو سقم من نوع آخر ، ويزداد هذا المرض استفحالا ليشمل الجسد والتفكير والمشاعر والتوجهات ، وقد فسره العلماء بداء الضلال الذي يؤدي بصاحبه إلى الكفر وإلى الأمراض الاجتماعية المزمنة والمؤثرة على وضع صاحبه الاجتماعي ، وفي قوله تعالى : ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ... ) إشارة واضحة إلى هذا المرض أو السُّقم الذي يجر صاحبه آخر المطاف إلى عذاب النار . ولقد ورد في عقيدتنا الإسلامية البيان الشَّافي لهذا الداء الوبيل . وإنَّ حفظ مآثر العقيدة ، وقيم الأخلاق السامية التي جاءت في كتاب الله وفي سُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم له أثره البالغ في تعديل السلوك وفي الرقي بحسن السيرة للفرد ، ولا شك بأن الضوابط الشرعية تحفظ للفرد مكانته الإنسانية المباركة ، وتبعده عن الوقوع في مستنقعات الرذائل والانحلال والإلحاد ، ةتهبه القدرة للتغلب على جميع الإغراءات ، فيثبت الإنسان على فضائل معطيات عباداته التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وترتقي بفكره وتسمو بأخلاقه ، فيعيش بالسلوك الذي تمنح ضوابطه المزايا الحِسان
فحماية الفرد ذكرا كان أو أنثى ، وحماية الأسرة ، ثم المدرسة ، ثم أماكن اجتماع الشباب في ناد رياضي ، أو اجتماع عرضي لسبب ما ... وغيرها من أماكن يوجد فيها مختلف الأعمار من أبناء المجتمع ، أمرٌ بات ضروريا بل ملزما لمسؤولي كل جانب من الجوانب التي ذكرناها . حفاظا على العقول من الشتات ، وعلى النفوس من الضياع ، وعلى القلوب من عمى البصائر ، وعلى المشاعر التي تحركها الأعصاب من العصبية المقيتة وغيرها من التصرفات اللاواعية التي ابتلي بعواقبها الموجعة الكثير من الناس .فهذه الحماية ترعى الأخلاق وتحفظ الذمم ، وتكون حصنا منيعا لعقول الناس وقلوبهم ومشاعرهم، وبالأخص الشباب الناشئ المتعطش للمعرفة، والمتدفق عنفوانا وحيوية ، والذي يتطلع إلى الجديد المثير . عن قيمة مايزاوله في حياته ، وأهمية المقصود أو الغاية من ضرورة وجود هذه الحماية بكل مقوماتها التي وضعها الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهي تحصين الأبناء من داء الشر والفساد الذي تحمله إغراءات العصر ، ومن الأخطار التي تحملها هذه الإغراءات المشحونة بتغذية نوازع النفس الإنسانية التي جُرت إلى الضياع ، فتعمل على إضعاف بنية المجتمع . فالقصد نبيل وسام ، وهو نقي كنقاء المقصود ، وهو قلب الناشئ بالدرجة الأولى ، وإذا كان القصد بناء الشخصية لهذا الناشئ منذ نعومة أظافره ، فإنه العمل في الحقيقة بناء مستقبل أمة امتدت جذور عقيدتها إلى أعمق أعماق التاريخ خصبا وعطاء، وعلت غصون حضارتها فوق آفاق الأرض فخراً واعتزازاً ، لأنها حملت الخير للبشرية على على أيدي أبنائها الأبرار . فمع ولادة الطفل يبدأ مشوار الرعاية الأسرية ، بكل مالهذا الطفل من حقوق هو لايعلمها ، ولكن الوالدة والوالد هما المسؤولان بالدرجة الأولى عن رعاية هذا المولود ، وقدَّمنا الأم على الأب لأنها هي التي حملته وأرضعته وسهرت على العناية به وإعداد مايلزمه في هذه الفترة من عمره ، ليأتي دور الأب ثم الأم في المرحلة التالية التي تتطلب العديد من الخدمات لهذا الناشئ، ولنعلم أهمية المهمة التي نحن بصددها ، وندرك أيضا أهمية المقصود الذي هو الطفل في نشأته ، والفتى في ترعرعه ، والشباب في مراهقته وتطلعاته ، وهو بصورة أخرى حياة الأمة ! ووجهها المشرق، وأملها المفضل على أهداب أمل مشرق بالخير والسؤدد له ولمجتمعه وأمته ، نعم أمَّتُه التي ترجو تتألق فيه المثل ، وتعبق في تثنيه نفحات الوفاء والإيمان والسعادة ، وتخطي العقبات ، إن نبل الغاية وجلال المقصد قد لا يعيهما بعض الناس ولا تدرك أبعادهما الكثير من الأسر . ولقد قيل في فضل التربية الأسرية إن ميراث الآباء الحقيقي والأفضل هو أن يترك أبناءَه وبناته متحابين بعد وفاته ، ويعيشون في مجتمعهم بارين متآلفين .
وربما يتغاضى البعض عن الأخذ بتلك القيم ، أو تتلاشى بعض تصرفاتهم الفاضلة التي تصدم مايتعاطاه بعض الناس من فساد وانحلال ونأيٍ عن مكانة أخلاقهم وتاريخهم ومجدهم ، لأنه ينافي ما يتعاطونه في ظلال ما تشتهي أنفسهم التي روَّضتْها الحضارة المعاصرة ، وعطَّلت قدراتهم الإيمانية ، وأبعدت سمو أخلاقهم ، غير مدركين أنَّ معطيات الفساد في هذا العصر لهو البلاء الوخيم على الجميع ، أجل على الجميع . وتشابك المعطيات العقائدية والفكرية الوافدة على بيئة العقيدة الإسلامية ، ونشاط أعداء الإسلام والأمة من خلال ذلك ، ومحاولات الأعداء لقتل الروح الفياضة والعظيمة في نفوس أبناء المسلمين بما يستوردون من مخازي الشهوات والمغريات والانحلال . فأمام أبنائنا الكثير من العقبات التي إن لم تردمها أخلاقهم وإرادتهم ليعبروا من فوقها، فإنهم بلا ريب يسقطون في شراك الشيطان ليكونوا أثمن صيد لــه ولأعوانه من أعداء الإسلام على الأرض الإسلامية. وهنا لا يقل الوعي والحكمة وحسن التصرف مع الأبناء، عن قيمة القصد ذاته ، وذلك حتى يتميز أبناؤنا عن غيرهم بفضل من الله وتوفيقه .
فمنهج الأمة ــ ولله الحمد ــ هو المنهج القويم ، الراسخ في ضمير أمتنا ، رغم ما أصابها من وهن ، ومن جفوة لقيم هذا المنهج ، لأسباب باتت واضحة لدى جميع أبناء الأمة ، فالهجمة الحضارية المعاصرة المنحرفة عن المنهج القويم الرباني استطاعت التغلفل عن طريق وسائل الإعلام ما يذاع أو ينشر أو ينقل ، والهيمنة على مشاعر الناس هيمنة شديدة ، فكم من طفل يمسك بشغف بمجلة تخص الأطفال ، و تراه يمعن النظر في صورها، وجملها ، وترتسم على وجهه مظاهر الانفعالات .. متأثرًا بما يرى وبما يقرأ ، ولعل النظر في هذه المجلات وما فيها من منافع أو مضار فإنها صديقة حميمة للأطفال ، وهي محور من محاور التسلية لديهم على كل حال . وكذلك برامج الأطفال التي يبتها الرائي، والمسلسلات العربية والأجنبية المعدة إعدادا مدروسا للإطاحة ببذور القيم العقائدي لدى الناس الصغار منهم والكبار . ولعلنا نرى الأطفال وهي تشدهم إلى أوقاتها ، فينتظر الطفل ساعاتها بفارغ الصبر ، وإذا ما بدأ البث رأيت الأطفال تسمرت أحداقهم فيها، وأخذوا يتعاطفون معها بحركاتهم ونظراتهم وضحكهم ، ويمتد هذا الشغف بمطيات هذه الحضارة المنحرفة ليصل إلى طبقات المجتمع في مختلف الأعمار . ويتضح هذا المؤشر على مدى العلاقة المكينة ، وتأصل الرابطة والصلة بين معطيات هذه الهجمة الشرسة وبين عامة الناس ، لنعلم مالهذه المعطيات من تأثير في حياة الناس لو استخدمت في ظلال المنهج القويم ، ونأت عن مساوئ المنهج السقيم وآثاره الضَّالة المضلَّة . وفيما لو استخدم المنهج القويم لكان الأداة الطيبة المباركة في خدمة المجتمع المحلي والعالمي ، ولأسعدت النشءَ في طفولتهم ، وفي أيام شبابهم ، وعلى امتداد أطوار أعمارهم .
ومع هذا : فالمتمعن في وجوه المسلمين ، والمتفرس في قسماتها وما تنم عنه عمَّا في خفاياها من حنين إلى مافي تاريخ الأمة من مجد سام ، ومن مكانة رفيعة للمسلمين ، والسابر لأعماق قلوبهم ، والسَّامع لأنات أحنائهم وهي في ظلال فطرتها الصافية النظيفة لهزته نفحات الأمل ، وغمرته بشريات الخير القادم على هذه الأمة رغم كل المآسي التي آلمتها أشدَّ الإيلام ، فما زال في الأمة الخير الكثير ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون .
الإضاءة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبدالله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود( .
والغرقد: نوع من شجر الشوك معروف ببلاد المقدس، وهناك يكون قتل الدجال واليهود، قال أبو حنيفة الدينوري: إذا عظمت العوسجة صارت غرقدة . !
وسوم: العدد 1075